الجمعة 10 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

49 عامًا على يوم العزة والكرامة أبطال أكتوبر وذكريات العبور نحو النور

«مصر فى 73 كانت قوية بينا.. وإحنا أقويا بيها».. هكذا يسترجع أبطال مصر الذين شاركوا فى نصر أكتوبر 1973، ذكريات العبور نحو النور، فحماسهم الممزوج بالفخر خلال حديثهم يؤكد أنه لم يكن بينهم متخاذل أو ضعيف، بل كانوا «خير أجناد الأرض»، فبعزيمتهم وإصرارهم حولوا الظلام إلى نور والانكسار إلى انتصار. 



فـ«طه أبو يوسف» الذى اعتبر نفسه مشروع شهيد.. أو «أحمد عبده» الذى عبر بدبابته وسط الألغام، أو«مجدى محمود» الذى خدع الإسرائليين، أو «ميشيل حنا» الذى استأنس بروح زميله الشهيد، ما هم إلا نماذج لأبطال كثيرين سنظل نستمع إليهم ونفخر بهم، مع كل ذكرى ليوم العزة والكرامة.

 

العبور عبر الألغام

أحمد عبده سليمان الخطيب، انضم للتجنيد بالقوات المسلحة عام 1969، التحق بسلاح المدفعية «موجه صواريخ» فى السويس فى منطقة جرود الصخرية؛ حيث صنعوا مخابئ تحت الأرض للأسلحة والذخيرة، بعيدًا عن استهداف الطائرات الإسرائيلية التى كانت تشن هجومًا متواصلًا على الأهداف العسكرية المصرية فى السويس. 

وعقب عمليات قصيرة لـ«الخطيب» فى جرود، وُزع ضمن باقى أفراد كتيبته إلى أماكن أخرى، فاستقر فى منطقة بور فؤاد؛ حيث شهد العديد من المعارك مع العدو الإسرائيلى، خاصة تلك المعركة التى قرر فيها الجيش الإسرائيلى ضرب الطرق الواصلة بين السويس ومدينة بور فؤاد لفصلهما عن بعضهما البعض، وذلك عن طريق استهداف خليج السويس وبحيرة الدرس. 

ولم يتم لهم الأمر آنذاك لنجاح شركات المقاولات فى ردم الحفر التى حدثت بالطرق، وما هو حال دون تسرب مياه خليج السويس إلى البحيرة، غير أنه فى طريق عودة «الخطيب» ورفاقه من الطريق نفسه، تسمرت السيارة التى كانت تقلهم فى إحدى الحفر، بالتزامن مع محاولات الطيران الإسرائيلى لاستهدافهم، غير أنهم نجوا جميعًا. 

وحكى «الخطيب» تفاصيل ما حدث لكتيبته يوم السادس من أكتوبر أول أيام حرب المجيدة، التى بدأت أولى ساعاتها بتحديات كبيرة له، أثناء مرور دباباته عبر البحيرات المُرة؛ حيث غاصت فى الطمى، إلى أن خرجوا إلى طريق مكدس بالألغام، إلاّ أنهم سرعان ما ربطوا جأشهم، حتى خرجوا رفقة دباباتهم بسلام. 

لكن تحديات تلك الكتيبة لم تنته عند ذلك، إذ تم استهدافهم من الطيران الإسرائيلى وبعض القوات، وهو ما دفعهم إلى الرد عليهم بالدبابات، حتى نجحوا فى صد القوات الإسرائيلية عنهم، ومنعهم من التقدم.

مهمة خداع مخابراتية

عقب تخرجه فى الكلية الحربية 1968 انضم البطل «مجدى محمود» إلى المخابرات الحربية، بعد سنة من إنجاز المهمات الشاقة والتدريب على جميع أنواع المعدات العسكرية، بالإضافة إلى تلقى دورات فى اللغة العبرية، والتدريب على استخدام الشفرات المتعلقة بإرسال المعلومات وتسلمها، بالإضافة إلى رصد الترددات الخاصة بالعدو فى الأماكن الصحراوية. 

وكانت أولى مهام التى خُولت إليه، كان التوجه رفقة كتبيته صوب سيناء عبورًا بخليج السويس، مستخدمين «لانش صغير»، وهنا بدأت المصاعب وفقا لما يرويه «محمود» حيث قال: «اصطدم اللانش بجسم صلب فى المياه بعدما أبحر بضعة مترات، غير أننا نجحنا فى تخطيه، لتتكرر العملية مرة أخرى، غير أننا هذه المرة تصورنا أننا وصلنا إلى نقطة الهدف، لكننا عقب نزولنا فى المياه محملين بمعداتنا العسكرية واللاسكلية فوجئنا بأننا فى منتصف المياه».

