الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

أكبر ممثلات عصرها بالإجماع: مفاجأة.. «روزاليوسف» عادت للتمثيل بعد اعتزالها

«هذه الذكريات ناقصة.. ناقصة إلى حد كبير!» 



هكذا يبدأ إحسان عبدالقدوس مقدمته لكتاب «ذكريات» الصادر عن سلسلة «الكتاب الذهبى» 1956  والذى يضم بعض ذكريات والدته ومؤسسة «روزاليوسف» فى الفن والصحافة.

بالفعل، رغم أهمية ما ترويه السيدة فاطمة أو «روزاليوسف» فى هذا الكتاب، فهو لا يفى حياة صاحبته ولا قدرها فى عالمى المسرح والصحافة حق قدرها. وإذا كانت الصحافة بطبيعتها تاريخًا موثقًا لكل كاتب ومقال أو موضوع نشرته المطبوعة، فإن ما تركته أو نسيته «روزاليوسف» يمكن الرجوع إليه من خلال المجلة أو مذكرات وذكريات الكتاب الآخرين. لكن الأصعب هو البحث عن تاريخ «روزاليوسف» فى المسرح، خاصة أن أهم ما فى المسرح، وهو المسرحيات نفسها، غير مسجلة، على عكس السينما.

كانت «روزاليوسف» نجمة المسرح الأولى وصاحبة الأداء التمثيلى المبهر لسنوات طويلة، بشهادات العشرات ممن عاصروها وشاهدوها، وللأسف لا يوجد أى تسجيل لأى من هذه المسرحيات أو فقرات منها، و«روزاليوسف» اعتزلت قبل نشأة وازدهار السينما فى مصر، ولم تتح لها الفرصة للظهور على الشاشة. وكل ما بقى لنا هو كلمات مما كتبته أو كتب عنها، يمكن به أن نرسم صورة مشوشة عن إنجازاتها وأدائها التمثيلى وأسباب تميزها.

 ممثلة لا تحب البكاء 

أول ملامح هذه الصورة ترويه «روزاليوسف» نفسها فى ذكرياتها، خلال الجزء الأول من كتابها المذكور والذى يضم أحد عشر فصلًا قصيرًا عن حياتها فى المسرح، منذ عشقها للفن كهاوية وعملها كممثلة ثالثة وثانية لسنوات طويلة قبل أن يعيد اكتشافها وتدريب وصقل موهبتها عزيز عيد. والفصلان الأول والثانى من المذكرات هما عن عزيز عيد وفضله عليها وحياته وأعماله، وإخلاصه الشديد للفن الجاد، وهى لا تشير إلى نفسها فى هذين الفصلين إلا كشخص غائب «الممثلة الناشئة»، ولا تحكى عن نفسها إلا فى سياق الحديث عن عزيز عيد.  تروى «روزاليوسف» كيف تعرفت على عزيز عيد كفتاة يتيمة فقيرة معجبة إعجابًا غامضًا بالمسرح، وكيف أشفق عليها وساعدها، وكيف، فى حركة عناد مع ممثلات فرقته اللواتى رفضن جميعًا لعب دور جدة عجوز، قرر أن يحول الفتاة الصغيرة إلى ممثلة، وأن يعطيها دور الجدة الذى رفضته بقية الممثلات، فقام بتدريبها وتعليمها وكيف أجادت فى هذا الدور بشكل فاجأ الجميع وأولهم أستاذها. وفى فقرة معبرة أخرى، ترسم صورة نابضة بالحياة لعزيز عيد ونفسها تكتب روزاليوسف: «وأنى لأذكر أن الظروف اضطرته مرة إلى أن يمثل دور «الأب ديفال» فى مسرحية «غادة الكاميليا»، وعلى الرغم من أن لونه الأصلى كوميدى، ومن أن شكله الهزيل وصوته الساخر كانا غير ملائمين لدور الأب ديفال وهو دور رجل وقور جليل.. إلا أننى أستطيع أن أؤكد أنه كان خير من لعب هذا الدور على المسرح المصرى إلى الآن، وقد بلغ من إعجاز أدائه أن تلك الممثلة الناشئة - وكانت قد أصبحت بطلة المسرح الأولى - بكت بكاءً حقيقيًا وهى تمثل أمامه غادة الكاميليا.. وكان هذا حدثًا فنيًا..فقد كان معروفًا عن هذه الممثلة أنها لا تبكى على المسرح أبدًا، باعتبار أن البكاء هو أسهل وأرخص طريقة للتعبير عن التأثر..».

