الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
الطريق الثالث.. من برنارد شو إلى أم كلثوم دليل المسلم النجيب..  للاحتفال بذكرى الحبيب

الطريق الثالث.. من برنارد شو إلى أم كلثوم دليل المسلم النجيب.. للاحتفال بذكرى الحبيب

كلما أشرقت علينا أيام «ربيع الأول»، تهِلُّ ذكرى حبيبِنا ونبيِّنا المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام، نتذوَّق حلاوة عُرْس مولِدِه الذى ابتدعه الفاطميون «الشيعة»، وحوَّلَه المصريون «السُّنَّة» إلى حفلٍ سنوى، وأصبح يُعرَف بـ«مولد النبى» يحتفون فيه على طريقتِهِم الشعبية بـ«سيدنا». ومن عباءته خرجت عشرات الموالد الأخرى التى تحتفى بأهل بيت النبوة والمشايخ والأولياء والصالحين.



وفى ذكرى «مولد النبى» تتفجَّر كرامات المحبة فتضىء القلوب، وتُلهِم العشَّاق إبداع الذكر فى سيرته العطرة، وإعادة اكتشاف بواطن جمالها، ومفاتن قصصها، وعبقرية أحداثها، وكأن المسلمين فى مصر (ونيابةً عن عموم مسلمى العالم) يقدمون كل عام هديةً للمصطفى فى يوم مولده، على ما قدمه للبشرية، فاستحقَّ أن يكون خير البشر أجمعين، يشكِّل نصَّها القولُ المأثور: «جزاك اللهُ يا سيدى يا رسولَ الله عنا أفضلَ ما جُزِى نبيٌّ ورسول عن أمَّتِه.. فلقد بلَّغتَ الرسالةَ وأديتَ الأمانةَ، وأوضحتَ الحُجَّة وكشفْتَ الغمة، ونصحتَ العباد، وجاهدتَ فى سبيل الله حق الجهاد».

أستحضر معكم بهذه المناسبة، ذكرياتى فى حضرة المصطفى، يوم وقفتُ أمام قبره عليه الصلاة والسلام، وأنقل مما كتبته فى كتابى «مشكلة الإسلام»، تحت عنوان «شغف المحبة»: السلام عليك يا سيدى يا رسول الله.. السلام عليك يا سيدى يا حبيب الله.. يحيط بى آلاف من المحبِّين جاءوا من كل بقاع الأرض ومن كل فجٍّ عميق، جاءوا للحبيب يبحثون عن الحبِّ المفقودِ والأمَلِ المنشود، يُصلُّون لله ويصلون على النبى، فى رحاب سيد الخلق أجمعين، هنا الحبيب الذى تتمنى أن تبقى ما بَقِيَ من عمرك إلى جواره تستمدُّ منه المحبة التى كانت سرَّ عبقريته ومنطلَقَ رسالَتِه.

تتساقَطُ الدموع ويقشعرُّ البدن، عندما نستوعب أنه كان يومًا يجلس فى المكان نفسِهِ بجسده الطاهر، الدموع ملمح مشترك عند أغلب من استطاعوا الوصول إلى هذه البقعة الشريفة الواقعة بين بيت الرسول ومنبره، التى قال عنها المصطفى إنها «روضةٌ من رِيَاضِ الجنَّة»، إن كل مَن حولى يستشعرون وجودَهُ بقربهم.. يبكون وهم يتلمَّسون أثره، ويستنشقون عبير وجودِه فى محيطِهِمْ، يسترجعون ما نَزَل عليه من رسالة الخير، يجددون العهد له بأنهم مسلمون، وبأن الإسلام دين الحرية والمحبة، وأن المسلم هو من خَفَق قلبُه بالإيمان فأصبح إنسانًا.

ويشاركنى متعة اللحظة صوت كوكب الشرق أم كلثوم وهى تتغنى برائعتها «القلب يعشق كل جميل»، وهى تقول: «جينا على روضة هَالَّة من الجنة.. فيها الأحبة تنول كل اللى تتمنى»، قبل أن تختم: «يا ريت حبايبنا ينولوا ما نولنا يا رب.. يا رب تُوعِدْهم يا رب.. يا رب تقبلنا يا رب».

