السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

كيسينجر الشرق الأوسط عاد من جديد: لماذا ظهر داوود أوغلو مهندس السياسة الخارجية التركية فى عام الانتخابات؟

عاد للظهور مرة أخرى بعد اختفائه لسنوات؛ قيل عنه إنه كيسينجر الشرق الأوسط ومهندس السياسة الخارجية التركية بعد استلام حزب العدالة والتنمية للسلطة نهاية 2002؛ وبعد خلاف شخصى مع إردوغان ولا يختلف عنه كثيرا من حيث العقيدة والجذور الاجتماعية والثقافية والسياسية؛ أحمد داوود أوغلو الذى عينه رئيس الوزراء عبدالله جول مستشارا له وبقى كذلك بعد أن أصبح إردوغان رئيسا للوزراء فى مارس 2003. وقيل عنه أيضا إنه صاحب مقولة صفر مشاكل مع دول الجوار إلى أن عمل مع أصدقائه فى المنطقة وخارجها على تدمير هذه الدول وفى مقدمتها سوريا. وقال الإعلام الأمريكى واليهودى عنه أيضا إنه من نسق مع حلفاء واشنطن إقليميا ودوليا فى إطار مشروع الشرق الأوسط الكبير ثم الربيع العربى؛ وكان قد قام بذلك من منطلقات دينية مذهبية لقيت دعما من الغرب عندما كان وزيرا للخارجية ثم رئيسا للوزراء إلى أن اضطر للاستقالة فى5 مايو 2016؛ وقيل فى ذلك الوقت إن إردوغان طرده من زعامة الحزب ورئاسة الحكومة.



وفى 12 ديسمبر 2019 أعلن داوود أوغلو عن تأسيس حزب المستقبل؛ وأصبح زعيما له ليبدأ حملة عنيفة ضد زعيمه السابق إردوغان متهمه بالاستبداد والديكتاتورية والفساد بجميع أشكاله؛ وهى الاتهامات التى لم يعد يتكلم أحد عنها كثيرا بعد أن أصبح طرفا فيما يسمى بالطاولة السداسية التى تضم 5 أحزاب أخرى وهى الشعب الجمهورى والحزب الجيد المعروف بحزب الخير وحزب الديمقراطية والتقدم وحزب السعادة الإسلامى والحزب الديمقراطى. ويسعى زعماء الأحزاب الستة، ومنها خمسة يمينية، إلى الاتفاق على مشروع مشترك هدفه التخلص من إردوغان والعودة إلى النظام البرلمانى الذى غيره فى استفتاء أبريل 2017 ليصبح الحاكم المطلق للبلاد بعد أن سيطر على جميع أجهزة ومرافق ومؤسسات الدولة وأهمها الجيش والمخابرات والأمن والقضاء والمال و95 % من الإعلام الحكومى و95 % من الإعلام الخاص. وبعد العديد من اللقاءات السابقة اجتمع الزعماء الستة فى الخامس من يناير 2023 فى مقر حزب المستقبل الذى يتزعمه داوود أوغلو واتفقوا على أن يتم الإعلان نهاية الشهر عن مسودة الدستور الجديد وربما عن اسم مرشح التحالف السداسى لانتخابات الرئاسة لينافس إردوغان ومن المتوقع أن يكون المرشح هو زعيم حزب الشعب الجمهورى كليجدار أوغلو هو هذا المرشح.

