الأربعاء 8 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
حقك.. المصريون التزموا باتفاقيات جنيف فى التعامل مع الأسرى بشهادة الإسرائيليين جيش الإنسانية

حقك.. المصريون التزموا باتفاقيات جنيف فى التعامل مع الأسرى بشهادة الإسرائيليين جيش الإنسانية

لم يعبر الجيش المصرى فقط لتحرير الأرض فى حرب أكتوبر 1973، بل نجح فى تقديم نموذج للقتال الشريف والالتزام  بقواعد التعامل مع الأسرى وفق اتفاقيات جنيف وهى من الاتفاقيات المؤسسة لمنظومة حقوق الإنسان، وكان الالتزام بموادها عنوان تعامل الجنود المصريين مع الأسرى الإسرائيليين ليثبت بشكل قاطع أن القوات المسلحة المصرية هى جيش الإنسانية.



الالتزام الصارم  بقواعد الحرب النظيفة  فرض نفسه على مشهد الحرب رغم الشعور بالثأر لما حدث ضد الأسرى المصريين فى حرب 1967 من عمليات تعذيب وقتل جماعى، وتمسك الجنود المصريين بأخلاق الفرسان وما تعلموه داخل القوات المسلحة من التزام بقواعد التعامل مع الأسرى وفق اتفاقيات جنيف وكان التعامل الآدمى ظاهرًا فى معسكرات تجميع الأسرى وعند ظهور العقيد عساف ياجورى سليمًا معافى فى لقاء مع التليفزيون المصرى.

ويحمل أرشيف الصحافة المصرية قصصًا وشهادات عديدة تؤكد تلك الحقائق وتحديدًا من الجانب الإسرائيلى حيث جاءت شهادات الجنود الإسرائيليين لتؤكد التزام الجنود المصريين بذلك ومن ضمن الشهادات حديث الأسير الإسرائيلى باروخ شيمش الذى روى للصحافة الإسرائيلية أنه وقع فى الأسر يوم التاسع من أكتوبر، وكان يخدم فى أحد أهم مواقع خط بارليف على ضفة القناة، وفوجئ هو وزملاؤه بالقوات المسلحة المصرية تدك الموقع، ثم تقتحمه، وتحرص على أسر كل الجنود الإسرائيليين دون إراقة نقطة دماء واحدة، ثم اقتيادهم إلى القاهرة للخضوع للتحقيقات العسكرية.

وقال اللواء محيى الدين عشماوى مدير مكتب اللواء فؤاد نصار مدير المخابرات الحربية فى حوار لجريدة الاهرام، إنه قام بصفته رئيسًا لفرع الاتصال بالصليب الأحمر الدولى فى المخابرات الحربية بوضع خطة تفصيلية – قبل بدء الحرب- خاصة بكيفية التعامل مع أسرى الحرب الإسرائيليين الذين يقعون فى قبضة القوات المسلحة المصرية أثناء اقتحام خط بارليف وتقدم القوات على الضفة الشرقية للقناة وفى عمق ما تصل إليه قواتنا، كما كان عضو وفد مصر فى مؤتمر تعديل اتفاقية جنيف لعام 1949.

شدد اللواء عشماوى على حرص القيادة المصرية أن تكون من أولى الدول التى تطبق فى حربها مع إسرائيل أحكام وقواعد أسرى الحرب التى أقرتها تلك الاتفاقية، وبالفعل وضعت الخطة وتم تنفيذها منذ بدء القتال وتم إنشاء معسكر لإيواء أسرى الحرب بالمواصفات والشروط التى نصت عليها الاتفاقية، وزار دى بوموت ممثل الصليب الأحمر الدولى فى مصر المعسكر بعد أن تم السماح له بالاجتماع مع الأسرى والتأكد من حسن وسلامة معاملتهم.

وروى فى حواره المهم أنه أثناء التحقيقات، كان الضباط المصريون يلاحظون أن الأسرى ينظرون إليهم وهم يدخنون السجائر باشتهاء، فقدمنا لهم السجائر، لافتًا إلى التزام الجنود بالقواعد الإنسانية قبل أن تكون قانونية، كما أنها تطمئنه أن الجيش المصرى لن يقدم على إجراء غير قانونى.

وتحدث إبراهيم البحراوى، أستاذ الدراسات العبرية فى حوار مطول للكاتب الصحفى والمؤرخ شريف عارف حول عمليات استجواب الأسرى التى حضرها البحراوى، والذى رسم صورة قريبة جدا من شكل التحقيقات التى تمت مع الأسرى الإسرائيليين، قال البحراوى إن أول ما كنا نفعله بالأسرى هو القيام بعملية تطهير للعسكرى؛ حيث نقوم نحرق ملابسه ثم يستحم، ويحلق ذقنه ويرتدى ملابس جديدة؛ كما تنص «اتفاقية جنيف» على أن الأسير يأكل من نفس القدر الذى يأكل منه العسكرى، والحقيقة أن الأسرى الإسرائيليين كانوا يتمتعون بشهية طيبة للغاية، كأنه لن يأكل مرة ثانية.

