الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
حقك.. رغم التحدى الاقتصادى.. تذكرة مَعرض القاهرة الدولى للكتاب بـ5 جنيهات فقط الرهان على الثقافة انتصار للإنسان

حقك.. رغم التحدى الاقتصادى.. تذكرة مَعرض القاهرة الدولى للكتاب بـ5 جنيهات فقط الرهان على الثقافة انتصار للإنسان

يحتل معرض القاهرة الدولى للكتاب مكانة خاصة فى الأوساط الثقافية العربية والدولية، فهو صاحب التاريخ والمكانة المميزة بما قدّمه طوال السنوات الماضية من إسهامات ثقافية للمكتبة العربية، وهو صاحب المعارك الفكرية والجدلية وانتصر فيها إلى حرية الفكر والإبداع، يكفى قائمة العمالقة الذين مروا على أروقته بداية من نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم ويوسف السباعى ومحمد حسنين هيكل وفرج فودة وغيرهم الكثير.



لم يكن المعرض بعيدًا عن قصف قذائف التشويه المسمومة ووضعه فى مقارنات سخيفة مع معارض أخرى حديثة العهد، وهى انتقادات غير برئية لأنها حاولت الانتقاص من قدر أهم حدث ثقافى مصرى عربى سنوى، يمكن الاختلاف حول فاعلياته أو انتقاد ما يظهر فيه من سلبيات؛ لكن دون الحَط من قدره وقيمته.

والحقيقة أن المؤتمر الصحفى لتقديم فاعليات المعرض رقم 54 والذى يفتح أبوابه بعد أيام كان موفقًا رُغْمَ التحدى العالمى وظروف الحرب «الروسية- الأوكرانية» وتأثيراتها الاقتصادية الصعبة؛ حيث تمسّك المعرض بسعر تذكرته المنخفض وهى 5 جنيهات حتى يتسنى للأسرة المصرية أن تزور المعرض دون أن يشكل ضغطًا على ميزانيتها، وهو شكل من أشكال الدعم الكبير الذى تقدمه الدولة المصرية من أجل نشر الثقافة، وإشارة نيفين الكيلانى وزيرة الثقافة إلى اهتمام الرئيس عبدالفتاح السيسى بالمعرض وأن يظل نافذة مصر الثقافية على العالم وباب لثقافة العالم إلى مصر.

واستعرض الدكتور أحمد بهى الدين، رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب، عددًا من الأرقام المهمة حول المعرض وهى مشاركة 1047 ناشرًا مصريًا وعربيًا وأجنبيًا، من 53 دولة، وانضمام دول جديدة مثل المجر والدومينيكان وتحل المملكة الأردنية دولة ضيف الشرف فى الدورة 54 كما تم اختيار الشاعر الكبير صلاح جاهين شخصية المعرض، والأديب كامل كيلانى شخصية معرض كتاب الطفل.

مشيرًا لانتباه الناشرين المصريين والعرب إلى تأثرات موجات التضخم وارتفاع الأسعار وتقديمهم لخصومات تصل إلى 80 ٪؛ حيث تضم بعض أجنحة الناشرين كتُبًا يبدأ سعرها من جنيهين وتصل إلى 20 جنيهًا.

واهتمام المعرض بالأطفال وتخصيص صالة لكتاب الطفل، وفعاليات ثقافية وفنية تقدم زادًا ثقافيًا ومعرفيًا للطفل والنشء طوال أيام المعرض وتقديم قصة «أبوخربوش» لكامل الكيلانى فى صالة الطفل باستخدام النظارة الثلاثية الأبعاد.

ويقدم المعرض الدعم والمساندة للقادرين باختلاف بفتح أبوابة لهم مجانًا مع مرافقيهم، وتقديم خصومات خاصة على الإصدارات كما أعلنت وزيرة الثقافة عن دعم القراءة وتسهيل الحصول عليها، عبر مبادرة الثقافة والفن للجميع والتى تقدم الكتب المخفضة فى أروقة قطاعات وزارة الثقافة بالمعرض، وتستمر هذه المبادرة طوال العام.

ويستكمل برنامج المعرض المهنى عمل برنامج «برديات»، وهو البرنامج الذى انطلق الدورة الماضية ليضع المعرِض على خارطة صناعة النشر العالمية، ويشارك فى تنفيذه الناشرون.

ويطرح المعرض محورين فى غاية الأهمية؛ وهما حماية المِلْكية الفكرية والترجمة عن العربية؛ حيث يقام على هامش المعرض مؤتمران تحت شعار حماية الإبداع فى الجمهورية الجديدة، والثانى الترجمة عن العربية وشعاره جسر الحضارة.

ويهتم المعرض أيضًا بقضية الرقمنة؛ حيث يُدشّن مشروع مكتبة الأسرة الرقمية، ودعم صناع المحتوى الرقمى.

إذن نحن أمام معرض ثرى ومتنوع غير منفصل عن واقع النشر العالمى ويسعى إلى أمرين مهمين؛ استكمال مهمة بناء الإنسان المصرى عبر الأدوات الثقافية المختلفة واستكمال التوجه نحو رقمنة الثقافة واستخدام الأدوات الحديثة فى الحفاظ على دور الكتاب فى حياة الإنسان.

