الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
اغتيال كينيدى.. مؤامرة وفضائح وملف يفتح من جديد!

اغتيال كينيدى.. مؤامرة وفضائح وملف يفتح من جديد!

هل حدث شىء جديد يعيد إلى الحياة عملية اغتيال الرئيس الأمريكى جون كيِنيدى، بعد دفنها بغموضها؟، هل ملفاتها المغلقة فى أضابير أجهزة المعلومات الأمريكية يمكن أن تشق ثغرة فى لغز الاغتيال الذى جرى فى مدينة دالاس بولاية تكساس جهارًا نهارًا فى 22 نوفمبر 1963؟



يقول تقرير نشرته الديلى ميل البريطانية قبل أيام إن ألفًا من الملفات السرية عن الجريمة قد تذاع على الملأ لأول مرة، غصبًا عن وكالات أمريكية حكومية عملت 59 عامًا على إبقائها فى طى الكتمان، فظلت نظرية المؤامرة تفسيرًا شائعًا لها.

والحكاية أن محاميًا من نيويورك هو لارى شنايف رفع دعوى ضد الرئيس الأمريكى جو بايدن بصفته الرئاسية والأرشيف الوطنى الأمريكى فى أكتوبر الماضى، بأنهما انتهكا قانون سجلات جون كنيدى لعام 1992، الذى يلزمهما بالإفراج عن جميع الملفات الخاصة بعملية الاغتيال بعد 25 عامًا، ولم يفعلا ذلك منذ عام 2017.

وقد ألحت عائلة كينيدى فى طلب فك أسر هذه الملفات، وهاجمت الوكالات الرافضة ووصفتها بأنها حكومات سرية داخل الحكومة.

ويقال إن هذه الملفات تحوى أكثر من 15 ألف وثيقة، منها 44 وثيقة خاصة بالقاتل الذى أعلن عنه لى هارفى أوزوالد، وكان جنديًا سابقًا فى مشاة البحرية الأمريكية له ميول ماركسية، وقد اغتيل بدوره قبل أن يصل إلى باب المحكمة، ودون أن يعترف فى أى تحقيقات رسمية بجريمته أو يبين ما هى دوافعه، فقط تربط هذه الوثائق بين لى هارفى والمخابرات المركزية، وتثبت أنه شارك فى برنامج سرى لها حول كوبا.

وكوبا قبل اغتيال كينيدى بـ11 شهرًا، أى فى أكتوبر 1962 كادت تشعل حربًا نووية بين أمريكا والاتحاد السوفيتى، عندما سمحت للسوفييت بنشر صواريخ نووية على أرضها التى لا تبعد أكثر من 90 ميلاً فقط من ولاية فلوريدا، وهى الأزمة التى دامت 13 يومًا وأوقفت الكرة الأرضية على شعر رأسها، وعرفت باسم «أزمة خليج الخنزير»، وبالفعل كان العالم على شفا الحرب، لولا أن السوفييت سحبوا الصواريخ من كوبا مقابل انسحاب أمريكى مماثل من تركيا.

وكانت الحكومة قد أفرجت عن 1500 وثيقة فى ديسمبر الماضى لم تشف غليلاً ولم تنزع الأقنعة الكثيفة عن الجريمة، بعض هذه الوثائق عبارة عن مذكرات متبادلة بين دبلوماسيين أمريكيين والسى آى إيه، منها مكالمة تليفونية أجراها مجهول مع السفارة الأمريكية فى أستراليا، قبل عام من إطلاق النار على جون كنيدى وقال فيها إن الحكومة السوفيتية تخطط لقتل الرئيس الأمريكى، ومذكرة عن تفاصيل لقاء قبل شهرين من إطلاق النار، بين القاتل المزعوم لى هارفى أوزوالد وعميل فى المخابرات السوفيتية يعمل دبلوماسيًا بالسفارة السوفيتية فى المكسيك، ومذكرة عن مكالمة تليفونية قبل شهر من الحادث، من أوزوالد مع السفارة السوفيتية تحدث فيها بلغة روسية ركيكة وسأل محدثه: هل هناك أى شىء يتعلق ببرقية واشنطن، وبرقية من الملحق البحرى الأمريكى فى أستراليا إلى المخابرات المركزية بعد الاغتيال بيومين تقول إن شخصًا زعم أنه سائق بولندى فى السفارة السوفيتية بأستراليا اتصل هاتفيًا وأبلغنا أن الاتحاد السوفيتى هو الذى مول عملية الاغتيال.