وأشار إلى أن الأسرى الإسرائيليين فوجئوا بتلك المعاملة من جانب الجنود المصريين، حيث اعتقدوا أنهم سوف يُعاملون بنفس المعاملة السيئة التى تعاملوا بها مع الأسرى المصريين، لكنهم وجدوا فى معسكرات الأسر المصرية طوابير ترفيه ورعاية صحية، وإمكانية كتابتهم لخطابات وإرسالها إلى أسرهم مع توزيع يومى لعلب السجائر.

وحكى البحرواى فى شهادته عن موقف إنسانى فى معسكر الأسرى، فى وقت «عيد الفطر»، وكان الجنود المصريون يــأكلون كعك العيد مع الأسرى وفجأة أُصيب أحد الأسرى الإسرائيليين بحالة هيستيرية وحضر له طبيب الوحدة المصرى وطبيب أسير يهودى اسمه «ناخوم»؛ وكان ذلك تطبيقًا لاتفاقية جنيف والتى تنص على أنه فى حالة وجود طبيب من الأسرى يتم حضوره مع الأسير أثناء توقيع الكشف الطبى عليه، وحينما تم الكشف عليه تبين لهما أنها حالة هيستيرية، قاما بإعطائه حقنة مُهدئة مؤكدين على أنه سوف يعود لحالته الطبيعية بعد نصف الساعة.

وحينما أفاق الأسير سألناه عن سبب الهيستيرية؛ فقال إنه حينما رآنا نحتفل بالعيد تذكر أن هذا اليوم يناسب أيضًا الاحتفال بعيد ميلاد ابنته، وكان قد خطط مع زوجته للاحتفال بهذا اليوم، وفى اليوم الثالث حضر إلى المعسكر العاملون فى إذاعة «صوت القاهرة» بالعبرى، وقام بتسجيل رسالة صوتية لابنته يهنئها فيها بعيد ميلادها، ويقول البحراوى فى روايته أنه سأل الأسير عما ينوى فعله بعد الحرب؛ فقال إنه من «البرازيل»، وأنه بعد الحرب سوف يترك «إسرائيل» ويعود إلى «البرازيل» مرة أخرى؛ فالمصريون والعرب ليسوا وحوشـًا ولا سفاحين كما كانوا يروِّجون عنهم فى «إسرائيل».

وحكى اللواء سعيد حسن حنو، ضابط استطلاع اللواء الثامن مشاة خلال حرب أكتوبر، أنه أسر 7 جنود إسرائيليين، من ضمنهم أسير جريح، ثم قام باصطحاب الأسير الإسرائيلى وتوجه صوب موقع العدو الإسرائيلى، إلى أن اقترب منه مسافة 20 مترا، فخرج منه أحد الإسرائيليين فطلب منه «سعيد» الاستسلام قبل قيام القوات المصرية بهجوم شامل على الموقع، وتابع: «قلت للإسرائيلى عليكم الاستسلام وستعاملون معاملة الأسرى حسب اتفاقية جنيف، فوافق الإسرائيلى وأمر 17 آخرين بالخروج من مواقعهم والاستسلام» لافتا إلى أنه تم إنزال العلم الإسرائيلى من على الموقع، وتم رفع العلم المصرى.

وأكد «سعيد» أنه تم معاملة الأسرى الإسرائيليين معاملة إنسانية، حيث أن الجنود المصريين أطعموا الأسرى الإسرائيليين أثناء تواجدهم فى المعسكر الخاص بهم.

وبحسب القانون الدولى يقع أسرى الحرب تحت سلطة الدولة المعادية، لا تحت سلطة الأفراد أو الوحدات العسكرية التى أسرتهم، وبخلاف المسئوليات الفردية التى قد توجد، تكون الدولة الحاجزة مسئولة عن المعاملة التى يلقاها الأسرى.

وتنص المادة 13 من اتفاقية جنيف أنه يجب معاملة أسرى الحرب معاملة إنسانية فى جميع الأوقات. ويحظر أن تقترف الدولة الحاجزة أى فعل أو إهمال غير مشروع يسبب موت أسير فى عهدتها، ويعتبر انتهاكًا جسيمًا لهذه الاتفاقية. وعلى الأخص، لا يجوز تعريض أى أسير حرب للتشويه البدنى أو التجارب الطبية أو العلمية من أى نوع كان مما لا تبرره المعالجة الطبية للأسير المعنى أو لا يكون فى مصلحته.

وبالمثل، يحب حماية أسرى الحرب فى جميع الأوقات، وعلى الأخص ضد جميع أعمال العنف أو التهديد، وضد السباب وفضول الجماهير.

كما تتكفل الدولة التى تحتجز أسرى حرب بإعاشتهم دون مقابل وبتقديم الرعاية الطبية التى تتطلبها حالتهم الصحية مجانا.

تلك القواعد الدولية طبقها جيش الإنسانية ونفذها جنوده بتجرد ونزاهة وتغلبوا على نوازع الثأر مما حدث مع الأسرى المصريين فى حرب 1967، وقرروا التمسك بقواعد التعامل الإنسانى الشريف مع خصم لم يكن شريفًا على الإطلاق.