الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

أدباء وروايات عالمية تخطو الحواجز والخطوط الحمراء.. كتاب و أديب.. اسم الوردة‎‎ "الحلقة ١"

فى كل مكان وزمان دائما هناك محظورات يخشى الجميع الاقتراب منها، وفى الأغلب يأتى هذا الحظر إما نتيجة دواع أمنية حيث إن الحديث فيها أو عنها قد يعرض المجتمع للخطر، أو نتيجة حساسية تلك الملفات أو الموضوعات وقد يسبب الحديث فيها انتشار الانقسامات أو الفتن أو غيرها من الأمور التى تهدد سلام وأمان الفرد فى المجتمع.



ومن أكثر الملفات الشائكة التى تتميز بحساسيتها الكبيرة فى أى مكان هو الحديث عن الدين أو الاختلاف فى العقيدة، إلا أنه فى نفس الوقت يعد من أكثر الملفات الغنية والثرية التى تجذب الأدباء والكتاب بشكل عام للحديث عنها.

 

ولذلك انتشرت الروايات والكتب العالمية التى تتناول الكثير من الخلافات اللاهوتية والعقائدية خاصة التى ظهرت فى أوروبا فى العصور الوسطى، حيث برزت سطوة الكنيسة بشكل كبير وانتشرت محاكم التفتيش وانتشرت الحروب الدينية والطائفية بل وصلت الانشقاقات وضربت فى جذور الشجرة الواحدة الكبيرة فتشرذمت أوراقها وتساقطت وتطايرت بعيدا عنها.

وفى هذه العصور كان الحوار الوحيد الفعال هو حد السيف،فلم يكن هناك فرصة للنقاش أو الحوار ولكن فقط القمع والتكفير والإعدام هى الحل الأمثل لوأد الخلافات والاختلافات.

ولذلك نجد العديد من الكتاب العالميين مثل نيكوس كازانتزاكيس وإمبرتو إيكو وداريو فو ودانى ديدرو ودان بروان وشاكر نورى وغيرهم من الكتاب العالميين وجدوا فى الأحداث التاريخية الكنسية مادة خصبة لتحويل بعضها لأعمال أدبية،الكثير منها حظى بنجاح باهر جعلتها تدخل فى تصنيف أعلى 100 رواية مبيعا فى التاريخ.

وفى هذه الحلقات سنعرض أهم الكتب والروايات العالمية التى تناولت القضايا الكنسية والمسيحية والتى على الرغم من حساسية قضاياها إلا أنها استطاعت أن تحصد إعجاب ملايين القراء على مستوى العالم ومنها من تحول إلى أفلام سينمائية حققت إيرادات خيالية لتؤكد لنا أهمية التناول الأدبى لبعض القضايا والتى تساعد فى حلها أو التعلم من الأخطاء السابقة، وهو الدور الحقيقى للإعلام والمنوط به أن يؤديه بكل أمانة.

ومن أبرز هذه الروايات رواية «اسم الوردة» للفيلسوف الإيطالى «إمبرتو إيكو» التى نُشرت عام 1980 وتحولت إلى فيلم من بطولة شون كونرى عام 1986، وقد تم بيع 50 مليون نسخة منها.

ويعد إمبرتو إيكو الأب الروحى للكاتب والروائى الأمريكى دان بروان ويتضح ذلك من التشابه الكبير فى الإطار العام لروايات دان بروان التى تأخذ الطابع البوليسى مثل أغلب روايات إيكو.

وتدور وقائع الأحداث فى رواية اسم الوردة أواخر القرون الوسطى، فى الفترة التى بدأت تظهر فيها ملامح التحول نحو عصر النهضة.وعلى الرغم من أن الرواية تتخذ قالبا بوليسيا، تتسلسل فيها جرائم تحدث فى أحد الأديرة بشمال إيطاليا التابع للرهبنة البنديكتية من العام 1372، إلا أنها فى الأساس ترصد جدالات لاهوتية عميقة تعكس الخلافات الشديدة التى كانت سائدة آنذاك بين التيارات المسيحية المختلفة.

ومن بين المواضيع الخلافية التى كانت محل جدل داخل الدِّير مسألة فقر المسيح والتى كانت تسبب خلافا كبيرا بين الكنيسة والطائفة المنشقة عنها.

كذلك تناقش الرواية فكرة سقوط رجال الدين فى غواية الجسد وهو ما يناقض الفكر الرهبانى وكذلك استغلال ظروف بعض الفتيات الصغيرات لإجبارهن على تلك الممارسات مقابل إعطائهم بعض الطعام.