وجاءت المفاجأة المثيرة بتصريحات داوود أوغلو بعد يوم من الاجتماع المذكور ليقول إن الزعماء الستة اتفقوا على أن يقوم الرئيس الجديد المنتخب بمناقشة أى موضوع مع زعماء الأحزاب الأخرى وأن يحصل على موافقتهم أولا؛ وهو ما أثار نقاشا كبيرا فى الشارع السياسى خاصة بعد أن أطلق زعيم حزب الديمقراطية والتقدم على باباچان تصريحات مماثلة اعتبرها البعض محاولة من داوود أوغلو وباباچان لكى يسقط أحزاب الحوار السداسى باعتبار أن إردوغان وإعلامه يشككان بجدية الأحزاب الستة ويقول إن الزعماء الستة لن يتفقوا على أى شىء وبفوز مرشحهم فى الانتخابات سيدمرون تركيا داخليا وخارجيا لأن الرئيس سيضطر للحصول على موافقة الزعماء الستة وهو ما لن يتحقق بسبب الخلافات السياسية بين الأحزاب الستة وتاريخ زعمائها. ومن ناحية أخرى فإن داوود أوغلو وباباچان جاءا من العدالة والتنمية بعد خلاف شخصى مع إردوغان ولا يختلفان عنه كثيرا من حيث العقيدة والجذور الاجتماعية والثقافية والسياسية؛ أما تامال كاراموللا أوغلو زعيم حزب السعادة فهو الأكثر إسلامية من الآخرين ومعروف عن زعيمة حزب الجيد مارال أكشانار أنها من أصول قومية وهى التى انشقت عن حزب الحركة القومية؛ شريك إردوغان فى الحكم الآن. ومع أن حزب الشعب الجمهورى بزعامة كمال كليجدار أوغلو هو الحزب الوحيد صاحب الاتجاه اليسارى المعتدل فإن زعيم الحزب الديمقراطى جولتكين أويصال هو الأكثر اعتدالا مقارنة بزعماء الأحزاب اليمنية الأربعة الأخرى حتى إن لم تكن شعبيته عالية. فجميع استطلاعات الرأى تبين أن شعبية الأحزاب الأربعة باستثناء الشعب الجمهورى والجيد لا تتجاوز سويا نسبة 5-6 % مقابل 27-28 % للشعب الجمهورى و13-14 % للحزب الجيد.

وتدفع هذه النسب الشارع المعارض إلى طرح سؤال مهم، وهو: لماذا يتحمل كليجدار أوغلو كلا من داوود أوغلو وباباچان وشعبيتهما التى لا تتجاوز 2 % فيما يتهرب من التحالف مع حزب الشعب الديمقراطى وشعبيته لا تقل عن 10 % وفقا لجميع استطلاعات الرأى. وقد ظهر واضحا أن كليجدار أوغلو لا يريد أن يقال عنه إنه متحالف مع الإرهاب باعتبار أن إردوغان وإعلامه يتهمون الشعب الديمقراطى بالإرهاب ويقولون عنه إنه الذراع السياسية لحزب العمال الكردستانى علما بأن الشعب الديمقراطى هو ثالث حزب سياسى من حيث المقاعد حيث إن له 56 مقعدا بعد العدالة والتنمية التى لها 286 والشعب الجمهورى له 134. ولم يهتم داوود أوغلو بالانتقادات التى تعرض لها بعد تصريحه الأخير وعاد ليقول إن الرئيس المنتخب الجديد إذا استفرد بالسلطة ولم يسمع كلامهم فسوف يفجر أزمة سياسية؛ متحدثا عن صيغة جديدة للسلطة يكون فيها زعماء الأحزاب الستة نواب للرئيس كما سيكون لكل حزب مهما كانت شعبيته عالية أو متدنية حصة فى الحكومة المقبلة والبرلمان.

واعتبر البعض موقف داوود أوغلو هذا استفزازيا ويهدف لمنع الرئيس الجديد من اتخاذ أى سياسات خارجية لا تتفق مع مزاجه الشخصى؛ ويعرف الجميع أنه لم يتغير خاصة فى موضوع سوريا بعد أن انتقد إردوغان بسبب مساعيه للمصالحة مع الرئيس الأسد وتخليه عن المعارضة وكل القوى الإسلامية فى المنطقة وفى مقدمتها الإخوان المسلمون فى مصر وتونس وفلسطين؛ وهو ما يزعج الكثيرين داخل تحالف الأمة وقاعدته الشعبية التى لا تريد لداوود أوغلو أن يستلم أى منصب سياسى مهم بسبب ميوله الإخوانية التى يخاف منها غالبية الذين سيصوتون لتحالف الأمة. ويتذكر الجميع كيف أن داوود أوغلو قال عن أنصار واتباع داعش إنهم مجموعة من الشباب المتحمس؛ كما أنه اعترف بعد العملية الانتحارية التى نفذتها داعش فى أنقرة فى 10 أكتوبر 2015 وأودت بحياة 109 من اليساريين بأن شعبية حزب العدالة والتنمية تزداد بعد كل عمل إرهابى؛ ودفعت تصريحات داوود أوغلو الأخيرة العديد من المحللين السياسيين إلى مهاجمته وقال عنه البعض إنه حصان طروادة لإردوغان داخل تحالف الأمة المعارض بوضعه الحالى والمستقبلى. فتصريحاته الأخيرة قام داوود أوغلو بدور مهم فى زعزعة ثقة الناخبين بتحالف الأمة واحتمالات فوز مرشحه على إردوغان؛ وهو ما تظهره جميع استطلاعات الرأى. وأيا كان هذا المرشح كمال كليجدار أوغلو أو مارال أكشانار أو رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو أو رئيس بلدية أنقرة منصور ياواش وكل ذلك بشرط أن يحظى هذا المرشح بتأييد الناخبين الأكراد وعددهم حوالى 6 ملايين ناخب.