من خلال الفقرة السابقة يمكن التعرف على أسلوب «روزاليوسف» فى التمثيل، الذى كان سابقًا لزمنه كما هو واضح. وهو ما يمكن التعرف عليه أكثر من كتابات بعض النقاد عنها فى تلك الفترة.

 أربع ميزات ولا تصلح للتراجيدى

فى الكتاب الرائع الذى يضم مقالات الكاتب المسرحى والناقد محمد تيمور تحت عنوان «حياتنا التمثيلية.. دراسات نادرة عن فجر الحياة المسرحية فى مصر» (طبعة مكتبة الأسرة- 2016)، وفى الفصل الرابع المعنون بـ«نقد الممثلين - مقالات متتابعة ظهرت بجريدة «المنبر» سنة 1918»، يكتب محمد تيمور عن «روزاليوسف»، ولاحظ أن البعض، ومنهم مندور، كان يكتب اسمها «روزا» وليس «روز»، ما يلى:

«قليل جدًا عدد ممثلاتنا القادرات وأقل منهن عدد اللواتى يمثلن من أجل الفن وروزاليوسف من بين الممثلات اللواتى جمعن بين القدرة والغرام بالفن. فهى من ممثلات الدرجة الأولى بمصر؛ بيد أن شهرتها الكبيرة كانت فى طى الخفاء بل ولبثت كذلك عهدًا طويلًا إلى أن وقع عليها نظر ممثلنا العبقرى عزيز عيد ورأى فيها تلك القوة الكامنة فى نفسها أو تلك القوة التى كاد أن يقضى عليها تعسف المديرين الجديين فأخذ يناصرها وأعلى شأنها وجعلها تمثل الأدوار التى توافق طبيعتها فنبغت فى أدوار الفودفيل حتى لقبها محررو الصحف (الفودفيلية الحسناء) ولكن «روزاليوسف» وإن ظن فيها الجمهور أنها لا تجيد غير أدوار الكوميدى والفودفيل فهى قادرة على تمثيل أدوار الكوميدى دراماتيك والدرام ولكنها تعجز عن تمثيل التراجيدى لأنها لم تخلق لهذه الأدوار ونظرة منا لجسمها الصغير وصوتها الناعم تثبت لنا صحة ما نقول».

ويذكر محمد مندور أربع مزايا أساسية لـ«روزاليوسف» هى:

«لروزليوسف أربع ميزات كبيرات لا نغالى لو قلنا أننا لم نجدها فى غيرها من الممثلات. فأول مميزاتها حبها الكبير للفن وتفانيها فى خدمته فهى تعمل من أجل الفن ولا تخدم سواه. وثانى مميزاتها رشاقتها الكبيرة على المسرح. ولهذا يصح أن نقول عنها أنها أكبر الممثلات الشرقيات إتقانًا للأدوار الأوروباوية. وثالث مميزاتها فهمها  للأدوار التى تمثلها ولهذا لا تخرج أدوارها على طريقة واحدة ونظرة منا لدورها فى (القرية الحمراء) ثم لدورها فى (دخول الحمام) تثبت لنا أنها قادرة على فهم أدوارها وإخراجها على المسرح كما يتطلب المؤلف أو المعرب. لقد كانت روزا فى (بائعة الخبز) فتاة أفرنكية أضناها مرض السل وكانت فى (خللى بالك من أميلي) تلك الفتاة الرشيقة اللعوب. وكانت فى (القرية الحمراء) تلك القروية المصرية الساذجة. وفى (دخول الحمام) فتاة من ساكنات القاهرة التى يصح أن نطلق عليها لفظة (شلق) وهنا يظهر للقارئ الكريم كيف تقلبت ممثلتنا القادرة فى هذه الأدوار وكيف وصلت لأن تلبس لكل دور لبوسه. ورابع مميزاتها صوتها العذب الذى تتخلله تلك الرعشة الناعمة وقد ظن بعض النقاد أنها من ذوات الصوت الضعيف وكان الأجدر بهم أن يقولوا أنها من ذوات الصوت الناعم الحنون..».

