الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
حواديت.. من مشاهدات الحياة  الصدقة.. بين شروط الجمعيات والنصب الإلكترونى

حواديت.. من مشاهدات الحياة الصدقة.. بين شروط الجمعيات والنصب الإلكترونى

اتصلت صديقتى بالجمعية الخيرية الشهيرة حتى يبعثوا بمندوبهم لاستلام المبلغ الشهرى الذى تتبرع به، فقالت لها الموظفة: للأسف المبلغ الذى حددتِه دون الحد الأدنى الذى نقبله، جاء الرفض صادما فقد كان المبلغ بضع مئات من الجنيهات وليس بضع عشرات كما قد يتبادر إلى الذهن.



هل اندهشت عزيزى القارئ؟ إذًا دعنى أزيدك من الشعر بيتا عن الأسلوب الفظ الذى تتعامل به الجمعيات مع المتبرعين، منذ فترة قصيرة تقريبا قامت إحدى صديقاتى بالاتصال بجمعية خيرية لإرسال سيارة نظرا لإجرائها بعض التجديدات بالمنزل والاستغناء عن الكثير من المتعلقات فما كان منهم بعد المماطلة، غير الإجابة بأنه يتعين عليها توصيل ما تريد إليهم نظرا لكثرة التبرعات وانشغال سياراتهم فنصحتها بسؤال المحيطين بها عن المحتاجين وبالفعل تبرعت بكل ما تريد لأناس متعففين لا يسألون إلحافا.

الموضوع ببساطة أن تلك الجميعات تأتيها الأموال من كل حدب وصوب، وبالتالى تتعامل مع المتبرعين من باب الاستغناء. وقد بدأ هذا الأمر على استحياء منذ بضعة أعوام فى مواسم التبرع الكبرى وهى شهر رمضان وفى الأعياد الدينية وكنا نتفهم ذلك ولكن يبدو أنه أصبح سلوكا دائما.

حسنة وأنا سيدك

استقبل صديقى الخلوق اتصالا من رجل كان يعطف عليه من حين لآخر ببعض المال فقد كان يعلم بأن إمكانياته المادية لا توفى احتياجاته الحياتية حيث فوجئ بالرجل يحدثه بصيغة الأمر مطالبا إياه بارسال مبلغ كبير من المال مع أى شخص نظرا لتواجده فى المستشفى مع أخته المريضة فاعتذر متلعثما لعدم توافر المبلغ معه وأنهى المكالمة وهو لا يكاد يصدق أذنيه ويتساءل: هل معنى معاملتى اللطيفة للرجل أن يحدثنى بتلك اللهجة وكأنى مُلزم بإرسال المال.

نعم هناك فئة من البشر تعتقد أن لها حقا لديك طالما أشفقت عليها مرة وبالتالى فلا بد أن تستجيب لأى طلب تطلبه منك، وهذا ما حدث منذ بضعة أعوام مع زميلة عزيزة وكنت شاهدة على الواقعة الطريفة، حيث تعاطفنا مع حالة لسيدة على الفيس بوك كانت تريد الانفصال عن زوجها والاستقلال بحياتها ولا تريد العودة لأهلها فشطح بزميلتى الكرم بأنها ستساعدها فى سداد قيمة إيجار المسكن الجديد وبعد بضعة أيام فوجئت بزميلتى تتصل بى صارخة (الحقينى دى عايزانى أدفع لها 5000 جنية إيجار شهرى) حيث طالبت السيدة (بلهجة متأففة) من صديقتى تحديد موقفها حتى يتسنى لها استئجار المسكن وبالطبع فقد انتابتنى نوبة شديدة من الضحك نظرا لأن الراتب الشهرى لزميلتى كان لا يتعدى نصف المبلغ المطلوب وانتهى الأمر بالاعتذار وبالطبع البُعد تماما عن الزج بأنفسنا فى هذه الأمور.

 البيه المتسول

أراه يوميا فى مكانه المعتاد بالجزيرة الوسطى أسفل الكوبرى بموقع استراتيجى قبل كمين الشرطة، أى أنك ستهدئ من سرعة سيارتك بجانبه فى كل الأحوال، يجلس على كرسى متحرك، رجلا فى الخمسين من عمره رث الثياب.. مادًا ساقيه أمامه ورابطا فى كل قدم إصبعين أو ثلاثًا معا برباط متسخ.. لا يتكلم وإنما يعرض عليك المناديل الورقية صامتا ويتجول حوله حفنة من المتسولين وللصدفة ومع غروب شمس أحد الأيام والطريق مزدحم رأيت سيارة ملاكى فخمة تطلق أضواء انتظار بجانبه فيقف المتسول على قدميه ويساعد السائق فى جمع أشيائه وطى الكرسى المتحرك ويركب السيارة بشىء من الملل الروتينى لتمضى به.

عندئذ تبادر إلى ذهنى كم كان المتسول فى فيلم (لو كنت غنى) لبشارة واكيم غبيا حينما بخل على نفسه بكنزه وتركه لورثته يبعثرونه على ملذاتهم.

