الأربعاء 15 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
الشارقة.. نافذة على بحور العالم

الشارقة.. نافذة على بحور العالم

بينما تنزلق الإنسانية رغمًا عنها فى مستنقع التكنولوجيا السحيق، وتفقد تدريجيًا كل وسيلة للنجاة من ذوبان الهوية، وضياع القيم، وتشوه الأخلاق، يلوح فى الأفق كيان عربى، يكلف نفسه بمهمة إنقاذ ما تبقى من أصولنا وتراثنا وإنسانيتنا، فيضع القائمون عليه كل إمكاناتهم المادية والبشرية لتحقيق هذا الهدف، بلا مقابل سوى أن نعود لجذورنا، ونحافظ على تاريخنا وملامحنا وشخصيتنا.. هذا الكيان هو معهد الشارقة الدولى للتراث!



تمامًا مثل قطع الدومينو المتدافعة، كانت رحلة المعهد مع التراث منذ إنشائه فى شتاء 2014.. كان الغرض فى البداية تحويل الاهتمام بالتراث فى إمارة الشارقة، من مجرد جهود متفرقة مدعومة بحاكم مثقف، هو الدكتور سلطان القاسمى، إلى عمل مؤسسى يطلق فعاليات دورية ممنهجة، الهدف منها تسليط الضوء على كل أوجه التراث فى الشارقة، من حرف يدوية، وثقافات شعبية، وفولكلور وحكايات متوارثة..

ونظرًا لعشق الشاعر والباحث الإماراتى د. عبد العزيز مسلم رئيس المعهد للسفر، وشغفه بأدب الرحلات، فقد مال لاستكشاف التراث فى ثقافات العالم، واجتمع ذلك مع تقدير الشيخ سلطان بن محمد القاسمى حاكم الشارقة لهذه الثقافات، واستشعاره المسئولية عن صونها وإحيائها، مهما بلغت درجة اختلافها وتباينها، فهى ملك للتاريخ والبشر، ومن ثم بدأ منعطف مهم فى نشاط الشارقة التراثى، تمثل فى اتساع دائرة الاهتمام، لتشمل العالم بمختلف أعراقه وأجناسه، حتى صرنا فى كل فعالية نرى العالم، ونخاطب كل أبناء الأرض!

قبل أيام سعدت بتلبية دعوة المعهد لحضور ملتقى الشارقة الدولى للراوى فى دورته الثانية والعشرين، بمشاركة 46 دولة تمثل معظم قارات العالم.. هذا الملتقى ينعقد سنويًا فى مقتبل الخريف، ليحيى فن الحكى بمختلف إبداعاته، فلكل شعب طريقته فى سرد القصص التراثية، وفى التعبير عنها بالصوت والصورة..

اختار المنظمون هذا العام أن يسلطوا الضوء على الملهم الأكبر فى حكايات البشر، وهو البحر، بكل ما يمنحه للإنسان من أمل وراحة ورزق وحكمة.. هذه القماشة الواسعة مكنت الملتقى من دعوة نحو مائة وخمسين مبدعًا ينطقون بلغات متعددة، لعرض تجاربهم فى الحكى النابع من البحر..

على مدار ثلاثة أيام، التقيت هناك بحكائين من الشرق والغرب: «سوزان» من الولايات المتحدة قالت لى إنها بدأت الحكى فى المدرسة لتعليم الأطفال القصص القديمة، «فابيو» من البرازيل قال لى إن جده كان صيادًا وعلمه الحكى والعزف على آلة من قواقع البحر، «إليشا» من كوريا حكت لى قصة انتصار البطل الشعبى فى قصصهم القديمة على التنين العملاق، «يارنو» من فنلندا روى لى بفخر قصة عمله غطاسًا فى متحفهم الوطنى بحثًا عن الآثار الغارقة، وشرح لى بفخر كيف تنطوى ثقافتهم على أصول وجذور عربية، «زومبا» من السنغال عزف لى على آلة «الكاليمبا»، وهو يتمايل بسعادة بالغة فى زيه الإفريقى…

كما صادفت حكائين وفنانين من المغرب، والجزائر، وموريتانيا، وفلسطين، والسعودية، والبحرين، وسلطنة عمان، وغيرهم.. ومن نقاشاتى معهم لمست مقدار الجهد المبذول لاختيار ضيوف الملتقى، وضمان ثرائهم الإبداعى وعمقهم الفكرى.. 

تضمنت الفقرات الرئيسية فى جدول الملتقى عرضًا مصريًا، يروى بخيال الظل إحدى القصص الشعبية من تراث الإمارات، بطولة وتأليف وإخراج الفنانة أمانى محفوظ (وهى بالصدفة شقيقتي)، مع فريق متمكن، على رأسه عازف الأوبرا المبدع د. محمد حسنى، ومصمم خيال الظل المتمكن محمد الإكيابى، وتم تكريم العرض فى حفل الختام..

نجحت الشارقة فى أن تجعل من نفسها حارسة على تراث الإنسانية، وأجمل ما فى تجربتها الفريدة، هو وفاؤها لمصر، وتقديرها لروادها ومبدعيها وزائريها، والذين كانوا نجومًا فى إطلالة هذا العام، من الشارقة، على بحور العالم بأسره.