 أيامها المجهولة.. قبل عزيز

فى مذكراتها لا تذكر «روزاليوسف» شيئًا عن عملها التمثيلى قبل لقائها عزيز عيد، ويبدو من خلال حكايتها حول دور الجدة العجوز أنها لم تمثل أبدًا من قبل، ولكن ذلك غير صحيح، فقد سبق لها العمل فى عدة فرق مسرحية قبل لقائها عزيز عيد، رغم أن هذا العمل ظل محدودًا للغاية. يكتب محمد مندور فى تعريفه بمجهودها:

«احترفت روزاليوسف التمثيل فى شركة التمثيل العربى أيام تياترو عبدالعزيز ولبثت تمثل فى هذه الشركة الأدوار الصغيرة دون أن يلتفت إليها من الممثلين من يهتم باعلاء شأنها والوقوف على قوتها التمثيلية ثم انتقلت الشركة إلى دار التمثيل العربى بيد أن روزا انفصلت عنها ولم تعد للتمثيل إلا أيام كان يمثل جورج أبيض فى الكازينو دى بارى ولبثت عهدًا طويلًا لا يعرف الجمهور عنها شيئًا إلى أن ساقت الظروف إليها دور (الأميرالة) فى رواية (عواطف البنين) وشاهدتها تمثل الدور وأتقنته إتقانًا كبيرًا فقلت لنفسى: لم تعش هذه الفتاة فى الظلام ظلام التمثيل لا يسمع بها أحد ولا تراها العيون إلا فى الأدوار الصغيرة التى لا تخرج عن دائرة (الكومبارس)؟

أتقنت جميع أدوارها

ويستطرد محمد مندور حول مرحلة عمل«روزاليوسف» مع عزيز عيد:

«يحسن بنا أن نشكر عزيز أفندى عيد لوقوفه على حقيقة روزاليوسف وقوتها الكامنة فهو الذى علمها ودربها فوقفت على المسرح تمثل الأدوار الجديدة بشكل جديد وإتقان مدهش. لقد زف عزيز أفندى عيد إلى التمثيل عروسًا جديدة كانت فى عالم الخفاء فظهرت فجأة إلى عالم النور تحمل معها بضاعته التمثيلية الخالية من العيوب».

«ابتدأت بتمثيل أدوار الفودفيل فأتقنت جميع أدوارها فى رواية (عندك حاجة تبلغ عنها) و(خلى بالك من إيميلي) و(ضربة مقرعة) إتقانًا كبيرًا وظهرت فيها بمظهر لم تظهر به ممثلة أخرى ثم مثلت دور جوزيت فى رواية (مدموازيل جوزيت امرأتى) وأخرجت للناس نوعًا جديدًا، نوع الأدوار الكوميدية التى تختلف اختلافًا كبيرًا عن الروايات الفودفيلية. وكانت فى الدور مثال العفة والطهارة والسذاجة وما هذا الدور إلا من أدوارها الشهيرة ثم مثلت دورًا قصيرًا فى رواية (القرية الحمراء) أثبتت به قدرتها الكبيرة فى تمثيل الأدوار المصرية التى لا تحب تمثيلها ثم بلغت الغاية القصوى بل الغاية التى ليس وراءها غاية فى دورها برواية (دخول الحمام مش زى خروجه) ثم انضم عزيز عيد لجوق أبيض ومثلت روزا فى رواية كين دور (آن دامبي) ولكنها كانت فى دور (بيستول) أكثر إتقانًا بل بلغت فيه أكبر غاية ثم مثلت فى (الشعلة) دور (مدام فلت) فأدهشت الجمهور إذ ظهرت فيه بمظهر الممثلة القادرة التى لا تعجز عن تمثيل الدرام والكوميدى دراماتيك. لقد كانت روزا فى الفصل الثانى من الرواية مثالًا للإتقان والابداع. فصفق لها الجمهور واعترف بقدرة الممثلة الكبيرة ووقف على قيمة مجهودها الفنى ومجهود روزا كبير وعظيم..».

