
ايمان مطر
حواديت.. مدينة الإله بلا أنبياء
بصمت يليق بجلال وهيبة المكان يستقبلك الوادى.. هدوء وراحة نفسية عميقة تستشعرها بالموضع الذى تردد بين جنباته صوت المولى عز وجل مخاطبا موسى أن يخلع نعليه فإنه بالوادى المقدس «طوى».
بخيوط من نور ارتبطت روحى بالمكان المقدس فهناك حيث الجبال الشاهقة والأفق الممتد والصمت الجليل الذى لا يقطعه سوى زقزقة عصفور.. تجد السكينة التى تبحث عنها وتنفصل روحك لتهيم فى عالم من الأنوار البديعة ولما لا وقد تجلى الإله عز وجل بنوره الأبدى على المكان فاندك الجبل وخر موسى مغشيا عليه من هول ما رأى. لقد اصطفى الله عز وجل قطعة من مصر ليتجلى بنوره عليها فهى البلد الأمين الحافظ لأنبياء الله ورسله والملاذ الآمن لهم.
وخلافا لما هو سائد فإن مدينة الإله لم يُدفن فيها أنبياء ولم يوارِ ثراها جثامينهم رغم بعض اللافتات على أضرحة بسيطة متواضعة المظهر منسوبة إلى النبى هارون والنبى صالح، ونظرا لتكرار زيارتى لهذا المكان المقدس فقد أردت أن أوضح الحقائق التاريخية حول هذا الأمر.
مقام هارون وصالح
عند سفح الجبال تجد مقابر البدو وبجوارها لافته بأنك مُقبل على مقام النبى هارون وعلى سفح مرتفع بعض الشىء تجد مبنى لكنيسة صغيرة تابعة لدير سانت كاترين وبجوارها المقام المبنى من الحجر بشكل شبه دائرى وتصعد له بعدة درجات ليقابلك باب خشبى ويظلله سقف يعتمد على ألواح من الخشب ويستقبلك الضريح بقماش من اللون الأخضر يعلوه كسوة قطيفة مذهبة والضريح يشغل المكان كله تقريبا وبالحوائط فتحات للرؤية والتهوية.
أما ما يعرف بمقام النبى صالح فيقع فى بداية دخولك للمدينة وحوله مساحة كبيرة من الأرض يقام بها مولد سنوى له وهو ما يسمى «الزوارة» وهو مبنى سداسى الأبعاد مبنى من الحجر وله قبة والمقام يتوسط المبنى ذا الباب الخشبى وقد تم طلاء الحوائط باللون الأبيض وكُتبت عليها أسماء كثيرة وفى أحد الجوانب توجد طاقة فى الحائط بها بقايا لأعشاب تم حرقها لتعطير المكان وفُرشت الأرض بسجاجيد صلاة متنوعة الأشكال والأحجام.. أما صاحب المقام فرجل تقى واسمه صالح وعندما مات بنى أهله المقام ومع مرور السنين تحول المقام من الشيخ صالح إلى النبى صالح كما يوضح موسى (دليلى البدوى فى الرحلة).
ويؤكد نعوم بك شقير ما سبق فى كتابه تاريخ سيناء سنة 1911 : «من الغريب أنَّ بدو سيناء مع شدة اعتقادهم بأوليائهم تراهم لا يعرفون لهم أصلًا ولا فصلًا، إلَّا القليل منهم الذين دفنوا فى هذا الجبل والذى قبله، فإن أصولهم معروفة؛ لأن بدو سيناء ما زالوا كلما مات لهم شيخ يعتقدون صلاحه بنوا له ضريحًا، ويبنون فوق الضريح قبة أو مقامًا، ويجعلون للضريح قفصًا من الخشب مجللًا بنسيج قطنى ملون، ويجعلون للقفص رأسًا معممًا، أو يتركوا الضريح عطلًا من البناء والقفص»، وعندما اتصلت بالدكتور عبدالرحيم ريحان خبير الآثار ومدير عام البحوث والدراسات الأثرية بوزارة السياحة والآثار لأستوضح منه الأمر قال: إن هناك العديد من المعلومات المغلوطة عن ارتباط المقامات بمنطقة سانت كاترين بأسماء الأنبياء مثل مقام النبى هارون ومقام النبى صالح واعتاد أهل سيناء دفن موتاهم بجانب الأولياء ويطلقون على أوليائهم لقب النبى.
