الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
الحقيقة مبدأ.. أرض الغفوات

الحقيقة مبدأ.. أرض الغفوات

ما بين ميعاد مزعوم وغفوات عربية ترقد فلسطين بين الشقين ويتقاذفها الأشقاءُ كأحجار نرد على طاولة لا يجيدون لعبتها وبسردية عربية لا يفهمها العالم ولن، تظل القضية حاضرة فى أذهان الحالمين كحكايات المَهد التى ترويها الأمهات وأحاديث الآباء حول ركوة القهوة الليلية؛ أمّا على الجانب الآخر فهى سردية العَهد القديم ومقلاع داوود الذى أسقط العماليق ويحب العالم أن يسمعها وسيظل!! فهى أورشليم ويهودا والسامرة وهكذا هو التاريخ كما يحبونه وكما يراه «رون دى سانتيس».



 

1 - الخوف كل الخوف من نتنياهو!

دون إسهاب لا جدوَى من سرده؛ فهو بنيامين بن تسيون ميليكوفسكى، ابنٌ أوسَط لناشط وكاتب ومفكر صهيونى عتيد بولندى الجنسية هاجر لإسرائيل ثم أمريكا ثم إسرائيل ثم عاد إلى أمريكا مرّة أخرى، حين كان بنيامين الذى وُلد فى القدس قد أتم سنوات عمره التسع تاركًا سِنِى طفولته الأولى ليعيش إبنًا مُهمَلًا فى إحدى ضواحى فلاديلفيا ينظر إلى أخيه الأكبر «يونى» كمَثل أعلى وإلى أبيه كمؤسِّس ومؤثر حقيقى فى مسار تفكيره الذى تبلور حول القومية، الصهيونية، فكانت مراهقته مثالًا حيًا للشخصية اليهودية فى الأفلام السينمائية.. (خجولا، منطويًا، جدّيًا أكثر مما يجب، متفوقا وبارعًا فى كل ما يدرس أو ما يهتم به)؛ أمّا الندبة العميقة فى نفسه التى أعطته الشخصية التى عرفه بها العربُ والعالمُ فكانت مقتل أخيه الأكبر «يونى» أثناء عملية أطلاق الرهائن فى عنتيبى 1976.

2 - لا داعى للخوف من نتنياهو!!

فى مايو 1988 تُوّج نتنياهو زعيمًا لحزب الليكود واستطاع أن يتقدم على أمراء الحزب من أمثال موشيه كاتساف وأريئيل شارون وموشيه أرينز. وديفيد ليڤى، وعمل على ترميم الحزب ماليًا، وعلى تطويره تقنيًا ورصّ صفوفه من جديد. وقدّم نفسه نموذجًا لزعامة شابة تحديثية منفتحة على كل ما هو جديد.

ورُغْمًا عن أن تجربة توليه الحكومة للمرّة الأولى فى سنة 1996 عندما فاز على زعيم حزب العمل شمعون بيرس ناجحة؛ «كان الإسرائيليون يريدون منه أن يتصرف بصفته الوريث الحقيقى لمناحم بيجن، وأن يكون قادرًا على اتخاذ قرارات تاريخية». وقد انتهت ولايته بخيبة أمل كبيرة لمؤيديه ومحبيه.

3 - نتنياهو المَلك!!!

نتنياهو لا يعرف معنى الاستسلام، فهو صهيونى القومية بصناعة أمريكية ومن خلال كلا الإطارين فإن انتقامه لا يتوقف؛ وقطع طريقًا شاقًا وطويلًا قبل أن ينجح فى إعادة حزب الليكود إلى السُّلطة مجددًا فى سنة 2009، وتحويله شيئًا فشيئًا إلى حزب «الزعيم الأوحد». واعتمد فى استراتيچيته على أمرَيْن: إضعاف منافسيه المُحتملين على زعامة الحزب، واستخدامه «خطابًا تخويفيًا قوميًا أمنيًا»، ساعده على التقرب من الجمهور المتدين لليهود الشرقيين، ومن جمهور المستوطنين فى آن معًا. كما أن عداءه الكبير لليسار وشيطنته والحرب الشعواء التى شنّها عليه منذ أعوام، أمور شكلت عامل جذب لجمهور النخبة من اليمين من سكان المدن الكبرى، فهذا الجمهور المتعدد الانتماءات الاجتماعية والاثنية تهمّه يهودية الدولة وسيطرة اليمين أكثر ممّا تشغله تهم الفساد وسوء الأمانة التى أقنعهم نتنياهو بأنها من اختراع اليسار وأعداء إسرائيل.

وهكذا لم يعد نتنياهو يمثل نموذجًا لزعامة تحديثية تجمع التوجه القومى الصهيونى والليبرالية السياسية؛ فقد جعله تحالفه مع الأحزاب الدينية، ومحاولته التقرب من المستوطنين، وتبنّيه سياسات تحريضية ضد اليسار الإسرائيلى والمواطنين العرب، وحملاته التشكيكية فى سُلطات تنفيذ القانون فى إسرائيل، وشخصنة الحُكم، فى نظر كثيرين «خطرًا» على إسرائيل كدولة ديمقراطية.

4 - ما لا نريد / نستطيع فهمه!!!!

ما آلت إليه زعامة نتنياهو أخيرًا ليس فقط نتاج التغييرات التى مَرّ بها بقدر ما هو انعكاس للتحولات التى طرأت على المجتمع الإسرائيلى فى العقود الأخيرة، وفى طليعتها صعود النزعات القومية المتشددة وعودة تأثير التيارات الدينية فى إسرائيل ووصولًا للحياة العامة هناك؛ بل وتداخلها فى جوانب عديدة، منها القانون والجيش والتربية والتعليم. كما أن قانون القومية الذى جرَى سَنّه مؤخرًا يشير إلى الحقّ الدينى للشعب اليهودى فى تقرير مصيره، وهذا تجديد لا على مستوى إسرائيل فحسب؛ بل على مستوى الفكر السياسى برمّته.

إن الاحتجاجات والانقسامات التى تثيرها زعامة نتنياهو داخل إسرائيل لم يكن لها انعكاسات على أمن إسرائيل ولا على مكانتها فى المنطقة وفى العالم، كما أن سياساته الموجَّهة ضد المشروع النووى فى إيران، واتفاقات التطبيع مع الإمارات والبحرين والتوجُّه نحو المغرب ومحاولات مع المملكة السعودية لم تؤدّ إلا إلى تدعيم زعامته داخليًا. 

السؤال الذى يطرحه الإسرائيليون على أنفسهم اليوم هو: هل سيؤثر تشكيل نتنياهو للحكومة تزامنًا مع إعلان «دونالد ترامب» للترشح مرّة أخرى لرئاسة الولايات المتحدة أو مع احتمالات خوض حاكم فلوريدا «دون دى سانتيس» للانتخابات سيؤدى لمستقبل أكثر إشراقًا لأرض الميعاد؟!

أمّا السؤال الذى لا يطرحه العربُ فهو مدى خطورة حاكم فلوريدا على مستقبل حل الدولتين أو دولة ديموقراطية واحدة؟!

الأمران يبدوان متشابهين؛ إلا أن المنطلق الفكرى لكل منهما (الإسرائيليون والعرب) لا يوجد بينهما أى رابط؛ لا لمجرد العداء والحق التاريخى؛ بل إن الأمر بمنتهى البساطة البائسة هو أن الأول يفكر دائمًا فى نفسه لتحقيق الوعد المقدس؛ أمّا الثانى فهو لا يفكر أبدًا بنفسه تاركا العالم ليفكر له حتى يظل هانئًا بالغفوات.