معجزة عزيز عيد

فى العدد الثالث من مجلة «التياترو» الصادر فى 1924، وفى تحقيق موسع عن أهم ممثلات وممثلى العصر، ضم أسماء منها عبدالله عكاشة وبديعة مصابنى وفاطمة رشدى وفكتوريا حبيقة وفكتوريا موسى ورتيبة رشدى وسعاد المصرى (التى أصبحت دولت أبيض) وغيرهن يأتى ذكر كاتب التحقيق (الذى لم ينشر اسمه على التحقيق ولكن غالبا هو رئيس تحرير المجلة ومحررها الرئيسى محمد شكري) على اسم روزاليوسف ونقرأ تحت صورتها الكلمات التالية:

«عرفتها فى سنة 1910 بفرقة الأستاذ سليم أفندى عطا الله وكان كل من رآها يحكم لأول وهلة بأنها لا تليق للتمثيل ولا يمكن أن تنجح فيه إلى أن قيض الله لها الأستاذ عزيز أفندى عيد فنقض تلك النظرية وهدم ذلك الاعتقاد من أساسه. ولم تلبث السيدة روزاليوسف أن رأيناها من الفائقات فى الفودفيل اللاتى كتبت عنهن الجرائد الفصول الطوال. وتلك من معجزات الأستاذ عزيز.

وهى الآن الممثلة الأولى بفرقة رمسيس ومن الأوائل فى عالم التمثيل العربى إذا كان يوجد غيرها أوائل. وتجيد إجادة طيبة جدا فى الكوميدى درامتيك والكوميدى سوسيال والفودفيل. وأنصح لها أن لا تهتم بالتراجيدى حيث أنها ما خلقت له ومن الروايات التى تجيدها: يا ستى ما تمشيش كده عريانة. الابن الخارق للطبيعة. العشره الطيبة. غادة الكاميليا. الذهب. الاستعباد».

 «كبيبة المعلمة روزا

اعتزلت «روزاليوسف» وأسست المجلة التى تحمل اسمها فى أكتوبر 1925، ولكن اسمها ظل موجودًا فى عالم المسرح والتمثيل لسنوات، مع أمنيات وتوقعات بعودتها للمسرح مرة ثانية.

فى العدد الثانى من مجلة «المسرح» الصادرة فى يوم الاثنين 16 نوفمبر 1925، بعد تأسيس مجلة «روزاليوسف بشهر» يطالعنا خبر طريف مشاكس، يعكس غيرة وتنافس صحفيين كما يعكس مدى حضور ونجومية روزاليوسف. تحت عنوان «كبيبة روز اليوسف» تكتب المجلة:

« ..أولمت السيدة روز وليمة دعت إليها العقاد والمازنى ولطفى جمعة وعبد الرحمن صدقى وإبراهيم رمزى وغير هؤلاء، وقدمت لهم «صينية كبيبة»!

فماذا كانت النتيجة؟!

كانت النتيجة أنها سخرتهم جميعًا للاشتغال فى مجلتها، وأصبح المازنى يتغنى بجمال تلك الليلة ويكتب فيها المقالات الطوال فى مجلة روزاليوسف. وأن العقاد ينظم القصائد فى عبدالوهاب المغنى على قاعدة «إياك أعنى فاسمعى يا جاره»!!

حصلت البركة يا معلمتى روز!!»

سوف نتبين لاحقا أن مجلة «المسرح» صارت بعد ذلك من أشد المادحين لروزاليوسف كممثلة وصحفية. ويبدو أنها دعت محررى المجلة إلى وليمة «كبيبة» كبيرة!

 مطالبات بعودتها للتمثيل

لا تذكر «روزاليوسف» فى مذكراتها شيئا عن عودتها للمسرح بعد اعتزالها وتأسيس المجلة التى تحمل اسمها، ولكن الحقيقة التى لا يعلمها الكثيرون أنها عادت إلى التمثيل بعد عام بالتمام والكمال. 

لم يكن تأسيس «روزاليوسف» سهلًا، ولم تكن «روزاليوسف» تملك المال الكافى وقتها، وقد جمعت اثنى عشر جنيها بشق الأنفس لإصدار العدد الأول من مجلة «روزاليوسف» فى ثلاثة آلاف نسخة، وبعد شهور منحتها الحكومة المصرية الجائزة الأولى فى التمثيل وقيمتها ثمانون جنيهًا، ويبدو أن ذلك شجعها على التفكير فى العودة للمسرح من جديد. 