وفى جميع الحالات وأيا كانت مواقف داوود أوغلو المحتملة قبل اجتماع الزعماء الستة نهاية الشهر الحالى أو بعده فقد أصبح واضحا أن هذا التحالف لم يستخلص الدروس الكافية من تجربة التحالف السداسى فى المجر والذى يضم حزبا يساريا واحدا و5 أحزاب يمينية ولم يستطع أن يهزم رئيس الوزراء أوربان وهو صديق حميم لإردوغان فى انتخابات أبريل العام الماضى. ويعرف الجميع أن إردوغان بعد أن يستنفذ كل إمكانياته وإمكانيات الدولة سوف يشن هجوم عنيف ضد تحالف الأمة وأحزابها بعد أن أصبح واضحا أن هذا التحالف بتناقضاته الحالية سيخسر ثقة الجماهير التى كانت ترى فيه أملها الوحيد للتخلص من إردوغان وسياساته الخاطئة داخليا وخارجيا والتى قالت عنها المعارضة إنها أوصلت البلاد إلى الدمار بكل المقاييس وببقاء إردوغان فى السلطة ستزداد قساوة بعد أن يتخلص من أحزاب المعارضة ولن يبقى لديها بعد الآن ما ستقوله للشعب إذا لم تتفق فيما بينها على هدف واحد ألا وهو التخلص من إردوغان هذا بالطبع إن كانت صادقة فيما تقوله حتى الآن.

وعلى جانب آخر فإن فصائل المعارضة التركية تشير إلى أنها ستعلن فى فبراير القادم عن مرشحها المشترك للرئاسة وأشكال التحالف الانتخابى ومهام قادة الأحزاب الستة؛ وفى وقت سابق قال إردوغان إن الانتخابات الرئاسية والبرلمانية ستعقد فى 18 يونيو 2023 واحتمال تقديم الميعاد. كما دعا إردوغان رئيس حزب الشعب الجمهورى المعارض كيليجدار أوغلو للإعلان عن اسم مرشحه الرئاسى. وفى نفس الوقت أعلن تحالف الشعب الذى يتشكل من حزبى العدالة والتنمية الحاكم وحزب الحركة القومية بأن إردوغان سيكون مرشح التحالف فى الانتخابات القادمة كما ستعقد اجتماعات دورية بين قادة أحزاب المعارضة الستة الذين أصدروا بيانا حول إعداد مذكرة لتحويل نظام الحكم فى تركيا من رئاسى إلى برلمانى.

وقالت بلومبرج فى تقرير لها أنه فى الوقت الذى يسعى فيه إردوغان إلى تمديد حكمه لعقد ثالث فلا يبدو أن أحدا من الذين يتمنون رحيله متفائل حول من أو ماذا سيأتل بعد هذه الانتخابات؛ وأشارت إلى أن الانتخابات العامة فى بعض الدول ستكون لها نتائج دولية أيضا ففى البداية ستكون الانتخابات النيچيرية التى ستجرى فى فبراير هى الأكبر وأنه من المحتمل أن تكون للانتخابات الباكستانية أيضا المقرر إجراؤها فى أكتوبر القادم نتائج مهمة لكن الحدث الأكثر أهمية بلا شك والذى سيحدث فى 18 يونيو هو عندما يسعى إردوغان إلى تمديد حكمه إلى عقد ثالث؛ كما أشارت بلومبرج إلى أن ما يحدث فى تركيا يتعدى حدود الدولة الجغرافية وسيكون له تأثير على نطاق الإقليم بل وأبعد من ذلك وستشكل نتيجة الانتخابات التركية هذا العام الحسابات الچيوسياسية والاقتصادية فى واشنطن وموسكو وكذلك فى عواصم أوروبا والشرق الأوسط وآسيا الوسطى وإفريقيا؛ وأن الولايات المتحدة وأوروبا يأملان أن يخسر إردوغان الانتخابات المقبلة كى ينخفض تأثير الدور التركى فى الشئون العالمية.