والحفاظ على ذلك التوجه فى ظل التحدى الاقتصادى مهمة شديدة الصعوبة وهى تحدٍ كبير يواجه الثقافة المصرية والعربية؛ خصوصًا مع استمرار أزمة الحفاظ على المِلْكية الفكرية وحقوق المؤلفين ودُور النشر من أجل استمرار الصناعة وانطفاء بريق التأليف والإبداع لدى الأجيال الجديدة، وهو الأمْرُ الذى يستحق الدراسة والبحث فى ظل الحاجة إلى الدفع بالشباب لتجديد الدماء الثقافية.

وكانت «تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين» من المؤسّسات القليلة التى انتبهت لخطورة تلك القضية، وتحركت لعلاجها عبر إطلاق مبادرة تحت عنوان «ابنِ أديبًا» لتدريب الأطفال على الكتابة الأدبية وتحويلها لأفلام كارتون.

وكان من ثمارها تخريج الطفلة آسيا يوسف شعبان، أصغر مدربة جرافيك من الدفعة الأولى لمبادرة «ابنِ أديبًا» التى أطلقتها «تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين»، والتى اهتمت بتحويل قصص الأطفال إلى أفلام كارتون بأيدى الأطفال عبر تعليمهم أدوات الجرافيك، وعلى الرّغم من صعوبة تعليم هذه البرامج للأطفال؛ أصبحت «آسيا» مدربة تنقل موهبتها لأصدقائها وزملائها؛ حيث قدمت محاضرة لتدريب برنامج «صناعة الرسوم المتحركة» لزملائها فى المَدرسة ومُعلميها.

وقامت «آسيا» بالتدريب لطلاب الصف الخامس الابتدائى فى مَدرستها، وعدد من مُدرسيها، ونقلت ما تعلمته من تدريبات فى برنامج مبادرة «ابنِ أديبًا» بشكل بسيط وتفاعلى؛ لتصبح آسيا (11 سنة) أصغر مدربة جرافيك.

هذه التجربة تحتاج إلى اهتمام أوسع من المؤسّسات الثقافية المختلفة؛ لأن بناء الأدباء جزءٌ من بناء الإنسان المصرى، وتغذيتها تكون عبر صيانة حُرية الفكر والإبداع وإتاحة الموارد الثقافية المختلفة أمام الأطفال.

والأهم هو تقديمها عبر أفكار إبداعية مختلفة؛ بل يمكننا استلهام تجربة سفينة «لوجوس هوب» التى رست مؤخرًا على شاطئ بورسعيد وشهدت إقبالاً كبيرًا من المصريين سواء من سكان بورسعيد أو من خارجها، وتُعتبر المكتبة العائمة الأكبر فى العالم وتحوى آلاف الكتب فى مختلف المجالات لكل الأعمار وتجوب موانئ العالم لنشر المعرفة ولمُحبى القراءة، وتقدم أنشطة تعليمية وترفيهية لروادها.

والسفينة تابعة لمؤسّسة دولية غير هادفة للربح ويعمل بها متطوعون من أنحاء العالم، والدخول مقابل رسم بسيط هو 5 جنيهات للفرد من سن 12 عامًا حتى 60 عامًا، وتحت 12 سنة، وأكبر من 60 سنة يكون الدخول مجانًا، وقد زارت السفينة أكثر من 480 ميناءً فى أكثر من 150 دولة، واستقبلت أكثر من 49 مليون زائر على متنها خلال 13 عامًا، وتمثل السفينة وسيلة ثقافية مهمة فى الثقافة المتنقلة وهى تجربة جديرة بالتأمل لأنها جذبت كل الأعمار ونبهت إلى أهمية القراءة والمعرفة والتبادل الثقافى بين دول العالم.

وحسنًا فعلت المبادرة الرئيسية «حياة كريمة» بتوفيرها للمكتبات المتنقلة، خلال عمل متطوعيها فى القرى المختلفة ووفرت خلالها الكثير من الكتب والمجلات والأفلام التعليمية، ونفذت أنشطة متعددة كان الريف يفتقدها، مثل جلسات الحكى، وورش الأشغال الفنية واليدوية، والسينما الصغيرة ومسرح العرائس، والمسابقات الثقافية، والألعاب الجماعية التفاعلية، وغيرها من الأنشطة.. واستهدف المشروع كل الفئات العمرية لإثراء الحركة الثقافية، من خلال التجول فى عدد من الأماكن العامة والقرى والنجوع التى تفتقد وجود المكتبات؛ لتشجيع النشء على القراءة والاطلاع، إلى جانب تقديم أنشطة متنوعة.

لا شك أن الحراك الثقافى الذى تشهده مصر يحتاج لمزيد من الدعم والاهتمام من المؤسّسات المختلفة؛ خصوصًا أن الشعب المصرى يزخر بالمواهب التى تحتاج لاهتمام وصقل لمهارتها باستمرار من أجل المحافظة على ريادة ثقافية مستحقة بالتاريخ والجغرافيا.