ولكن من أهم القضايا التى تناقشها الرواية والتى تعتبر هى العمود الرئيسى فى بناء الرواية هى الاختلافات الفكرية والتى يتسم بعضها بالتطرف والذى مثلها فى مقاومة «الضحك» الذى تعتبره بعض الطوائف أصل كل الشرور حيث جسد الرَّاهب الأعمى يورغ وهو راهب عجوز. يحظى بهيبة واحترام الدير ويكون أول من يدخل فى مجادلة حول موضوع الضحك كادت أن تكون مشاجرة مع الراهب الفرنسيسكانى ويليم غوليمالو والذى يحقق فى جرائم قتل غامضة حدثت فى الدير لمجموعة من الرهبان.

 ويقوم الراهب العجوز المؤمن بأن الضحك أصل كل الشرور بالقيام بكل ما بوسعه لحجب كتاب أرسطو المعروف باسم «الكوميديا» عن الأعين التى تسعى لمعرفة ما بداخله، حيث أخفاه فى مكان يصعب الوصول إليه داخل متاهة مكتبة الدير؛ فكان كل من سوَّلت له نفسه الاقتراب من الرفِّ الذى يوجد به الكتاب المذكور، يُقتل فى ظروف غامضة.

 ولمزيد حِرْصِه عَمِلَ «يورغ»، على وضع مادة خطيرة بين صفحات الكتاب، ليحول دون السَّماح لأيِّ شخص من قراءة الكتاب خفية والناس نيام.

 وحينما تناقش المحقِّق «غوليمالو» مع الرَّاهب «يورغ»، حول موضوع الضَّحك وعلاقته بالدين المسيحى، عبَّر صراحة عن تحريم كل الأشكال المرتبطة به، من مرح وهزل حيث إنه يُمثل خطرا على الإنسان لأنه المسئول عن «مسخ طبيعتنا البشرية»، لمِاَ يقوم عليه من تشجيع للتفسخ الأخلاقى والقيمى.

 وكان أول نقاش أثار شكّ المحقق «غوليمالو» فى المسئول عن أحداث القتل الغامضة التى تقع فى الدير، الحوار الذى دار حول نفس الموضوع بباحة مكتبة الدِّير المخصَّصة لقراءة الكتب، حيث كانت إجابة «يورغ» صارمة عن سؤال طُرح للنِّقاش بخصوص ما إذا كان المسيح قد ضحك يوما، بقوله: «أنَّ ذلك لم يقع قط».

ولم يكتف إيكو بذلك بل قام بتسليط الضوء على جدالات لاهوتية كَنَسيَّة تُعبر عن مدى الانقسام السائد خلال تلك الفترة، بين البابا والإمبراطور من جهة، وبين الرهبان من جهة ثانية.

وبجانب ذلك تمنحك الرواية ثقافة موسوعية دسمة عن التصورات الدينية والفلسفية والتاريخية التى سادت خلال فترة العصر الوسيط بإيطاليا، وبالخصوص طبيعة الخلافات بين الكنيسة الكاثوليكية الممسكة بزمام السلطة الزمنية والمتفرغة إلى حياة البذخ والثراء، وحياة الرهبان الفرانشسكانيين المطالبين بعودة الكنيسة إلى مثال حياة المسيح التى اتسمت بالفقر والبساطة.

وفى نهاية الرواية يقوم الراهب العجوز بحرق المكتبة والدير كله حتى لا ينكشف أنه الفاعل الحقيقى وراء جرائم القتل التى حدثت فى الدير، ليتبين لنا فى النهاية أن التطرف الفكرى دائما ما يحول الإنسان إلى قاتل فى سبيل معتقده. 

إن رواية اسم الوردة نجحت نجاحات منقطع النظير حتى إنها كانت مصدر إلهام لأعمال فنية أخرى ففى عام 1986 صدر فيلم عن الرواية للمخرج الفرنسى جان جاك أنو، ثم فى عام 1998 تحولت الرواية إلى مسرحية للمخرج غريغور غونتا.

وفى عام 2006 تحولت إلى دراما إذاعية لكريس دولان.

وفى عام 1996 أطلقت فرقة الروك البريطانية (تن) اسم الرواية على ألبومها الموسيقى الصادر فى ذات العام.

 أما فى مجال ألعاب الفيديو فصدرت 4 ألعاب مستندة إلى الرواية، (دير الجريمة) 1987، وتم تطويرها فى عام 2016. (نومن روساى) 1988، (مغامرات سلوفاكية) 1993، (جريمة فى دير) 2008.

لم تكن رواية اسم الوردة هى الرواية الوحيدة التى تعرض فيها إمبرتو للأحداث الكنسية بل كانت له رائعة أخرى وهى «بندول فوكو» والتى سنتحدث عنها فى الحلقة القادمة بإذن الله.