ويقال إن السلطات الأسترالية بحثت وتحرت، ولم تتعرف على أى سائق بولندى يعمل بالسفارة السوفيتية، وكتبت تقريرًا بذلك.

طبعًا أى مراجعة وتمحيص دقيق لهذه الوثائق، قد تنتابك شكوك حول مكالمة أوزوالد مع السفارة السوفيتية أو ذهابه إلى مكسيكو سيتى ليقابل العميل الروسى علنًا، فهى تصرفات مكشوفة، كما لو أن شخصًا يعلن عن نفسه: الحقونى أنا جاسوس، وعموما هى شبهات لم تتحول إلى أدلة حاسمة، تهدم نظرية المؤامرة، والتى لعبت عليها السينما الأمريكية كثيرًا، سواء أكدت القتل على أوزوالد والسوفيت أو سارت فى طريق التساؤلات وتركت النهاية مفتوحة والإجابات معلقة،وخاصة أن قاتل أوزوالد «جاك ليون روبى» لم يفسر غموضًا عند محاكمته، فقط اعترف بجريمته وأنه فعلها غضبًا على مقتل رئيسه، وحكمت المحكمة الفيدرالية عليه بالإعدام، ولم ينفذ الحكم إلى أن مات فى السجن بانسداد رئوى فى عام 1967.

لكن الأخطر من كل ذلك ولم تتوقف الدنيا عنده، هو اعترافات كريستين كيلر فى تحقيقات فضيحتها الجنسية مع وزير الدفاع البريطانى جون بروفومو فى مارس عام 1963، فضيحة مدوية ظلت حديث الصحف والرأى العام شهورًا طويلة، وأهدرت مستقبلاً مرموقاً كان ينتظر بروفومو، وأخذت معها رئيس الوزراء هارولد مكميلان نفسه.

وأقوال كريستين فى هذه التحقيقات عن اغتيال كينيدى لم تذع مطلقًا لأكثر من 38 سنة، ولم تعرف إلا بعد أن سجلتها فى كتابها المثير (الحقيقة أخيرًا.. قصتى)، الصادر فى أول يناير 2001، الغريب أن العالم اهتم بتفاصيل حياتها كراقصة فى ملهى ليلى وعلاقاتها الساخنة مع علية القوم، ولم يهتم بما عرفته عن عملية الاغتيال قبل وقوعها بثمانية أشهر.. وقالت بالنص: «كانت السيطرة الحكومية قوية والغطاء الرسمى لكل ما جرى جاهزًا ونافذًا، ومازالت حتى الآن مندهشة من اللورد ديننج، القاضى الذى كلفته الحكومة بتقصى الحقائق فى علاقتى العاطفية مع جون بروفومو وإيفانوف الجاسوس السوفيتى فى وقت واحد، وتأثيرها على أمن بريطانيا والعالم أجمع، ورويت كل شىء بالتفصيل، أنا و159 شاهدًا، لكنه نشر شيئًا مغايرًا فى تقريره بعيدًا عن الحقيقة ومليئًا بالأكاذيب، وهددنى بقسوة بأننى لن أرى ضوء النهار مرة أخرى إذا لم أتصرف بأدب وأغلق فمى، لقد وجد فى الجنس حلاً سهلاً وتجاهل ما قلته عن حقائق تمس مجلس الوزراء البريطانى والبيت الأبيض الأمريكى، والأكثر خطورة هو أننى أطلعته على التهديدات التى كنت أسمعها بالمصادفة، وتشى بأن الرئيس جون كينيدى سوف يغتال فى ولاية دالاس الأمريكية بعد عدة أشهر، لكن الحكومة لم تكن تريد أن تسمع أو تعرف وركزت فقط على علاقاتى، ليخرج التقرير فى النهاية قائلاً: إن أمن بريطانيا لم يمس ولم يكن أبدًا تحت التهديد».

