السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
الطريق الثالث.. الحدث الأهم فى أچندة مصر 2023.. بدأ العد التنازلى الحوار الوطنى بين الواقع والمأمول

الطريق الثالث.. الحدث الأهم فى أچندة مصر 2023.. بدأ العد التنازلى الحوار الوطنى بين الواقع والمأمول

تستعد مصر فى قادم الأيام لانطلاق فعاليات (الحوار) المهم والحدث المرتقب الذى يترقبه الجميع فى الداخل والخارج، بعد أن أنهت أمانة «الحوار الوطنى» جميع الإجراءات الضامنة لخروجه بما يليق بمصر وشعبها، ورأيى أن هذا الحوار حال نجاحه وتحقق أهدافه، فإنه سيحجز مكانه فى القائمة الذهبية لأبرز الأحداث السياسية المؤثرة فى تاريخ مصر خلال القرن الحادى والعشرين، فى مكانة لا تقل عن (25 يناير، 30 يونيو) عندما خرجت الجماهير المصرية فى عامى 2011 و2013 لتعبر عن رأيها الحر، ليكتب هذا الحدث الاستثنائى شهادة ميلاد جديدة لمنظومة العمل السياسى فى مصر، ويؤسس لإطار عصرى فى التفاعل بين الدولة والجماهير.



 

وقد تابعت خلال الشهور الماضية (عن قرب) مضمار الحياة الحزبية المصرية، واشتبكت مع تفاصيله هربًا من الأبراج العاجية التى أحيانًا ما تسجن أفكار وأقلام كتاب الرأى فى سياق حالم يبعدهم عن الواقع. واستفدت من مشاركتى الميدانية فى بعض الفعاليات الحزبية المتنوعة، تابعت فيها استعدادات قادة المجتمع للحوار الوطنى، وخلصت إلى عدد من الملاحظات التى أظنها جديرة بالانتباه، فهى تضعنا على أرض الواقع، لنجتهد فى تغييره وتطويره لعلنا نصل إلى المأمول من الحوار الوطنى.

 أهل السياسة

إن طريق الإصلاح السياسى فى مصر يجب أن يبدأ بأهل السياسة أنفسهم،   على أن يكون عبر وسائل عصرية وأكاديميات علمية تقوم بتدريبهم وتأهيلهم، لتطهير المناخ السياسى من المتنطعين والأدعياء ممن يحتكرون المشهد السياسى فى مصر خلال نصف قرن من الزمان، ولا يزالون يحتلون الصفوف الأولى بدعاوى (ودعاية) كاذبة يروجون لها بشراسة، كى يستمروا فى حصد ثمن تفريغهم للحياة السياسية والحزبية التى تصحرت بوجودهم، فأصبح فرضًا على الوطن أن يتعامل معهم على أنهم فقط هم «أهل السياسة» عند كل مفترق طرق، ونجبر فى بعض الأحيان على قبولهم كشركاء فاعلين، ونكتشف مع كل اختبار فشلهم فى مادة «الوطنية».

لقد أمست الحياة الحزبية بسبب هؤلاء «جلدًا على عضم»، ورغم العدد الضخم من الأحزاب، إلا أنه صخب بلا تأثير فى الشارع المصرى، ورغم وجود قامات سياسية كبيرة ومحترمة تطل أحيانًا على المشهد من بعيد إلا أن مزاحمة المتكلسين لهم، جعلت السياسة فى مصر مجالًا طاردًا للكفاءات ومنفرًا للمواهب وأصحاب الأحلام النقية، ليستمر الحديث عن الإصلاح السياسى جدليًا ولا يصل بنا إلى طريق واضح. لهذا لم يعد أمامنا إلا طريق الألف ميل، وهو أن نؤسس حياة حزبية حقيقية، تكن نواة عصرية للنظام السياسى المصرى بذراعيه الموالاة والمعارضة فى الجمهورية الجديدة.

 التنسيقية والشباب

وتمثل تجربة «تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين» الأمل الحقيقى فى الخروج من هذا المأزق، لهذا أتمنى استنساخها مع كبار السياسيين، فهى تجربة فارقة فى مستقبل العمل الحزبى والسياسى فى مصر، لأنها قدمت نموذجًا للسياسى العصرى، المتعلم، الدارس، المتحدث اللبق، والملم بفنون الإدارة الحديثة القادر على التواصل الذكى مع الآخرين، وقبل ذلك كله، المستند على ثقافة واسعة ودراسة علمية تدعم أفكاره وتطورها. 

