الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
حقك.. مرّة أخرى عن انتهاك الحق فى الخصوصية فى واقعة الكوبرى جريمة التلصص.. والأرباح «الحرام»

حقك.. مرّة أخرى عن انتهاك الحق فى الخصوصية فى واقعة الكوبرى جريمة التلصص.. والأرباح «الحرام»

 مرّة أخرى أعود للكتابة فى موضوع سبق أن كتبتُ عنه فى هذه الزاوية وهو الحق فى الخصوصية، والسبب واقعة الكوبرى وما أثارته من جدل على مواقع التواصل وتصرف النيابة العامة الحكيم بصرف الشاب والفتاة والأمر بالبحث عن صاحب الفيديو الآثم الذى انتهك خصوصيتهما، وتربّح من نشر الفضيحة على مواقع التواصل الاجتماعى.



 

ما قام به مصور الفيديو المشين جريمة والحديث عن أنه يكشف ما يدور فى المجتمع من باب الإصلاح مردود عليه لأنه كان يستطيع تقديمه إلى الجهات المختصة بدلاً من اللجوء إلى السوشيال ميديا والتربُّح من المُشاهدات.

إلا أن التساؤل الأساسى هو عن سماح صفحات التواصل الاجتماعى بنشر ذلك الفيديو وتناقله عبر الصفحات رُغْمَ أنه ينتهك القواعد التى أعلنها فيس بوك وفيها يمنع نشر أى محتوى ينطوى على عُرى أو إيحاءات جنسية أخرى؛ فلماذا سمح بنشر ذلك الفيديو على أكثر من صفحة لينتشر كالنار فى الهشيم.

سماح شركة فيس بوك بنشر الفيديو المُخل يضعه فى خانة انتهاك حقوق الإنسان وأن رقابته على المحتوى بها استثناءات وأن الأرباح هدفه الأول والأخير وهو ما يدعونا إلى مطالبته بمراجعة مَن يقومون بمراجعة المحتوى العربى وأن تتحرك منظمات حقوق الإنسان لرصد الانتهاكات الحقوقية التى يرتكبها الموقع من أجل تحقيق الأرباح على حساب الحق فى الخصوصية.

ما جرى فى واقعة الكوبرى يجعلنا نجدد الحديث عن فريضة حقوقية غائبة وهى احترام حق الإنسان فى الخصوصية.

تلك الظاهرة الخطيرة صاحبتْ انتشار السوشيال ميديا ونشرت هوس التصوير ونشر المواد الخاصة بالحياة الخاصة على وسائل التواصل الاجتماعى، رُغْمَ أنها تمس حياة الآخرين وتستخدم فى إطار التحريض أو لعب دور «حُرّاس الفضيلة» والتفتيش فى النوايا وهى كلها أمور تتعارض تمامًا مع مبادئ حقوق الإنسان وقيمة احترام حرمة الحياة الخاصة كقيمة اجتماعية كفلها الدستور وما ترسّخ فى الوجدان المصرى عن أن «البيوت أسرار» ولا يجوز التدخل فى شئون الآخرين.

لقد كان تصوير الشاب والفتاة ونشرها دون معرفتهما جريمة، ثم جاء الإفراج عنهما تصحيحًا لوضع غريب وتصرُّف يتفق مع المبدأ القانونى والحقوقى المستقر بضرورة احترام حرمة الحياة الخاصة وعدم المساس باختيارات الآخرين الشخصية.