اعترافات مكتوبة فى غاية الخطورة، تشى بأن بريطانيا كانت على علم بعملية الاغتيال ومكانها وتوقيتها قبل حدوثها بعدة أشهر، لكنها صمتت أو بلعت معلوماتها، لم يكن يعنيها أن يراها العالم فى أوضاع مخلة بالآداب، بقدر ما يعنيها أن تضع أوراق توت على عوراتها الأمنية، فالجنس فعل أفراد يتحملون مسئوليته مهما كانت مراكزهم، والعرى الأمنى خلل دولة يقوض مكانتها العالمية، خاصة أن قضايا تجسس قد ضربتها فى العامين السابقين على الفضيحة، مثل قضية الجاسوس جورج بليك فى عام 1961، وجون فاسال فى عام 1962، وهما شخصيتان بارزتان.

لكن كريستين تجسست بالمصادفة دون أن تكون عضوًا فى شبكة تجسس، وأغوت وزير الدفاع بدافع الشقاوة والرغبة، لكنها كانت تحت سيطرة الدكتور ستيفن وارد القواد الذى مهد لها الصعود إلى قمة المجتمع، وهو طبيب عظام مشهور، كان من زبائنه ونستون تشرشل الزعيم البريطانى الأشهر قائد النصر فى الحرب العالمية الثانية، والنجمة الأمريكية اللامعة إليزبيث تايلور، وفى الوقت نفسه كان جاسوسًا محنكًا للاتحاد السوفيتى وهى لا تعلم، فاستخدمها طعمًا للكبار الذين أمدوها بالمعلومات وهم عرايا، ثم تنقلها له.

عمومًا عالم الستينيات كان فى حالة غليان سياسى واقتصادى، وفى حالة انفجار اجتماعى أخطر، الحرب الباردة على أشدها بين الرأسمالية والشيوعية، بين حرية الفرد ودور الجماعة، بين عالم يطل برأسه وعالم يندثر، حالة فوضى لم تستقر، وصراع شرس حتى الرمق الأخير وسط تهديدات من مئات الرءوس النووية المشرعة لإنهاء الحياة الإنسانية بمجرد الضغط على زر الإطلاق. والسؤال الآن: هل يمكن أن يصدر حكم قضائى بإذاعة الوثائق السرية؟

وإذا صدر هل تظهرها وكالات المعلومات الأمريكية كلها أم تكتفى بما تريد أن تكشفه؟

مازالت نظرية المؤامرة نشيطة ولا تتوقف، وأصحابها يعتقدون أن أوزوالد غير متورط فى عملية الاغتيال، أو على أقل تقدير لم يكن وحيدًا فيها، لاسيما أن أوزوالد أنكر التهمة عند القبض عليه، ثم قتل بعد يومين فقط على الملأ وهم ينقلونه من قسم الشرطة إلى قاعة المحكمة.

أما المخرج أوليفر ستون فقد أجاب عن السؤال، فى فيلم وثائقى (جون كينيدى.. إعادة نظر)، وقال فيه من خلال قراءة فى الأدلة: يبدو من المستحيل أمام أوزوالد أن يكون هو الذى قتل كينيدى بالطريقة التى صورها الرسميون.

نعم.. نظرية المؤامرة اختراع أمريكى كامل الدسم!