فى عدد مجلة «العروسة» الصادر بتاريخ 7 إبريل 1926 يتصدر الغلاف عنوان «هل المصريات ناجحات فى فن التمثيل الجميل» مع صورة للممثلة فردوس حسن ومقال افتتاحى عن مدى نجاح الممثلات المصريات قياسا بنجاح الممثلين الرجال، وذلك بمناسبة توزيع جوائز الدولة التى كانت توزع سنويا على الممثلين والممثلات. وداخل العدد فى صفحتى الوسط نجد استكمالا لمقال الافتتاحية بعنوان «ظهور السيدة المصرية ظهورا واضحا على المسرح المصرى ونجاحها فى مباراة التمثيل السنوى فى الأوبرا» مع صور ونصوص حول خمس من هؤلاء الممثلات وهن زينب صدقي، أمينة رزق، فيكتوريا موسى، فردوس حسن وروزاليوسف، وتحت صورة روزاليوسف نقرأ الكلمات التالية:

«السيدة روزاليوسف الممثلة الشهيرة القديرة التى امتازت فى تمثيل الدراما ونالت جائزة درجة الامتياز وقدرها 80 جنيها وميدالية ذهبية. وكانت حضرتها قد اعتزلت المسرح واعتنقت الصحافة الفنية ولكننا نظن أنها سوف تعود إلى المسرح الذى يضيره أن يحرم من ممثلة قديرة مثلها لا عنى له عنها».

ويبدو أن المجلة كانت على حق.

 كبيرة ممثلات مصر

حضور روزاليوسف الممثلة فى المجال الفنى حتى بعد اعتزالها، وتفاصيل عودتها إلى المسرح يمكن العثور عليها من خلال تصفح أعداد مجلة «المسرح»، صاحبة خبر «الكبيبة»، على مدار أكثر من عام.

صدر العدد السادس عشر من المجلة (بتاريخ 1 مارس 1926) وقد تصدرت غلافه صورة جميلة لروزاليوسف من مشهد تمثيلى ترتدى فستانا مكشوف الظهر وعقدا أنيقا، وتحتها تعليق يقول: «السيدة روزاليوسف كبيرة ممثلات مصر». ورغم أن العدد يخلو من حوار أو موضوع عنها، لكن على الصفحة 23 نجد صورتين متقابلتين الأولى لروزاليوسف تمسك بسيجارة فى وضع تمثيلى والثانية للممثلة سرينا إبراهيم وبينهما كتب ما يلي:

«أيتهما أفضل لديك فى دورها. هل رأيت السيدة روز اليوسف فى رواية النائب هالير؟ وهل رأيت السيدة سرينا ابراهيم فى هذه الرواية؟

وهل هنالك وجه للمقارنة بين الاثنتين. انظر إلى الصورتين جيدا وتمعن فيهما وقارن إن استطعت».

..حتى وهى ميتة!

بعد سبعة أعداد فقط تعود روزاليوسف لتصدر غلاف العدد 24 من مجلة «المسرح»، الصادر بتاريخ 23 مايو 1926. ولكن هذه المرة تجلس روزاليوسف على مكتبها فى بيتها، تحمل قلما وأمامها بضعة أوراق وأعداد من مجلة «روزاليوسف» وبجوارها على الحائط صورة معلقة ( هى بالصدفة نفس الصورة التى نشرتها المجلة على غلاف عددها السادس عشر!)، وتحت الصورة تعليق يقول هذه المرة: «الصحفية المعروفة السيدة روزاليوسف- صاحبة مجلة روزاليوسف». 

داخل العدد وعلى الصفحة التاسعة نجد مقالًا تحت عنوان «الموت والحياة!!» يضم صورتين واحدة منهما لعزيزة أمير «فى فترة راحة وخمول» والثانية لروزاليوسف فى مشهد من نهاية مسرحية «غادة الكاميليا» تستلقى ميتة. ويقارن المقال، الذى لا يحمل توقيعًا، بين الصورتين بطريقة فلسفية متعسفة بعض الشيء:

«لعل هذا الموضوع فيه شيء من الفلسفة أكثر من الفن. ولم أكن أقصد أن أدخل فى موضوع مثل هذا! فليس الفلسفة من شأننا ولا من موضوعات المجلة التى أنشئت خصيصا لخدمة الفن المسرحى. وإنما وجود الصورتين على هذه الكيفية وما بينهما من مشابهة دعت إلى تكوين الفكرة فى رأسى.