تحامل «محمود» وزملاؤه بالسير فى المياه مقاومين الأمواج العالية، حتى وصل إلى سيناء؛ حيث نزلوا على إحدى القبائل البدوية التى وفرت إليهم الدعم اللوجستى، ليباشروا مهمتهم الأساسية المتعلقة فى العمل على مدار ستة أشهر، لرصد ترددات وتحركات العدو، وخداع اللانشات الإسرائيلية المتطورة. 

وعقب 6 أشهر من العمل المضنى نجح عمل الكتيبة فى خداع العدو الإسرائيلى خلال عمليات عدة، ليعودوا أدراجهم إلى مبنى المخابرات المصرية، محملين بمعلومات عدة قيمة، ساهمت فى تكريمهم من الرئيس الراحل محمد أنور السادات شخصيًا.

مشروع شهيد لعزة مصر

طه أبويوسف عبدالغنى طه، من مواليد 1952، تم تجنيده بالقوات المسلحة فى عمر الـ20، كان كغيره من شباب هذا الجيل الذى تجرع مرارة نكسة يونيو 1967، التى كانت بمثابة وقود كفاح ونضال، من أجل استعادة الكرامة.

بدأ «طه» رحلته العسكرية فى منطقة كرموز بالإسكندرية، ثم انتقل للقاهرة ليلتحق بمدرسة السكرتارية العسكرية، التى كانت حينها «صحراء»، شيدها هو وزملاؤه بسواعدهم وقلوبهم، التى كانت تنبض بروح معركة رد الاعتبار، ودرس فيها إلى أن تخرج برتبة عريف. 

كان شابًا رياضيًا فغمرته السعادة بعدما علم بانضمامه للصاعقة، حيث قال: «كان عندى لهفة إنى أنضم لحاجة فيها رجولة، ولما عرفت بانضمامى لفرقة الصاعقة كانت سعادتى لا توصف»، وبالفعل التحقت بمجموعة 132 صاعقة، ومنها إلى الكتيبة 103 صاعقة».

وتابع: «كان فى روح بنا مختلفة، وكان لكل شاب فى هذه الفترة قصة كفاح، كلنا كنا بنسعى لإثبات أنفسنا باستعادة كرامتنا.. مصر كانت قوية بينا، وإحنا أقويا بيها».

وعن يوم السادس من أكتوبر، أضاف: «وقت إعلان الحرب كان فيه كتمان، لكن بمجرد وصول المعلومة الفرحة كانت لا توصف، كانت هتافاتنا مدوية «هنحارب» كنا بنتحرك وعارفين إننا ممكن منرجعش.. كنا بنتعامل أننا مشروع شهيد لمصر، فرحة استعادة الحق والأرض والكرامة كانت أقوى من أى شيء».

وأكد «طه» أن منظومة المعركة كانت متكاملة بين الجميع، وأن الانتصار جاء من المنظومة ككل، موضحًا: «الحرب كالآلة سواق وكل المحركات بتدفع للأمام»، لذلك كان الانتصار ساحقًا رغم صعوبته، متابعا: «كان فيه تحصينات إسرائيلية كبيرة، لكننا عبرنا لأن كان فيه انصهار وتناغم بين كل القوات والأسلحة المصرية بشكل مميز أوصلونا للنصر».

مشددا على أنهم كانوا على يقين بالانتصار، مشيرا إلى أن الجبهة الداخلية كانت أيضا لها دور كبير فى تحقيق النصر. 

مشيل حنا.. بطولة خالصة 

«مش فاكر رقمى القومى، لكن فاكر رقمى العسكرى.. ده الشيء اللى مقدرش أنساه حتى بعد 49 سنة»، بطل جديد هو الرقيب مشيل بخيت حنا، الذى أوضح أنه لم ينس يوما رقمه العسكرى، حيث كان مكتوبا على بطانيته التى حمل فيها زميله الذى استشهد، مؤكدا أنه ظل ينام عليها «بدماء زميله الزكية» حتى خرج من الخدمة.

حكى «حنا» عن مظاهر الوحدة الوطنية فى الجيش المصرى خلال أشهر رمضان، حتى جاءت لحظة العبور عقب 8 سنوات من التحاقه بالجيش المصرى، معتبرًا أن هذه المظاهر داخل الجيش هى ما ساعدته رفقة زملائه من المجندين على الاستمرار فى ظل أوضاع صعبة، عقب استشهاد العشرات من زملائه. 

كانت مهمة «حنا» خلال حرب أكتوبر، تطهير المناطق التى عبروا إليها، ثم التوغل داخل العمق الذى سيطر عليه الإسرائيليون، لتغطية القوات بالذخيرة التى يمتلكونها، حتى النفس الأخير، لقناعتهم أن هذه الحرب اندلعت لاسترداد الأرض والكرامة المصرية، ما جعلهم يتحملون ظروف النوم فى حفر رملية لأيام متتالية. 

واعتبر حنا أن هذه الروح سبب الانتصار فى حرب أكتوبر، لا سيما أن عدد أفراد الجيش المصرى كان 80 ألف مجند فقط: «الحرب دى نصر من عند ربنا».