خرافة مقام النبى هارون
ويتابع ريحان بخصوص ما يعرف بقبر النبى هارون بمنطقة سانت كاترين فهو قبر رمزى «مشهد رؤية» ولم يدفن به نبى الله هارون، وأن نبى الله موسى وأخاه نبى الله هارون عليهما السلام توفيا بسيناء ولم يعرف لهما قبر وكان ذلك فى فترة تيه بنى إسرائيل متخبطين بين شعاب وأودية سيناء لمدة أربعين عامًا لرفضهما دخول الأرض المقدسة كما أمرهما الله سبحانه وتعالى فالقبر لا علاقة له بنبى الله هارون ورغم ذلك يتبرك به أهل سيناء ويدفنون موتاهم بجواره.
الفرق بين المقام والمشهد
ويوضح ريحان الفرق بين المقام والمشهد بقوله: المَقَام هو موضعُ الإقامة وزمانها وليس بالضرورة أن يكون المَقام مكان دفن أو قبر قد يُنسب لأحد الأنبياء أو الأولياء بل من الممكن أن يكون مكان إقامته فى يوم من الأيام أو مكان صلاته أوكان قد مر عليه فى يوم من الأيام ومن ثم اشتهر هذا أو ذاع بين الناس على أنه أحد مقاماتهم فيشاد على هذا المكان بناء أو مسجد لكى يزوره الناس وفى الغالب هو قبر فخم، والضَريح هو الشَّقُّ فى وسط القبر وقد يُعنى به القبر نفسه وهناك ضريح حقيقى فيه قبر ورفات لميت بعينه ولا خلاف فيه مثل قبر الرسول صلى الله عليه وسلم فى المدينة المنورة وهناك ضريح رؤية أو مشهد رؤية وهى تلك الأضرحة المنامية التى تقام لولى من أولياء الله الصالحين دون أن يكون مدفونا بها جسد متوفى ويعلوها فى الغالب قبة لتعظيم ما تحتها ولو لم يك شيئا وتعارف عليها بأنها أضرحة الرؤيا وظاهرة الموالد لذوى المقامات المنامية وغيرهم وهى ظاهرة ترجع لأصول مصرية قديمة لا علاقة لها بالأديان وترتبط بأعياد المصريين القدماء الدينية للآلهة مثل عيد أمونوبيس وبتاح وأبيس وغيرها، أمّا كلمة المشهد فيُقصد به عادةً البناء الحامل للقبر أو المكان الذى تتم عنده الزيارة، وعادة ما يكون فوقه قبة مبنيّة والمَشْهَدُ هو ضَّريح أحد الأولياء ويقيده البعض بأضرحة الرؤيا.
عجل السامرى والنبى صالح
ولفت ريحان إلى أن هناك أقوالا ليس لها أساس علمى عن التبة الموجود عليها ما يعرف بمقام النبى هارون بأن لها ارتباطًا بنحت العجل الشهير أمامها والذى ربما يمثّل القالب الذى صب عليه السامرى العجل الذهبى الذى عبده بنو إسرائيل فوق التل المقابل لهذا النحت موضحا أن ما يعرف بقبر النبى صالح بمنطقة سانت كاترين لا علاقة له من قريب أو بعيد بنبى الله صالح وإنما المدفون بالقبر هو الشيخ صالح أحد شيوخ أهل المنطقة وقد أطلق على أشهر أودية سانت كاترين وادى الشيخ نسبة إلى هذا الضريح وأن نبى الله صالح أرسل لقوم ثمود وعاش بمنطقة شمال الجزيرة العربية وكانت مساكن ثمود بالحجر والحِجْر أرض بها جبال كثيرة نحتت فيها منازل قوم ثمود وتقع فى المملكة العربية السعودية شمال المدينة المنورة وهناك آثار شهيرة للأنباط فى موقع الحجر القديمة يطلق عليها مدائن صالح مسجلة تراث عالمى باليونسكو.