الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
ع المصطبة.. بيروقراطية حان وقت القضاء عليها

ع المصطبة.. بيروقراطية حان وقت القضاء عليها

على مدار أشهر مضت ترسخت فى وجدانى صورة سلبية لموظفى بعض الجهات الحكومية، نتيجة لمواقف عدة قابلتنى خلال رحلة مضنية لإنهاء بعض الإجراءات، إلى أن ذهبت منذ أيام إلى مكتب التأمينات الاجتماعية بوادى النطرون، لأجد صورة مغايرة تمامًا لتلك الصورة الذهنية السلبية.



فى هذا المكتب وهو مجرد شقتين متواضعتين، وجدت تعاملًا لم أعتده فى العديد من المصالح الحكومية، منتهى الإيجابية والسرعة فى إنهاء الإجراءات دون أى تعقيدات، لا معاملات «تحت الترابيزة»، أو بيروقراطية معقدة، بل نظافة يد وتعفف وجدية فى الإنجاز.

مواقف موظفى مكتب التأمينات، وبالمناسبة هم من جيل الشباب، يفترض أن تكون السمة السائدة، لكن الموروث السلبى المتراكم خلال عقود مضت رسَّخ البيروقراطية الشاذة وجعلها قاعدة،  حتى باتت مصدر تهديد يعرقل توجهات الدولة وجهودها التنموية، «وكله باللوائح والقرارات والقوانين» التى يفسرها بعض الموظفين على هواهم حتى ينهار المواطن أمامهم ويرضخ لابتزازهم، فهناك نوعية منهم تعشق تعقيد الأمور ومصالح العباد ما لم تمر «تحت الترابيزة»، وآخرون غارقون فى روتين اللوائح والقوانين بزعم الحفاظ على الصالح العام، وهى مزاعم فى ظاهرها الرحمة وفى باطنها جحيم وأذى وتعطيل لأى إنتاج.

فى المقابل، لا يمكن إنكار دور ميكنة العديد من قطاعات الدولة فى الحد من تغول هذه البيروقراطية وشبكات الفساد التى وجدت تربة خصبة على مدار سنوات طويلة مضت، فإنجاز المعاملات إلكترونيًا غل يد أمثال هؤلاء إلى حد كبير، وسهل العديد من الإجراءات.

وبات الأمر يتطلب المزيد من ميكنة المصالح الحكومية، وإعادة تأهيل موظفى تلك الجهات، وقبل كل ذلك خلق منظومة حديثة، من أجل اجتثاث البيروقراطية من منبعها، ومن ثم سد نوافذ الفساد الإدارى، المتوارث عبر عقود، بل إن رسائل الفلاح الفصيح فى العصور الفرعونية تشير إلى معاناة المجتمع من مثل هذه الممارسات فى ذلك العصر.

مشكلات البيروقراطية لا تقف عند هذا الموظف أو ذاك، بل ترتبط أيضًا بمنظومة الدورات المستندية فى مختلف المصالح، حتى تحول المواطن إلى «ساعى» مطلوب منه إحضار العديد من المستندات والأوراق فى واقع الأمر تصدرها جهات حكومية أخرى، بل وأحيانًا تكون صادرة من إدارات مختلفة داخل الهيئة أو الوزارة نفسها، مما يتطلب التوسع فى الربط الإلكترونى بين هذه الهيئات توفيرًا لطوابير ممتدة ومتعددة يضطر المواطن فى الوقوف فيها من أجل إنجاز مصالحه.

هناك أيضًا بعض الإجراءات التى تستنفد جهودًا وأوراقًا لا حصر لها، فعلى سبيل المثال ما هو المغزى من إصرار العديد من الجهات على أن تكون شهادة الميلاد صادرة حديثًا، مما يضطر المواطن لاستصدار الشهادة فى كل مرة يتوجب عليه تقديمها لإنهاء بعض الأوراق.

ولعل توجهات الدولة فى التوسع بنظام الشباك الواحد تمثل حلًا ناجعًا، خصوصًا فى مجالات الاستثمار والمشروعات الصغيرة والمتوسطة التى تمثل عصب الإنتاج ومواجهة التقلبات الاقتصادية العالمية.

الأمر يتطلب أيضًا تهذيب الجهاز الإدارى الذى تضخم خلال عقود مضت، واختيار الكفاءات، ليكون الرجل المناسب فى المكان المناسب، فالإنجاز لا يتعلق بالكم بل بالكيف، وهذا يتطلب معايير واضحة لتولى المهام والمناصب فى مختلف الجهات، لنستطيع مسابقة الزمن وتعويض ما فات للحاق بالدول المنتجة قوية الاقتصاد.