 رُزمة من النقود 

عندما تتخذ طريقا لك لسنوات فأنت بالتدريج تتعرف على جميع الوجوه سواء المتسولين أو حتى اللصوص، خاصة لو كان الطريق مزدحما ولديك هواية قراءة الوجوه.. كنت أشعر بالشفقة حياله نظرا لتكوين جسده الأقرب لجسد شخصية أحدب نوتردام الشهيرة فهو يمر بين السيارات ممسكا بقطعة من القماش استحال لونها إلى اللون الأسود محاولا مسح سيارتك فتبادر بمنحه أى عملة معدنية حتى لا يلوث الزجاج.. إلى حين جاء يوم كنت أسير فيه على قدمى لشراء بعض الاحتياجات من تلك المنطقة لأشاهده يسير ممسكا برزمة من الأوراق المالية فئة المائتى جنيه لا تقل بحال من الأحوال عن مبلغ عشرة آلاف جنيه، يعدها باهتمام غير عابئ بمن حوله.. فوقفت مذهولة لدقيقة أنظر إليه ومشيت وقد عقدت العزم على عدم الاهتمام بهؤلاء مرة أخرى.

المتاجرة بالعاهات

أما أحدث أنواع النصب على شبكة الإنترنت فهو المتاجرة بالإصابات الجسدية بأن يكون الشخص من ذوى الهمم ويقوم بالنشر على الجروبات المختلفة مدعيا أن والدته فى حاجة لعلاج نظرا لمعاناتها من كسر فى المفصل وتحتاج عملية وأن عمله فى الدولة لا يكفى ذلك وقد وقعت إحدى السيدات فى هذا الفخ فأرسلت إليه مبلغا من المال واتصلت تليفونيا بالرقم المنشور فلم يرد عليها وفى اليوم التالى اتصل بها فأبلغته بإرسال المبلغ فأجاب باقتضاب (نعم لقد وصل) وأغلق الهاتف دون حتى توجيه كلمة شكر لها.  

المواقع الإلكترونية 

ومساعدتها للنصابين 

منذ سنوات وحتى الآن أراقب باهتمام أشكالا متنوعة من ابتكارات التسول والنصب على شبكة الإنترنت وكانت بعض الإصدارات الصحفية (خاصة المواقع الإلكترونية) شريكا فيها للأسف الشديد وذلك بنشر قصص هؤلاء البؤساء (حسب وجهة نظرهم) دون التحقق من صدقهم وبالتالى منحهم المصداقية أمام القراء الذين يقع بعضهم فريسة لهؤلاء النصابين.وكانت أخطر واقعة صادفتها ما حدثت منذ خمس سنوات.. ففى نهاية شهر أغسطس من عام 2017 نشر أحد المواقع الصحفية قصة إنسانية مصحوبة بصورة لامرأة تجلس فى ميدان عام بالقاهرة وبجانبها طفل صغير وأمامها صندوق لمسح الأحذية وأثارت القصة تعاطف سيدة فاضلة فذهبت إليها حيث تجلس وقالت لها إنها مستعدة للتبرع لها بقيمة شراء (بضاعة) وكانت حينئذ مستلزمات المدارس مثل الكشاكيل والكراكيس والأقلام بأنواعها نظرا لقرب بدء الدراسة وتستطيع المتسولة أن تبيع تلك الأدوات ويصبح لديها تجارة صغيرة تغنيها عن استجداء الآخرين فجادلتها المتسولة بأنها تحتاج النقود فى يديها وتشترى ما تريد ولكن السيدة الفاضلة رفضت ذلك وقامت بشراء البضاعة حتى تضمن للمتسولة حياة جديدة وذهبت إليها بصحبة سائقها الخاص فى الموعد المحدد بالحى العشوائى الذى تقيم فيه وكان مشهدا لا تنساه أبدا.. حيث حضرت المتسولة وهى ترتدى عباءة جديدة ليست برخيصة الثمن واضعة المساحيق التجميلية على وجهها وطلاء الأظافر ومصطحبة معها ابنتها، والاثنتان تمسكان بهاتفين محمولين مرتفعى الثمن وعندما رأت السيدة ذلك بدأت فى تصوير المتسولة وهى تستلم المشتريات وهو ما دفع الأخيرة للصياح فيها وكيف تقوم بتصويرها وحاولت التعدى عليها فأنهى السائق الخاص الموقف بمطالبة السيدة بركوب السيارة والبُعد عن المكان.. وبعد ساعة تقريبا كانت السيدة الفاضلة تستقبل مكالمة من زوج المتسولة يكيل لها الشتائم لأنها قامت بتصوير زوجته وأنه يستطيع إيذاءها فما كان منها إلا تهديده بإبلاغ الشرطة عن الواقعة ولم تنقضِ بضعة أيام إلا وكانت الشرطة تداهم هذا الحى وتضبط إرهابيين هناك.

أخيرا 

ما بين شروط الجمعيات ومحترفى التسول عليك عزيزى القارئ تحرى الدقة فى نواحى دفع صدقتك وزكاتك، فلا تهدرها على عصابات ومحترفى التسول واسأل عن الأقارب وهل فيهم من يحتاج إلى مساعدة مالية أو اسأل أصدقاءك عن حالات يعرفونها شخصيا تستدعى ذلك فهناك من يتعففون بكل معنى الكلمة عن مد أيديهم بالسؤال.. دمتم بكل خير.