الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
ع المصطبة.. العنصرية الدينية فى الملاعب المصرية ليست مبرراً لإطلاق مبادرات تصب الزيت على النار مشروع فتنة وجرس إنذار

ع المصطبة.. العنصرية الدينية فى الملاعب المصرية ليست مبرراً لإطلاق مبادرات تصب الزيت على النار مشروع فتنة وجرس إنذار

 بداية لا ينكر أحد ما تعانيه المنظومة الرياضية فى مصر من عنصرية وطائفية مقيتة تستوجب تحركاً سريعاً ومدروساً للقضاء على هذه المظاهر التى طال السكوت عليها خلال العقود الماضية. لكن، هذه العنصرية الطائفية ليست مبرراً على الإطلاق لصب الزيت على النار من خلال مبادرة إنشاء نادى عيون مصر الكنسى، بغض النظر عن نية القائمين على هذه الفكرة، فالنتيجة الحتمية لمثل هذه المبادرات مزيد من الطائفية، بل وخلق حالة من الاحتقان الطائفى مع كل مباراة سيخوضها هذا الفريق، وكما يقولون «المشرحة مش ناقصة قتلى».



 

وإذا كان نادى عيون مصر مشروع فتنة مرفوض، فإنه فى الوقت نفسه جرس إنذار لمشكلة طائفية على المستوى الرياضى، ومن ثم يجب أن يكون الحل على أرضية تعزيز قيم المواطنة وقيام المؤسسات الرسمية ومنظمات المجتمع المدنى بفضح مثل هذه الممارسات المتعصبة، والتصدى لها عبر خلق مناخ تنافسى يعتمد على مبدأ تكافؤ الفرص، فليس المسيحى فقط من يشعر بظلم وهدر لحقوقه من قبل هذه الأندية التى لا تجد غضاضة فى استقدام اللاعبين الأجانب أمثال جورج أو بيتر أو بول، بينما تحرم جرجس وبطرس وبولس من اللعب لا لشىء سوى أنهم مسيحيون مصريون، حتى إن بعضهم لم يتورع عن تبرير مثل هذه التصرفات الطائفية بمزاعم أن «المسيحيين المصريين لا يجيدون لعب الكرة»، وللأسف لم تتحرك أى جهة معنية بالرياضة فى مصر لمحاسبة أمثال هؤلاء.

ورغم أن الدولة منذ ثورة 30 يونيو 2013، جنحت نحو إقرار حقوق المواطنة وتمكين جميع شرائح المجتمع من أقباط ونساء ومعاقين، إلا أن المنظومة الرياضية لاتزال تسير فى الاتجاه المعاكس للدولة المدنية وتضرب بكل قيم المواطنة عرض الحائط، حتى بات الأمر مكشوفاً ومخزياً، بل أستطيع القول بأنه بإمكان أى شخص موتور أن يوقف مشاركات مصر الرياضية فى المحافل القارية والدولية بتهمة العنصرية الدينية.

هذه العنصرية ليست وليدة اللحظة، بل تعود لعقود طويلة مضت من خلال ممارسات مختلفة ومتعددة، منها على سبيل المثال وليس الحصر، عندما أحرز زكريا ناصف، نجم الأهلى السابق، هدفا فى مرمى الزمالك فى القمة التى جمعت الفريقين يوم 7 يناير 1983، فى اللحظات الأخيرة من المباراة وسمى بالهدف القاتل، فى ذلك الوقت لم يكن هم إدارة النادى ووسائل الإعلام سوى التأكيد فى اليوم التالى على أن زكريا ناصف مسلم، بشكل فاق الاحتفال بهذا الفوز، كما لو كان هذا الفوز سيفقد معناه إذا كان محرزه مسيحياً!

ترافق هذا مع موجة قادها بعض اللاعبين من أجل فرض ما يسمى «الشورت الشرعي»، بل إن أحد نجوم الكرة فى تلك المرحلة كان سمساراً للدفع باللاعبين لإطلاق لحاهم من أجل إضفاء صفة الشرعية الدينية عليهم.

