الأربعاء 8 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

الشتاء الآسيوى على صفيح ساخن منافسة القوى العظمى عبر الكوريتين

تمثل منطقة «آسيا»، و«المحيط الهندى» مجموعة مستمرة من مشاكل الأمن الإقليمى، والداخلى، والنزاعات الخاصة بالأراضى، والنفوذ العسكرى؛ فقد اشتبكت «الصين»- مؤخرًا- مع «الهند»، بينما تتسلح «الهند»، و«باكستان» بشكل مطرد لجولة أخرى محتملة من النزاع، والتى يمكن أن تشمل استخدام الأسلحة النووية؛ أمّا «ميانمار» فهى كابوس من الصراع الداخلى، ناهيك عن «أفغانستان» التى تواجه عدم استقرار داخلى كبير.



 

ومع ذلك؛ يبدو أن أخطر شكل من أشكال المَخاطر الحالية لحدوث صراع كبير فى المنطقة، هو ارتفاع مستوى التوتر، وسباق التسلح بين «الكوريتين» (الشمالية، والجنوبية)، والذى يمكن أن يتصاعد بسهولة ليشمل «الولايات المتحدة»، و«اليابان»، وربما «روسيا»، و«الصين».

 تصاعُد حدة التطورات

أجرت «كوريا الشمالية» عددًا قياسيًا من عمليات إطلاق الصواريخ فى عام 2022، مع تهديد «بيونج يانج» برد أكثر شراسة على التدريبات الإقليمية المشتركة المستمرة بين «الولايات المتحدة، وكوريا الجنوبية»، فى الوقت الذى أكد فيه الرئيس الكورى الشمالى «كيم جونج أون» أن بلاده تعتزم امتلاك أقوى ترسانة نووية فى العالم، قائلًا، إن: «إن قضيتنا العظيمة التى لا تنقطع لبناء القوة النووية التى تحمى سيادة الدولة والشعب بشكل موثوق به»، مؤكدًا أنها أكبر وأهم قضية ثورية. 

على الجانب الآخر؛ ذكرت صحيفة «ذا چابان تايمز» الأسبوع الماضى، إن رئيس الوزراء اليابانى «فوميو كيشيدا» أصدر تعليمات لحكومته بزيادة الإنفاق الدفاعى إلى %2 من الناتج المحلى الإجمالى بحلول عام 2027، ارتفاعًا من الحد الأقصى لليابان، البالغ %1.

يأتى هذا فى الوقت الذى شدد فيه الرئيس الكورى الجنوبى «يون سوك يول» على سعيه لتكثيف التعاون العسكرى مع «اليابان» فى مواجهة التهديدات المتزايدة من «كوريا الشمالية»، قائلًا: «أعتقد أن الحكومة اليابانية لا يمكن أن تكون نائمة فى ظل التجارب الصاروخية الكورية الشمالية فوق أراضيها». 

 نزاع الكوريتين فى نظام دولى متعدد القوى

لم تتوانَ «الولايات المتحدة» قيد أنملة فى الوقوف بجانب حليفتها «كوريا الجنوبية» أمام منافستها «الشمالية»، إذ تزايدت اللقاءات الدبلوماسية بين «واشنطن، وسول» خلال العام الأخير تحديدًا للتأكيد على التعاون المشترك فى مواجهة «بيونج يانج»، إلى جانب تكثيف العمليات والتدريبات العسكرية المشتركة، ولعل أحدث تأييد أمريكى رفيع المستوى، كان ذاك الذى قال فيه الرئيس الأمريكى «چو بايدن»- بعد اجتماع ثلاثى فى «كمبوديا»- إن «كوريا الجنوبية، واليابان، والولايات المتحدة» متحالفة أكثر من أى وقت مضى ضد السلوك الاستفزازى لكوريا الشمالية.

عَلّقَ أستاذ مساعد فى قسم العلوم السياسية بجامعة «سونچكيونكوان» الكورية الجنوبية «تايسو تشاه»، على التطورات الأخيرة، بأن هناك شيئًا واحدًا يجب إعادة النظر فيه فى حل لغز نزع السلاح النووى لكوريا الشمالية، هو التغييرات الهيكلية التى حدثت منذ فترة ما بعد الحرب الباردة. 

وأوضح أن هناك نوعين من التحولات المهمة المحيطة بالقضية الكورية الشمالية؛ الأولى: ظهور نظام متعدد الأقطاب فى توزيع الطاقة العالمى، والثانى: وضع «كوريا الشمالية» كدولة نووية بحُكم الأمر الواقع.. مضيفًا إن «العالم يواجه حقبة من التنافس المتجدد بين القوى العظمى».