الحق فى الخصوصية فريضة غابت عن مجتمعنا واسترجاعها يتطلب تحركًا يبدأ بتشريعات رادعة تعاقب المتطفلين ونشر وترسيخ ثقافة احترام خصوصية الآخرين والتلصُّص على حياتهم بقانون يُجرّم التجسُّسَ على حياة الآخرين ويحافظ على أسرار البيوت وينطلق من إقرار الدستور لمفهوم الحق فى الخصوصية فى عدد من مواده؛ حيث نصت المادة 57 على حرمة الحياة الخاصة وأنها مصونة لا تمس، كما ذهب المشرع إلى أن للمراسلات البريدية، والبرقية، والإلكترونية، والمحادثات الهاتفية، وغيرها من وسائل الاتصال حرمة، وسريتها مكفولة، ولا تجوز مصادرتها، أو الاطلاع عليها، أو رقابتها إلا بأمر قضائى مسبب، ولمدة محددة، وفى الأحوال التى يبينها القانون.

ووفرت المادة 54 من الدستور حماية حرمة المنازل، فيما عدا حالات الخطر، والاستغاثة لا يجوز دخولها، ولا تفتيشها، ولا مراقبتها أو التنصُّت عليها إلا بأمر قضائى مسبب، يحدد المكان، والتوقيت، والغرض منه، ويجب تنبيه مَن فى المنازل عند دخولها أو تفتيشها، وإطلاعهم على الأمر الصادر فى هذا الشأن، واعتبر المشرّع أى اعتداء على الحرية الشخصية أو حرمة الحياة الخاصة للمواطنين، وغيرهما من الحقوق والحريات العامة جريمة لا تسقط الدعوَى الجنائية ولا المدنية الناشئة عنها بالتقادم، ونص على حق المضرور فى إقامة الدعوَى الجنائية بالطريق المباشر، وتكفل الدولة بحسب المادة تعويضًا عادلًا لمَن وقع عليه الاعتداء، وللمجلس القومى لحقوق الإنسان إبلاغ النيابة العامة عن أى انتهاك لهذه الحقوق، وله أن يتدخل فى الدعوَى المدنية منضمًّا إلى المضرور بناءً على طلبه.

ثم حددت المادة 99 من الدستور طريقة التعامل مع الضرر الواقع على الأشخاص الذين تعرضوا لانتهاك حقهم فى الخصوصية؛ حيث أعطى النص لمَن وقع ضرر عليه نتيجة للاعتداء على حياته الخاصة أن يُقيم الدعوَى الجنائية بالطريق المباشر، ضد الشخص أو الجهة التى وقع انتهاك الحق فى الخصوصية بسببها، والنص صراحة على إمكانية إقامة الدعوَى المُباشرة يُعطى الحق لمَن وقع الضرر عليه، أن يتوجه مباشرة إلى المَحكمة لإثبات الضرر الذى وقع عليه والمطالبة بالتعويض عن هذه الأضرار، دون الحاجة إلى تقديم بلاغ إلى النيابة العامة التى يكون فى يدها سُلطة إحالة الأمر إلى المَحكمة أو التصرف فى التحقيق فى الواقعة بالحفظ، كما أدخل النص تعديلًا إضافيًّا يسمح للمجلس القومى لحقوق الإنسان بإبلاغ النيابة العامة عن أى انتهاك لهذه الحقوق، وأن يتدخل فى الدعوَى المدنية منضمًّا إلى المضرور بناءً على طلبه.

ورُغْمَ انحياز الدستور المصرى للحق فى الخصوصية؛ فإن القوانين لا تزال بعيدة عن توفير الحماية والردع المطلوب للمتطفلين، وهى عملية تحتاج إلى نقاش واسع وتعاون بين مجلسَىْ النواب والشيوخ والمجلس القومى لحقوق الإنسان والمنظمات الحقوقية حتى نصل إلى مواد تحافظ على الخصوصية وحرمة المنازل ولا تقيد حرية الرأى والتعبير وحرية الصحافة والتفرقة بشكل دقيق بين التناول الصحفى لحياة المشاهير باعتبارهم شخصيات عامة وواجب الصحفى فى متابعة أخبارهم وبين حق المواطن العادى فى حماية خصوصيته وحياته الشخصية.