إن استمرار هذه التجربة وتكرارها مع قطاعات أكبر من الشباب، بنفس الكفاءة والانتقائية والفرز والتنوع الحزبى، ستشكل قاعدة قوية للتغيير، وستكون هى السبيل الجاد للقضاء على نمط هؤلاء السياسيين ممن يعيشون فى ماضٍ سحيق ويديرون العمل الحزبى بطريقة «اطفى النور يا سعد»، المعتمدة على العشوائية والابتذال. إن سيادة نمط السياسى المثقف الواعى الذى يتطوع لوجه الله والوطن سيقضى حتمًا على السياسى «الانتهازى»، الذى يربك الحياة الحزبية ويحرمها من التطور.

 الاقتصاد إلى أين؟

لاحظت تراجعًا نسبيًا فى تركيز الحوارات المجتمعية والحزبية على الجانب الاقتصادى فى ظل سطوة السياسة وأحاديث إصلاحها، ورغم الأهمية الكبرى للمحور للاقتصادى فى الحوار، إلا أن هناك صعوبات واجهت كثيرًا من الأحزاب فى طرح أفكار بديلة وسياسات مغايرة تسهم فى إحداث فارق واضح يؤثر على مسار الاقتصاد المصرى، خاصة مع تفاقم الأزمة العالمية وأثرها البالغ على أوضاعنا الاقتصادية.

وقد عقد فى نهاية أكتوبر 2022 مؤتمر صحافى حاشد بحضور السيد الرئيس، ناقش كل ما يتعلق بهذا الملف، وقام برسم خارطة طريق واعدة للاقتصاد المصرى، وربما يكون نجاح المؤتمر قد سحب الكثير من الاهتمام بهذا الملف خلال الأسابيع الأخيرة، لكنه استعاد بريقه بعد دعوة وزير المالية محمد معيط لإجراء حوار مجتمعى حول موازنة الدولة الجديدة للعام المالى الجديد، وما يرتبط بها من قضايا مالية واقتصادية. ورحب المنسق العام للحوار الوطنى بشمول دعوة وزير المالية ضمن فعاليات الحوار الوطنى، داعيا الوزير وقيادات وزارة المالية، لإدارة النقاش بما يؤدى إلى إثراء الحوار حول موضوع الموازنة العامة والقضايا الأخرى المرتبطة بها، وتعبيره عن كل الرؤى والخبرات المتنوعة التى تمثلها أطراف الحوار الوطنى.

 الأخ الأوسط.. فائزًا

يبدو أن المحور المجتمعى أهم محاور الحوار الوطنى (فى رأيى) سيكون الحصان الرابح من الحوار، وسوف تتحقق معه نبوءة (الأخ الوسطانى) المظلوم دائمًا، والذى يبدل ظن الجميع ويكون أكثر أشقائه نجاحًا، فلقد تنقل الاهتمام بين السياسة وصخب أهلها والاقتصاد وهمومه، ليقف المحور المجتمعى بكل ثقله.. حائرا، رغم أهمية الموضوعات المطروحة على أچندته، والتى تجعله بطلًا للحوار الوطنى بلا منازع، فقضايا مثل التعليم والصحة والزيادة السكانية والأسرة والتماسك المجتمعى والثقافة والهوية الوطنية، هى عصب حياة المصريين وشاغلهم الأعظم، وكل حراك للأمام يشهده أى موضوع من هذه الموضوعات يحسن حياة كل أسرة فى مصر، كما أن مساحة الحرية فى التعامل مع بدائل متنوعة تخص كل محور فرعى من هذه الموضوعات، ينوع الإبداع فى التوصيات ويطرح أفكارًا ناجعة تسهم فى تغيير مستقبلى مؤثر فى حياتنا. 

 وأخيرًا..

المقال ليس قراءة فى طالع الحوار الوطنى، لكنه اجتهاد شخصى على هامشه، يمثل زاوية قراءة مهما اتسعت فهى محدودة، انتخبت فيها الموضوعات التى أثارت اهتمامى خلال الشهور الماضية بعد متابعة ما جرى استعدادا لهذا الحدث الفارق فى مستقبل مصر، والذى أتمنى أن تكون مخرجاته قادرة على إحداث تغيرُّ نتمناه، ويحتاجها الوطن، وينتظرها الشعب المصرى.

ولا يفوتنى أن أشكر الرئيس السيسى، صاحب الدعوة لهذا الحراك الفكرى المؤثر الذى استمر طوال الشهور الماضية، والذى انتشر فى كل المحافل والتجمعات المدنية والسياسية، وعبر كل الفضائيات المصرية ووسائل الإعلام المصرية، والذى شهد مساحة صادقة من الحرية اتسعت للجميع، جرت بشكل متحضر أسهم فى إنارة الطريق للمصريين، ليقفوا أمام تحدياتهم المستقبلية، ويشاركوا فى طرح آليات التعامل معها.