كما أشار «تشاه» إلى أن القضية النووية الكورية الشمالية تتحول بسرعة إلى موضوع للصراع السياسى، والمساومة بين القوى الكبرى فى منطقة «شرق آسيا».. بشكل أوضح، قام النظام الكورى الشمالى بمراجعة استراتيچيته الكبرى بعمق.. مؤكدًا على ظهور ما يسمى بـ(حرب باردة جديدة)، أو (التحول من عالم أحادى القطب، إلى عالم متعدد الأقطاب). 

لذلك؛ تُظهر «بيونج يانج» إرادتها النشطة لأخذ زمام المبادرة فى المشاركة فى هذه السياسة الواقعية الناشئة الجديدة، فى الوقت الذى تشير بعض الدلائل على أن «كوريا الشمالية» تنحاز إلى «الصين»، و«روسيا» فى معارضة «الولايات المتحدة»، وسط التوترات المتزايدة فى مضيق «تايوان»، والأزمة «الروسية- الأوكرانية». 

وتوقّع «تشاه» أن النخب فى «بيونج يانج» قد تكون استنتجت أنه بدلًا من التمسك بمفاوضات عقيمة مع «واشنطن» المشتتة، والتى كانوا يحاولون إنجازها، منذ نحو ثلاثة عقود دون جدوى؛ فإن مصالحهم ستخدم بشكل أفضل من خلال المراهنة على دولتى «روسيا، والصين» فى البيئة الاستراتيچية الجديدة.. مستدلًا فى هذا الصدد، أنه رُغْمَ استئناف «كوريا الشمالية» إطلاق صواريخ باليستية عابرة للقارات، ومتوسطة المدى؛ فقد فشل مجلس الأمن الدولى- مرارًا وتكرارًا- فى إصدار قرار يدين النظام الكورى الشمالى، ويرجع ذلك- أساسًا- إلى معارضة «بكين، وموسكو».

 حرب الشتاء بين الكوريتين

فى الوقت الذى تتصاعد فيه حدة النزاع بين الكوريتين؛ حذر باحثو «مركز الدراسات الاستراتيچية والدولية» الأمريكى (CSIS) من أن كوريا الشمالية بدأت نوعًا جديدًا من (حرب الشتاء) من خلال زيادة إطلاق الصواريخ بشكل حاد، وانتهاكات لأراضى «كوريا الجنوبية».. مستدلين بعمليات إطلاق الصواريخ غير المسبوقة التى نفذتها «بيونج يانج» خلال شهرَىْ أكتوبر ونوفمبر الماضيين.

فبحلول أوائل نوفمبر الماضى، كانت «كوريا الشمالية»، قد أطلقت بالفعل 86 صاروخًا- وهو رقم قياسى سنوى- من بينها 23 صاروخًا أطلقت فى يوم واحد فقط.

المثير فى تهديدات «كوريا الشمالية» خلال الفترة الأخيرة؛ هو أنها لم تشمل جارتها «الجنوبية» فحسب؛ بل أظهرت اختبارات الصواريخ الكورية الشمالية تهديدها المحتمل لجارتها الأخرى «اليابان»، وأيضًا للقواعد العسكرية الأمريكية فى «اليابان، و«جوام»، وذلك بعد أن اختبرت «بيونج يانج» صاروخًا يشبه الصواريخ البالستية العابرة للقارات فى نوفمبر الماضى، لكنه باء بالفشل.

أوضح باحثو «مركز الدراسات الاستراتيچية والدولية» الأمريكى أن «كوريا الشمالية» تزيد مخزونها من الأسلحة النووية، وتستخدم على نطاق واسع مرافق الطرد المركزى لإنتاج المزيد من المواد الانشطارية.. مرجحين أن تجرى أول تجربة للأسلحة النووية- منذ سنوات- خلال (شتاء 2022-2023).

أمّا فى الوقت الحاضر؛ فرأى باحثو (CSIS) أن هذا المستوى الجديد من المواجهة مصمم لاستخدام القوة العسكرية؛ من أجل كسب النفوذ أكثر من كونه يمثل خطرًا على المدى القريب لأى صراع كبير.. منوهين- فى الوقت ذاته- إلى احتمالية استمرار بعض الحوادث، التى قد تؤدى إلى نشوب صراع. 

واعتبروا أن علاقات «كوريا الشمالية» مع «الصين»، ومبيعاتها الأخيرة من أسلحة المدفعية الروسية، إلى جانب تصريحات الرئيس الكورى الشمالى العنيفة والحادة، أنها تحذيرات من أن مثل هذا الحادث، يمكن أن يحدث بطرُق تشمل جميع القوى الكبرى.