السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
عكس الاتجاه.. «هدى العجيمى» سيرة الأم

عكس الاتجاه.. «هدى العجيمى» سيرة الأم

أنت لن تقرأ كتابًا يقع فى 274 صفحة وتحظى فيه الأم؛ ربة الأسرة، بكل هذا الحب والتبجيل والعِرفان فى شكل نص أقرب إلى السيرة، سُرِدَت فيها الكثير من الذكريات الخاصة والعامة عن شخصيتيّ الابنة والأم، مثلما دُونَت سيرة (الست فاطمة) فى الكتاب الجديد الصادر عن دار طيوف للإذاعية القديرة «هدى العجيمى» والمعنون بـ(سنوات الحرب والحظ) تحكى فيه كفاح وتفانى أمها البورسعيدية مع زوجها وأولادها وأحفادها من خلال ثلاثة أزمنة تمثّلت فى ثلاثة حروب 56 و67 و73.



أهم ما يميز هذهِ السيرة المُحكاة بتفاصيل دقيقة بل شديدة الدقة والإسهاب من «هدى العجيمى» عن «هدى العجيمى» وأسرتها؛ أنك ببساطة تستطيع أن تستنبط كل الأسئلة والإجابات عن سيرة حياتها وليس عليك أن تضيف ما ليس لك به عِلم ولا يجب عليك أن تُخمّن، فالكتابة صريحة وواضحة وجلية وشفافة ومكتوبة بتقريرية مقصودة فلا مجاز ولا تورية فى اللغة المكتوبة يجعلانك تستنبط ما ليس مسرودًا فى الورق، خاصة وهى الإذاعية الكبيرة التى عاصرت عهودًا مهمة فى عمر الإذاعة العريقة وعمر البلد وزاملت وصادقت شخوصًا سياسية وفنية وأدبية مصرية وعربية نافذة وشديدة التأثير والأثر، وارتبطت بزوج يعمل فى الحراسات الخاصة برؤساء الجمهورية، لذا جاءت اللغة بسيطة للغاية والشخصيات بأسمائها مهما كانت وظائفهم ومهماتهم، وكان الاهتمام الأكبر هو سرد سيرة شخصيات الأسرة - وأهمهم الوالدة الست فاطمة- التى تنقلت بأسرتها وحالها ومال زوجها أثناء الحروب فى بورسعيد ما بين المدينة الباسلة وأماكن التهجير المختلفة فى بور فؤاد والقاهرة.

يحتفى الكتاب بشكل خاص ومميز ومستفيض فى الشرح والوصف بشخصيتين هامتين كانتا شديدتا التأثير فى رحلة حياة هدى العجيمى المهنية تحديدا.. والأول هو الزوج الظابط «جمال» خريج الكلية الحربية والذى يعمل فى الحراسات الخاصة لرئيس الجمهورية جمال عبدالناصر وانتقل للعمل مع السادات ثم مبارك، والشخصية الثانية هى الأم الست فاطمة والتى يتمحور الكتاب كله حولها، ثم الأب والأبناء والأخوات والإخوة، بعض الشخصيات تم تناولها عَرَضا لوجودها فى الأحداث صدفةً أو قَدَرًا.

تبدأ هدى العجيمى بالحكى مبتدأة بالأم وكيف كانت تنادى على «هُدى» ابنتها البكر بهذا الصوت المنغم فى نطق الإسم: (يا هدااااااى)، تقول الإذاعية الكبيرة «هدى العجيمى»: هذا النداء من أمى، هذا الصوت المُنغّم الذى يمس قلبى كدعاء الكروان فيجذب روحى إلى ملكوته ويحملنى فوق السحاب أطير شوقًا إلى قلبها الذى وَسع عائلة بتفاصيلها وعلاقاتها واحتوى وضمد هموم قلوبها. وهكذا تسترسل الكاتبة فى وصف دقيق لسيرة الأم حتى لحظة وفاتها ببيتها فى بور سعيد، المدينة الباسلة التى شهدت موتًا وقيامةً، أمانًا وحروبًا وهجرةً، عمرانًا ودمارًا وعمرانًا من جديد، إزدهارًا وانكفاءً وازدهارًا من جديد، هجرانًا وتشتتًا ثم عودة وجبرًا للروح، فى كل الحالات هى مدينة التاريخ والرجال، كانت بورسعيد هى الفاعل وهى خلفية كل الأحداث، هى بداية الكتاب وهى الخاتمة: (تحت قصف المدافع وأزيز الطائرات وقذائفها من القنابل والحمم، واشتعال الهرج والمرج والهلع الذى أصاب السكان وأفزعهم، كانت سيدة قد أتمت العقد الثالث من عمرها وتجاوزته ببضع سنوات، تهرول بشجاعة منقطعة النظير وتجرى فى شوارع المدينة الساحلية بورسعيد تحتضن أربعة أطفال وحقيبة واحدة، كانت هذه السيدة هى أمى الست فاطمة، وكان الزمن هو العام 1956).

وفى ختام الكتاب الذى تنعى فيه الكاتبة رحيل الأم وتقول: (الوحشة تنهش أنفاسى وتقض راحتى حتى وأنا بين هذا الجمع الكبير العزيز عليّ من أشقائى وأولادهم، فكيف أحد الصبر والسلوان وأنا قد فقدت دليلى وحبى ورفيقة حياتى طوال عمرى بكل لحظاتها وأيامها يومًا بيومٍ منذ ولادتى إلى الآن).

تقول عن زوجها الظابط؛ (كان اللقاء الأول سريعًا، مر مرور الكرام، أُعجب كل منهما بالآخر شكلًا وهيئةً تمناها كل منهما فى شريكه المنتظر، لكن اللقاء الثانى كان أكثر عمقًا واتخذ شكلًا قانونيًا شبه رسمى بعد أن توجه الشاب «جمال» بشكل عملى وهى صفة كان يتمتع بها إلى أهل الفتاة).

ثمة حكايات عن شخوص عامة مهمة داخل الكتاب: شخوص مثل «إنجى أفلاطون» و«زكريا أحمد» و«جمال عبدالناصر».