أما الصورة الأولى فهى صورة السيدة روزاليوسف..!!

هى صورة الموت فى أبشع صوره! وفى أكثر مظاهرة إفزاعًا وإرهابًا!! هى الاستلقاءة الأخيرة التى تختم بها «مرجريت جوتيه» حياتها بعد أن أنهك الداء قواها! ولاشى السل نسمات حياتها!... ولقد كانت لحظة الموت هى اللحظة التى نالت فيها السيدة روزا نصرها، وكونت مجدها المسرحى. وقد كتبت فى مجلتها عن هذه «اللحظة» تقول:

«..رفع الستار ثم نزل على الفصل الأخير وساد الصمت بضع ثوان بعد نزول الستار، ثم دوى التصفيق الحاد يصم الآذان!! إذن فقد كسبت المعركة! وشربت ليلتها كأس الفوز مترعة، ولكنها ممزوجة بالدموع التى ذرفتها عيناى فى الفصل الأخير..أجل فلست أذكر أننى مثلت هذا الدور دون أن أبكى، ودون أن يلازمنى الحزن ما بقى من ساعات الليل..».

 العودة إلى المسرح

يحمل الغلاف الأخير من العدد 43 من مجلة «المسرح» الصادر بتاريخ 18 أكتوبر 1926، بوادر مفاجأة عودة روزاليوسف من جديد إلى المسرح من خلال إعلان يشغل الصفحة كلها عن «افتتاح مسرح الريحانى يوم الاثنين أول نوفمبر بمسرحية «المتمردة» لفرونديه وعلى الجانب الأيمن اسم «الأستاذ نجيب الريحانى فى دور فاضل الورجلي» وعلى الجانب الأيسر اسم «الأستاذة روزاليوسف فى دور فابيين زوجة فاضل». وبين الاسمين صورة روزاليوسف الشهيرة بالفستان مكشوف الظهر.

فى العدد التالى،44، من مجلة «المسرح»، الصادر بتاريخ 25 أكتوبر 1926، تعود روزاليوسف لتتصدر غلاف العدد وتحت الصورة تعليق فى غاية الاختصار: «السيدة روزاليوسف- اقرأ صفحة 10». 

وعلى الصفحة العاشرة مقال يضم ثلاث صور لروزاليوسف تحت عنوان: «السيدة روزاليوسف- مجلتها فى عامها الثاني- عودتها إلى المسرح».

وبعد حديث مطول عن تأسيس روزاليوسف عقب خلافها الحاد مع يوسف وهبى فى مسرح رمسيس، ومسيرة المجلة طوال عام كامل ونجاحها الهائل رغم كل المعوقات والتوقعات بفشلها، يزف المحرر للقراء الخبر التالى:

«واليوم عادت السيدة روزاليوسف إلى المسرح بعد أن هجرته عاما بأكمله.

عادت تشيد من جديد مجدًا جديدًا، ولست أحاول أن أتحدث عن روز فعلمها هو الذى يتحدث عنها، وسوف يراها الجمهور غدا فى رواية «المتمردة» وفى رواية «مونافانا» وفى غيرهما من الروايات الضخمة، وإذ ذاك تحدثهم هى عن نفسها!!

والسيدة تعود إلى المسرح وهى غير راضية عن نفسها فلا تزال كل يوم تصرح أنها كانت تفضل البقاء فى الصحافة زميلة لنا، وأنها لولا إلحاحنا المتواصل، ورغبتنا فى أن تعود لما حاولت العودة إلى خشبة المسرح بعد أن قاست فيها الأهوال وبعد أن حصل ما حصل فى النهاية».

تعبث بالقلوب والجوارح!