فى ظل هذه الأجواء بات دخول مصرى مسيحى مجال كرة القدم بمثابة المحاولات اليائسة، باستثناء بعض الحالات الفردية، مثل هانى رمزى الذى نجا من هذه الطائفية بحماية من المدرب الوطنى الفذ الراحل محمود الجوهرى، ومحسن عبدالمسيح فى الإسماعيلى، وعماد شاروبيم فى الكروم، لتضيق حلقة الطائفية خناقها على بعض الشباب المصرى المسيحى حتى بات رفضهم لا لشيء سوى كونهم مسيحيين يتم جهاراً نهاراً وما أكثر القصص التى تروى فى هذا الشأن.

نعود إلى قضية نادى عيون مصر الكنسى، وهى هنا تمثل قفزاً فوق الحواجز، ولكن بشكل بالغ الخطورة، فتبعات إنشاء مثل هذا النادى معروفة مسبقاً، ولن تحل المشكلة، بل ستزيدها تعقيداً، ولا أعلم إذا كان من اتخذ هذا القرار يدرك ما يفعله أم لا؟

ناهينا عن كل ذلك فإن هذا النادى نفسه سيكون طائفياً بامتياز، فما تم تسريبه من بنود لائحة النادى التى تنص وفق هذه التسريبات على أنه «يتم عمل متابعة روحية منظمة للأولاد من خلال النوتة الروحية التى يتم توزيعها على كل ولد ولا يسمح بحضور التدريبات بدونها»، وهذا يعنى استبعاد ضمنى لأى مسيحى مصرى غير أرثوذكسى، وكلنا نعلم أن هناك من هم لا يعترفون بالكنائس الأخرى إلى درجة تبلغ حد التكفير، ومن ثم فإن هذا النادى سيحمل بشكل واضح تمييزاً عنصرياً بين الطوائف والمذاهب المسيحية نفسها، كما أن خطورة مثل هذه اللائحة فى كونها تجعله فريقاً دينياً بامتياز وهذا تديين للرياضة كما هو الحال فى محاولات تيارات الإسلام السياسى استغلال الدين فى مآرب سياسية.

فى جميع الأحوال، فإن وجود مثل هذا النادى الملتحف برداء الدين، لا يختلف كثيراً عن وجود أحزاب سياسية دينية يعد وجودها فى حد ذاته مخالفاً للدستور بشكل واضح وصريح، مثلما هو الحال مع حزب النور السلفى، فهل سيرد أصحاب مبادرات إنشاء ناد رياضى مسيحى بإنشاء حزب سياسى مسيحى؟

إذن الحل يكمن فى تفعيل الدستور على قطاع الرياضة، وتعزيز قيم المواطنة من خلال مبدأ تكافؤ الفرص بين الجميع، بعيداً عن أى «كوتة» أو محاصصة، وليكن البقاء للأفضل والأصلح، مع ضبط الممارسات فى المنظومة الرياضية، لأن حالة الإقصاء على أساس دينى باتت شائعة فى جميع الأندية ومختلف الألعاب الرياضية، خصوصاً الشعبية منها.

القضية أكبر من عنصرية دينية فى مجال الرياضة بشكل عام وكرة القدم بشكل خاص، لكونها اللعبة الجماهيرية الأولى فى مصر، فالأمر يعود إلى متغيرات فكرية دخيلة على المجتمع المصرى بدأت فى السبعينيات من القرن العشرين مع عودة المصريين من دول الخليج محملين بفكر سلفى وهابى، بدأ بالمظاهر مثل الملابس وإطلاق اللحى، ثم تحولت مع تغلل التيار السلفى إلى أفكار راسخة فى العقل الجمعى للشارع المصرى.

ولا يمكن عزل ما يجرى من تعصب دينى فى المجال الرياضى عما حدث من تجريف للهوية المصرية خلال عقود مظلمة مضت، تغلل خلالها فكر سلفى وهابى فى مفاصل المجتمع، وما نراه من فتاوى مثيرة للجدل ما هو إلا نتاج لهذا الفكر.

بناء على ما سبق لا بد من دراسة أجهزة الدولة المختلفة لحالة التمييز الدينى المستفحلة من خلال مؤتمر وطنى يناقش القضية، وحل المشكلة من جذورها، بلا نفاق أو رياء بعيداً عن تدخل الجهات الدينية عملاً بمقولة السيد المسيح له المجد «أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله»، فحل مشكلة كهذه لن يتم إلا على أرضية وطنية أولاً وأخيراً.