السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

النسوية الإسلامية (وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ): المرأة.. وفهم جديد للقرآن! "41"

يرى البعضُ أن تعاليم الإسلام تنظر للأنثى نظرة دونية مقارنة بالذكر، وهى رؤية تأسَّست على فهم غير صحيح لآيات قرآنية، مثل قوله تعالى: (وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ) الزخـرف 19، (أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ) الطور 39، (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى) النجم 21.



الباحثة والكاتبة ناهد سليم مصرية الأصل، ومقيمة فى هولندا، تسعى من خلال أفكارها إلى إصلاح الفكر الدينى، وإشراك المرأة فى تفسير القرآن والسنة النبوية، وتطالب بتغيير الفكر الدينى ليناسب العصر.

أصدرت كتاب «نساء النبى» عام 2003 باللغة الهولندية، والنسخة المترجمة إلى اللغة الألمانية بعنوان «انزعوا القرآن من أيدى الرجال»، وتتناول فيه قضية تفسير القرآن والحديث النبوى على أيدى مفسرين رجال فقط، مما ألحق الضرر الكبير فى مساعى المرأة نحو الحصول على حقوقها، بسبب التفسير الرجولى الذى يخدم دائمًا مصلحة الرجل.

ولذلك فمن المهم أن تُشارك المرأة فى تفسير القرآن والسنة النبوية، من أجل تحقيق المساواة، وفتح باب للبحث فى الدين وإصلاح الدين من خلال المرأة، وأن بإمكان المرأة أن تُشارك فى النقاش والبحث والتفسير بطريقة تختلف عن طريقة الرجل.

عرض الفكر:

فى القرآن الكريم توجد آيات بها بعض الكلمات التى تختلف فى كتابتها عن الشكل الإملائى المعروف لهذه الكلمات، مثل كلمتى الآن والئن، وكلمتى إبراهم وإبراهيم، وكلمتى نعمة ونعمت، وكلمتى رحمة ورحمت.

ويسمى ذلك رسم كلمات القرآن، ويعنى شكل كتابة الكلمات، أو طريقة كتابة الكلمات، ولا يعنى نوع الخط كالنسخ أو الكوفى. 

وفى القرآن توجد كلمات نطقها متشابه وتختلف فى طريقة كتابتها، مثل كلمتى قرة وقرت: (فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ) السجدة 17، قرة كتبت بالتاء المقفولة لأنها وعد سيتحقق فى جنة الآخرة، وقرت كتبت بالتاء المفتوحة لأنها أمنية تحققت فى الدنيا: (وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِى وَلَكَ) القصص 9. 

ومثل الآن والئن: (فَمَن يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَّصَدًا) الجن 9، الآن كتبت بالألف لتدل على نهاية مرحلة استماع الجن لأخبار الملأ الأعلى، والئن كتبت بدون الألف لتدل على بداية مرحلة اعتراف امرأة العزيز وظهور براءة النبى يوسف: (الئَنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ) يوسف 51.

إبراهيم وإبراهم:

تكرر اسم إبراهيم 69 مرة فى 25 سورة، منها 15 مرة فى سورة البقرة، وقد جاء رسم الاسم فيها إبراهم، بغير حرف الياء، وجاء فى باقى السور الأخرى 54 مرة بحرف الياء إبراهيم.

وأول مرة جاء فيها اسم إبراهيم فى القرآن: (وَإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّى جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِى قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِى الظَّالِمِينَ) البقرة 124، ووجود حرف الياء أو حذفه من نفس الكلمة فى الرسم القرآنى، يعنى أن وجودها يأتى فى سياق يتحدث عن أمر كلى، وحذفها يأتى فى سياق يتحدث عن أمر جزئى.

(قُلْ إِنَّنِى هَدَانِى رَبِّى إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) الأنعام 161، النبى إبراهيم عليه السلام هو أول من عرف الطبيعة الحنيفية المتغيرة للخلق، وأن كل شىء متغير ما عدا الله: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِّلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) النحل 120. 

ولذلك تم ربط الحنيفية بالدين: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِى فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا) الروم 30، وجاء الدين حنيفًا فى التشريع، ليتناسب مع فطرة الناس. 

ووجود حرف الياء للدلالة على التحول الذى يفيد الانقطاع، وحذفها يفيد الاستمرار، واستعمال حرف الياء دال على مرحلة تم التحول عنها لمرحلة لاحقة.

وقد تميز النبى إبراهيم بأن له السبق فى أمور لا سابق لأحد قبله، فقد تم ابتلاؤه بالأب الكافر الذى تبرأ منه، وقوم كافرين أرادوا حرقه، وترك زوجته وولده الذى أتى بعد طول انتظار فى واد غير ذى زرع، ورأى أنه يذبح ابنه. بعد ثبات النبى إبراهيم فى هذه الابتلاءات، جعله تعالى أول إمام للناس، وحذفت الياء من اسمه الدالة على التحول: (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) البقرة 124.