فى العدد التالى، 45، من مجلة «المسرح»، الصادر بتاريخ أول نوفمبر، 1926، موضوعان على صفحتين مختلفتين عن روزاليوسف، الأول على الصفحة 13 موضوع يضم ثلاث صور كبيرة لروزاليوسف تحت عنوان «افتتاح مسرح الريحانى- رواية المتمردة»، ويبدأ الخبر كالتالى:

«لا يكاد هذا العدد يوزع حتى يصبح الناس ويمسون وإذا السيدة روزاليوسف قد ظهرت على المسرح من جديد بعد احتجاب عام بأكمله أفسحت فيه المجال بغيرها فظهر من ظهر ولم يستطع النهوض أخريات من اللواتى تصدرن للظهور على المسرح. وربما كنا أول من يزف للقراء مظهرًا من مظاهر السيدة روزا فى عهدها الجديد هذا. ويجد القارئ على هذه الصفحة ثلاث صور مختلفة الأوضاع تمثل السيدة روز فى مواقف مختلفة من رواية المتمردة التى يفتتح بها الريحانى مسرحه والتى تقوم فيها بدور «فابين»..».

على الصفحة 17 من العدد نفسه موضوع آخر عن روزاليوسف تحت عنوان «حفلة مجلة روزاليوسف فى بوفيه مسرح الريحانى»، والموضوع الموقع باسم «أغوير» وصف تفصيلى يبدأ كالتالي:

«برعت الصديقة السيدة روزاليوسف فى الاعلان عن مجلتها الزاهرة بطرق أدبية شريفة، فلا غرابة والحال هذه أن تنتهز اجتياز مجلتها عامها الأول للاحتفاء بدخولها العام الثانى من عمرها..»

أما بقية المقال فوصف تفصيلى لوقائع الحفل والحضور، ومن هذه الأوصاف الطريفة: «وأخذت السيدة روز تقطع لنا الحلوى بيدها الناعمة، فعبثت بها عبث صوتها العذب على المسرح بالقلوب والجوارح»!

بالإجماع.. أقدر ممثلة فى مصر!

كانت روزاليوسف واثقة فى نفسها كممثلة، تعلم قدرها وتفوقها، كما يظهر فى تحقيق طريف نشرته مجلة «المسرح» فى العدد 48، الصادر بتاريخ 22 نوفمبر 1926، تحت عنوان «من هى أجمل ممثلة فى مصر؟ ومن هى أقدر ممثلة؟ آراء الممثلين والممثلات فى زميلاتهم». ويبدأ التحقيق بسؤال روزاليوسف:

«..عثرت على السيدة روزاليوسف قبل كل واحدة. حدثتها عن فكرتى فضحكت «جنان ايه دا يا اختى!!» قلت أننى أتكلم جديًا..هيا تشجعي! قالت إن أجمل ممثلة على المسرح فى نظرى هى السيدة فاطمة رشدي. قلت ومن هى أقدر ممثلة. ضحكت ببساطة وقالت «أنا»!!.

الطريف أن كل الممثلات والممثلين المذكورين فى الاستطلاع اخترن روزاليوسف أيضا ( ما عدا مختار عثمان الذى اختار فاطمة رشدى واستفان روستى الذى اختار كلا من روزاليوسف وفاطمة رشدى دون تفضيل وزكى عكاشة الذى قال أن كلهن «زفت»!).

أما الذين اختاروا روزاليوسف فهم: نجيب الريحانى ومارى منصور وأحمد علام وصالحة قاصين وعمر وصفى وبشارة واكيم وعباس فارس وحسن البارودى وممثلة شابة تدعى ليندا وزينب صدقى التى كانت إجابتها: «هذا لا يحتاج إلى سؤال فالسيدة روز أقدر ممثلة بدون شك». الطريف أيضا هو إجابة عزيزة أمير التى قالت للمحرر ردا على سؤاله عن أقدر ممثلة: «زمان كان عندى اعتقاد وضاع..قلت فسرى ماذا تقصدين..قالت أقدر ممثلة هى السيدة روز اليوسف..بس مش عارفة جرى لها ايه فى رواية مونافانا. قلت: جرى خير يا ست عزيزة دى بس كانت «شرقانة»..شعرة دخلت فى ذورها من الباروكة اللى كانت لابساها..!»

استمر استطلاع الأجمل والأقدر على مدار الأعداد التالية وحتى العدد 51 من المجلة ولم تختلف النتيجة كثيرًا عن الاستطلاع الأول، روزاليوسف فى المقدمة وتليها فاطمة رشدى بمسافة بعيدة. والنتيجة الإجمالية كما نشرتها المجلة هى: نالت السيدة فاطمة رشدى فى الجمال 16 صوتًا، ونالت روز اليوسف 17 صوتًا فى المقدرة.