الثلاثاء 7 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
ع المصطبة.. توصيات  المؤتمر الاقتصادى خطوة على المسار الصحيح

ع المصطبة.. توصيات المؤتمر الاقتصادى خطوة على المسار الصحيح

حسنًا فعلت الدولة بعقد المؤتمر الاقتصادى الذى أنهى أعماله منذ بضعة أيام، حيث أثمر عن عدة توصيات مهمة، لكن الأهم هو مدى الاستجابة المجتمعية وسرعة التنفيذ، فعلى سبيل المثال فى مجال القطاع الصناعي، فإننا حتى نحقق طفرة حقيقية علينا أن نحفر فى الصخر، وأن نبدأ من حيث انتهى الآخرون.



ولعل أبرز عوامل نجاح أى صناعة هى السوق الكبيرة التى يمكن الترويج فيها لمنتجات هذه الصناعة، فعلى سبيل المثال نجد أن صناعة الرقائق الإلكترونية حتى تنجح فإنها تحتاج سوقًا توازى نصف سكان العالم، وهذا سر ندرة الشركات والدول العاملة فى هذا القطاع، فالجدوى الاقتصادية لأى صناعة تحكمها العديد من المعايير، ومن ثم فإن تحديد الأنشطة والصناعات التى يمكن المنافسة فيها إقليميًا وعالميًا يستوجب تحديد سوق ترويج المنتج قبل أى شيء آخر.

 هذه الرؤية انعكست فى توصيات المؤتمر التى شددت على ضرورة سرعة الانتهاء من الرؤية المتكاملة لاستراتيجية الصناعة الوطنية، وكذلك استهداف بعض الصناعات المهمة، حيث حددت التوصيات أربعة قطاعات دعت إلى تعميق التصنيع المحلى فيها تمثلت فى الصناعات الهندسية والكيماوية والنسيجية والغذائية، وهنا بيت القصيد، فمن دون تحديد أولويات القطاعات الصناعية المطلوب النهوض بها ستكون العملية بمجملها أشبه بالحرث فى ماء البحر.

علينا الاعتراف أيضًا بأن أى صناعة ناهضة لن تستطيع المنافسة عالميًا إلا من خلال مظلة حماية اقتصادية تسرع عملية وقوفها على أقدامها حتى تصبح قادرة على مجابهة الحروب الاقتصادية العالمية، ومن يعتقد أن عصر الاستعمار انتهى وولى فهو واهم، فالاستعمار لم يعد ذاك النوع الذى يغزو البلاد بالجيوش وقوة السلاح، بل تبدل وأصبح استعمارًا اقتصاديًا وغزوًا ثقافيًا، ومن أحداث ماضينا القريب يمكن أن نأخذ الدروس والعبر فيما يخص الغزو الاقتصادى الذى عانت منه مصر فى عهد ما يعرف بالانفتاح الاقتصادى أو كما أطلق عليه الراحل أحمد بهاء الدين «انفتاح السداح مداح»، فلقد كان هذا الانفتاح غير المدروس سببًا فى الغزو الاقتصادى وتدمير الكثير من الصناعات الوطنية، حيث واجهت الشركات الوطنية فى السبعينيات من القرن العشرين حربًا شرسة من الشركات متعددة الجنسيات وهى إحدى أدوات القوى العظمى للغزو الاقتصادى، وتخاذلت الدولة فى حماية الصناعة الوطنية لتخرج من المنافسة بل ومن السوق برمته، مثلما حدث مع شركة النصر للبطاريات وشركة النصر للتليفزيون وشركة المراجل البخارية وغيرها الكثير من الشركات الكبرى التى واجهت مصيرًا مأساويًا.

صحيح أن القطاع العام كان يعانى فسادًا ومشكلات معقدة، إلا أن الحل لم يكن فى القطاع بحد ذاته ولكن فى سوء الإدارة وفى حملات التشكيك التى طالته على مدار سنوات متعاقبة أدت إلى تفكيكه بدلًا من إصلاحه وتطويره وتقديم شبكة حماية اقتصادية له حتى يتم تعويمه من حالة الغرق التى أصابته.

وفى هذا الإطار تنبه المؤتمر الاقتصادى إلى هذه القضية، حيث أوصى، بضرورة تنمية الصادرات الصناعية من خلال برامج رد الأعباء التصديرية، وتسهيل إجراءات النفاذ إلى الأسواق الجديدة، وتفعيل دور مكاتب التمثيل التجارى والمعارض الدولية، وكذلك تعزيز دور مبادرة «ابدأ» لدعم القطاع الصناعى، مع التشديد على تفعيل قانون تفضيل المنتج المحلى بهدف تعزيز المنتج المحلى فى المشروعات القومية للدولة.

كذلك علينا أن نوقن بأنه علينا السير قدمًا فى مجالات الصناعات ذات العائد العالى فى القيمة المضافة، فالاعتماد على تصدير المواد الخام أو حتى السلع الوسيطة لن يكفى حتى ننتقل إلى مصاف الاقتصادات الناهضة، فعلى سبيل المثال، نجد فى مجال صناعة الغزل والنسيج أن تصدير الملابس الجاهزة يحقق عوائد اكبر بكثير من تصدير القطن الخام أو منتجات الغزل، بل وأيضًا الأقمشة والمنسوجات، وذلك لأن القيمة المضافة للمنتج النهائى «الملابس الجاهزة» تفوق بكثير عوائد بيع الغزل أو الأقمشة، وهو ما ينطبق أيضًا على قطاع البتروكيماويات وغيره من القطاعات الأخرى.

أخيرًا، فإن عقد مثل هذا المؤتمر خطوة على المسار الصحيح، تستوجب تسريع تنفيذ توصياته على أرض الواقع فلم نعد نمتلك رفاهية إضاعة الوقت فى دورات مستندية بيروقراطية موروثة من عهود وعقود مضت، بل نحتاج لمنظومة إدارية حديثة لا مكان فيها لمثل هذه البيروقراطية التى طالما عانينا منها كثيرًا.