ما أحلى الحديث المتجدد عن سيد الخلق، وما أشهى الاجتهاد فى سبيل تدبر سيرته بما يليق بقدره ومقامه، وما أجمل أن نحيى الذكرى مع حلوى المولد الحقيقية ونحن نسترجع ما قاله مفكرو الغرب عن نبينا ونذكر به العالم، ونعلم أبناءنا أن عظمة المصطفى تخطت أثرها فى نفوس المسلمين، وتجاوزت أبعاده قلوب المحبين، وغزت فى الغرب عقولا وقلوبا، منهم من دخل فى الإسلام بعد أن جذبه نموذج «الإنسان الناضج»، الذى جسده نبينا المصطفى، وبعضهم توقف عند مرحلة الانبهار، وكتب وعبر عن عظمة نبى الإسلام محمد عليه الصلاة والسلام، فيما تمثل هذه الإشادات والكلمات، مداخل هامة تستحق تسليط الضوء عليها فى كل خطط مكافحة «الإسلاموفوبيا» فى الغرب، وفى الشرق أيضًا، فلقد ابتلينا مؤخرًا بمن يعانون من «فوبيا» الإسلام فى بلاد الإسلام، وهم مرضى تحسبهم أصحاء من تكرار ظهورهم الإعلامى، للاشتباك والتحرش مع كل ما هو إسلامى، ندعو الله لهم بشفاء القلوب وصحة العقول.

ونسترجع بعض كلمات شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب فى هذا المقام، فى الاحتفال بذكرى المولد النبوى العام الماضى، وبحضور السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى، حيث أوضح فضيلته قائلًا: «هناك الكثير مِمَّا قاله عنه عيون المفكرين والعلماء والفلاسفة، والأدباء ومؤرخى الحضارات فى الشرق والغرب من غير المسلمين، من أمثال «غاندى» و«راماكريشنا» و«لامارتين» و«مونتجمرى وات» و«زويمر» و«تولستوى» و«مونتيه» وغيرهم مما لا يتسع المقام لذكرهم، وسرد ما قالوه عنه وعن أخلاقه، وعن شريعته وآمالهم فى أن تعود لتُصحح مسيرة العالم اليوم، وتُنقذ مصيره من هلاك مرتقب ودمار مُتوقَّع».

ثم أوضح الإمام الطيب قائلًا: «أكتفى من بين ما كتبه هؤلاء باقتطاف ما قاله «برنارد شو» الكاتب والناقد الإنجليزى الذائع الصِّيت الذى تَعرفه الدنيا بأسرِها، والمتوفى سنة 1950، يقول هذا المفكر العملاق عن رسول الإنسانية محمد صلى الله عليه وسلم: «إنَّ أوروبا الآن بدأت تحسُّ بحكمة محمد صلى الله عليه وسلم وبدأت تَعشَقُ دِينه، وإنَّ أوروبا سوف تُبرِّئ الإسلام ممَّا اتَّهمته به من أراجيف رجالها ومُفكِّريها فى العصور الوسطى، وسيكون دين محمد صلى الله عليه وسلم هو النظام الذى تُؤسِّس عليه دعائم السلام والسعادة، وتستندُ على فلسفته فى حل المعضلات وفك المشكلات، وحَلِّ العُقَد. ويقول: إنِّى أعتقد أنَّ رجلًا كمحمد لو تسلَّم زمام الحكم المطلق فى العالم بأجمعه اليوم لتم له النجاح فى حكمة ولقاد العالم إلى الخير، وحلَّ مشاكله على وجه يحقق للعالم السلام والسعادة المنشودة». 

ووصيتى إلى كل حبايب سيدنا النبى، من المؤمنين برسالته، والراغبين فى الاحتفال الصادق الهادف بذكرى ميلاده العطرة، أن يجتهدوا فى تعبيرهم عن هذا الإيمان، وأن يبدعوا فى محبتهم، ويتخيروا من سيرة الحبيب ما تيسر من قصص وأفعال.. ومن درر وأقوال، أن يعددوا فى محاسن خلقه وكريم طباعه، أن يبرزوا عظمة الدين الحنيف الذى اختصه الله بإبلاغه للخلق أجمعين، أن يطرحوا نقاشات مجتمعية عن الشمائل المحمدية، وعن الدعوة الإسلامية الوسطية السلمية، التى لا تؤمن باستخدام القوة إلا دفاعًا عن الشعوب ولحماية حدودها، بلغوا عن الإسلام البعيد عن العنف والجهل والقبح، انشروا دعوته الصحيحة التى ضاعت بين أوهام الأتباع وأطماع الجماعات، فاختفت المحبة من قلوب الناس.

وزينوا هداياكم للرسول الكريم بـ(هشتاج) هادف، يعكس أصيل دعوته وصحيح دينه الذى جاء رحمة للعالمين. اختموا أحاديثكم، وندواتكم، ومقالاتكم، وكلامكم، (وبوستاتكم)، واحتفالاتكم بمولده صلى الله عليه وسلم، بـ«وإنك لعلى خلق عظيم».