النقاش يمتد أيضًا لخطورة فئة جديدة يمكن أن نطلق عليها «تجار الترند» وهؤلاء يقومون بتصوير حياتهم الخاصة ونشرها عبر وسائل التواصل الاجتماعى؛ حيث انتشرت مقاطع لأسر تصور حياتهم اليومية بشكل مُخل ويظهر معهم أطفال فى مقاطع تنتهك حقوقهم المنصوص عليها فى القانون والاتفاقيات الدولية المَعنية بالطفل؛ بل إن هوس الربح المادى من وسائل التواصل الاجتماعى دفع بعضهم إلى عرض حرمات منازله كسلعة لزيادة المتابعة وهو تصرف يتعارض أيضًا مع حقوق المرأة وحوّلها إلى سلعة جنسية وبشكل خادش للحياء ومهين للمرأة.

تتشعب قضية الخصوصية وتتطور بظهور الخصوصية الرقمية نتيجة لتزايد استخدام الأفراد للإنترنت والسوشيال ميديا والتطبيقات الحديثة والتحول الرقمى الذى شهده المجتمع؛ حيث زادت ‏فرص انتهاك الحق فى الخصوصية عبر تهديد البيانات الشخصية للأفراد، ونشرها وتداولها من خلال وسائط رقمية أو بيع أرقام الهواتف المحمولة لشركات الدعاية والإعلان دون إخطار.

ونتيجة لزيادة تفاعُل الناس مع العالم الرقمى أصبحت الخصوصية مهددة وصارت البيانات الشخصية مادة يتم استخدامها إمّا تجاريًا فى تنفيذ دعاية ‏تسويقية، أو تعرضها للسرقة واستغلالها فى أغراض تضر بأصحابها، وتحركت المفوضية السامية لحقوق الإنسان واعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار ‏‏68 /167 فى23 ديسمبر 2013، أعربت فيه عن القلق البالغ إزاء الأثر السلبى الذى يمكن أن تخلفه مراقبة الاتصالات ‏وتأكيدها على حقوق الأشخاص بالفضاء الإلكترونى وأنها يجب أن تحظى بالحماية الملائمة، وأهابت بجميع الدول أن تحترم وتحمى الحق فى الخصوصية فى الاتصالات الرقمية، ودعت جميع الدول إلى إعادة ‏النظر فى إجراءاتها وممارساتها وتشريعاتها المتعلقة بمراقبة الاتصالات، وإصدار تشريعات تحافظ عليه باعتباره من حقوق الإنسان اللصيقة بالمواطن.

الحياة الشخصية مِلكُ أصحابها، وهو مبدأ استقرت عليه منظومة حقوق الإنسان؛ لحماية استقرار المجتمعات وهو يتطابق مع القيم الأخلاقية الموروثة وتعامُلها الحساس مع حرمة البيوت وما يدور بين جدرانها، كما رسخت عدم احترام التطفل على حياة الآخرين واعتبرتها نقيصة شخصية ووصمة يوصم بها المتطفلون، لكن الأمور اختلفت مع ظهور السوشيال ميديا ولهاث البعض على الترند والتربُّح دونما أى اعتبار لاحترام خصوصية الآخرين.

ترسيخ احترام الخصوصية يبدأ من المنزل والمَدرسة والمسجد والنادى أو مركز الشباب؛ أن نستعيد قيمة العيب ونحترم حرية الآخرين ونربّى أولادَنا على ذلك، وهذا لا يعنى أن ينغلق المجتمع على نفسه؛ لكن أن نحافظ على سلامنا الاجتماعى بفرض احترام ومهابة ما يدور داخل المنازل أو فى شرفاته وحق الناس فى الحياة بالطريقة المناسبة لهم واحترام اختياراتهم الشخصية لأنهم فقط المَعنيون بها وليس من حق أحد مراقبتها أو اتهام أصحابها أو إصدار الأحكام عليهم؛ بل تجب معاقبة من يقوم بذلك انتصارًا لحقوق الإنسان.