ومقام إبراهيم هو المقام الوحيد الذى استمر مرتبطًا ببيت الله الحرام: (وَإِذْ جَعَلْنَا ٱلْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْنًا وَٱتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَٰهِمَ مُصَلًّى  وَعَهِدْنَآ إِلَى إِبْرَٰهِمَ وَإِسْمعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِىَ لِلطَّآئِفِينَ وَٱلْعَكِفِينَ وَٱلرُّكَّعِ ٱلسُّجُودِ) البقرة 125، والنبى إبراهيم قام بتطهير بيت الله ومعه النبى إسماعيل.

والنبى إبراهيم أول من رفع قواعد بيت الله، والنبى إسماعيل معه: (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَٰهِمُ ٱلْقَوَاعِدَ مِنَ ٱلْبَيْتِ وَإِسْمَعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّآ إِنَّكَ أَنتَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ) البقرة 127.

وهو أول من رأى كيف يحيى الله الموتى: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِى كَيْفَ تُحْيِى الْمَوْتَىٰ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَىٰ وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِى) البقرة 260. 

والنبى إبراهيم هو أبو المسلمين: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِى الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ) الحج 78، فهو أول من سمى أتباعه بالمسلمين: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِى إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ) الممتحنة 4، والأسوة حسنة فى النبى إبراهيم والذين معه لأنهم تبرؤا من قومهم بسبب كفرهم، واحتمال إثبات حرف الياء فى اسم إبراهيم، لإثبات الأولية والسبق فى الأمور التى أشارت إليها الآيات.

نعمة ونعمت:

تكررت فى القرآن كلمة نعمة 25 مرة، وتكررت كلمة نعمت 11 مرة، والآيات التى جاءت فيها نعمة بالتاء المربوطة تتحدث عن نعم الله العامة للناس: (وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ) النحل 53،

أما نعمت بالتاء المفتوحة، فإنها تدل على النعم التى لا يمكن إحصاء عددها: (وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) إبراهيم 34، وصف الإنسان بأنه ظلوم كفار لإنكاره النعمة التى نالها.

وأما قوله تعالى: (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) النحل 18، فوصف تعالى ذاته أنه غفور رحيم، لأنه لو لم يغفر ويرحم، لحرمهم من النعمة.  

وجاءت كلمة نعمة بالتاء المفتوحة لتعنى النعم التى يذكر تعالى بها المؤمنين: (وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) البقرة 231، فالكتاب لم يكن عندهم ولا الحكمة كانت لهم، وجاءتهم النعمة بعد نزول القرآن عليهم.

وجاءت كلمة نعمة بالتاء المقفولة فى تذكير النبى موسى لقومه، عن نعمة بعث أنبياء من بينهم، وجعل ملوك فيهم، فحكموا أنفسهم بأنفسهم، وبشرع نزل عليهم: (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَقَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنْ الْعَالَمِينَ) المائدة 20.  

وأيضًا جاءت كلمة نعمة بالتاء المقفولة فى تذكير النبى موسى لقومه، بنعمة النجاة والأمن الذى هم فيه: (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنجَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِى ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ) إبراهيم 6.

وجاءت كلمة نعمة بالتاء المقفولة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا) الأحزاب 9، فقد ظلوا فى نعمة السلامة، ولم تتمكن الأحزاب من دخول المدينة، وإخراجهم من هذه النعمة.    

 رحمة ورحمت:

وتكررت فى القرآن كلمة رحمة بالتاء المفتوحة 7 مرات، وبالتاء المقفولة 70 مرة، وكلمة رحمت دليل على رحمة تم بسطها بعد قبضها، مثل البشرى بالولد للنبى إبراهيم وزوجه: (قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتَ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ) هود 73، واستجابة لدعاء النبى زكريا: (ذِكْرُ رَحْمَتَ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا) مريم 2، ففتحت هذه الرحمة لهما بعد قبضها.

وكلمة رحمة دليل على رحمة مرجوة لمن يدعو الله: (رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) آل عمران 8، أو رحمة موعود بها: (فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِى رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا) النساء 175.

أو رحمة للخالدين فى الجنة: (وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِى رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) آل عمران 107، وسياق الموضوع الذى تتحدث عنه الآية، هو الذى يحدد كتابة حرف التاء المفتوحة أو المقفولة.

الرسم القرآنى يلفت نظرنا لوجود أمر يحتاج للتدبر من خلال اختلاف كتابة بعض حروف الكلمات، فزيادة حرف على حروف الكلمة المعتادة يعنى زيادة فى المعنى، ويؤدى للتمهل أو التأمل، ونقص حرف من حروف الكلمة المعتادة يعنى نقص فى المعنى، ويؤدى لسرعة وقوع الحدث أو الاستعجال، ولذلك ترجع أهمية الرسم القرآنى إلى أنه يعطى المعنى بعدًا جديدًا.