السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
نعم.. هناك من ينكر وجود التغيُّرات المناخية

نعم.. هناك من ينكر وجود التغيُّرات المناخية

لا شك فى أن استضافة مدينة شرم الشيخ لقمة المناخ العالمية (كوب - 27) حدث مهم له دلالته الرمزية وانعكاساته الإيجابية، وهو أيضًا مناسبة لفتح آفاق جديدة للنقاش حول القضية الحرجة التى تستحوذ على اهتمام العالم أخيرًا، وربما يكون ذلك المحفل المهم مناسبة مثالية للحديث حول واحد من أهم تحديات مواجهة التغيُّرات المناخية، تحديًا قلما يتم الاهتمام به وإخضاعه للنقاش العلمى الجاد، وهو «تحدى إنكار وجود التغيُّرات المناخية».



نعم هناك من ينكر وجود التغيُّرات المناخية ..

على الرغم من التصاعد الواضح فى الاهتمام بالتغيُّرات المناخية وتبعاتها بعد أن بدت مؤشراتها واضحة ومرئية للعامة، لا يزال هناك من ينكر وجودها، ولا تزال المحاولات الدءوبة لإثبات وجود الأزمة قائمة، وقد انشغل العديد من العلماء والباحثين بدراسة أسباب إنكار البعض لوجود التغيُّرات المناخية، أرجعت بعض هذه الدراسات السبب إلى ما تنفقه مؤسسات صناعة الوقود الأحفورى وأصحاب المصلحة من حملات للتشكيك فى نتائج الدراسات التى تتناول التغيرات المناخية، والتعتيم على الحقائق المتعلقة بالأزمة، أرجع البعض الآخر هذا الإنكار إلى الطبيعة شديدة العلمية والتقنية للقضية والتى تجبر المتخصصين على استخدام مصطلحات ومفاهيم غير مألوفة يصعب على الفرد العادى استيعابها فينعزل عنها، وهو ما أكدته إحدى الدراسات المهمة الصادرة عن معهد بروكينغز، والتى أشارت إلى أن البشر لن يكونوا مهيئين للتعامل مع التهديدات المناخية إذا استمر الاعتماد على المصطلحات العلمية المعقدة قائمًا، وأشارت إلى ضرورة نقل الأدلة والحقائق الخاصة بتغير المناخ بعبارات واضحة للغاية ومرئيات جاذبة ومبسطة، إلا أن هناك دراسات ذهبت إلى أسباب أعمق عند تعاطيها مع أزمة إنكار التغيرات المناخية.

ربما تكون فداحة الأزمة هى السبب؟!!

 إن ما يطلقه علماء المناخ من تحذيرات حول تداعيات التغيرات المناخية ومخاطرها يصل إلى المدى الذى يهدد يجعل منه تهديدًا وجوديًا للبشرية، هذا الرعب هو ما يخلق مقاومة التصديق من وجهة نظر البعض، حيث يمكننا استيعاب كارثة محتملة إذا علمنا أنها ستمر وأن الأمور فى النهاية ستكون بخير، لكننا نقاوم التصديق عندما تكون تلك الكارثة حقيقية، وسوف تنتشر على مدى عقود، وتكون ذات أبعاد كارثية لا يمكن تجنبها إلا إذا قمنا بتغيير جذرى لأنماط حياتنا، وتلك هى النقطة الأخرى «مقاومة التغيير»، ما يطلبه علماء المناخ لتجنب النتائج الكارثية للتغيرات المناخية هو تغيير جذرى مرهق ومكلف، ويعتبر علماء النفس أن الإنكار - رفض قبول الحقائق من أجل الحفاظ على الوضع الراهن - هو آلية دفاع بدائية، ولكن على الرغم من حقيقة أن علماء النفس يعرفون الكثير عن الإنكار، فإنهم لم يضطروا أبدًا إلى مواجهة إنكار بهذا الحجم من قبل، فهناك الملايين من البشر الذين لا يزالون مصرين على إنكار تغير المناخ، ويشير عالم الاجتماع ستانلى كوهين إلى ثلاثة أنواع من الإنكار: الإنكار الحرفى  والتفسيرى والضمنى، «باستخدام تغير المناخ كمثال، فإن الإنكار الحرفى Literal denial هو: «المناخ لا يتغير»، والإنكار التفسيرى Interpretive denial، هو: «المناخ يتغير لكن ليس بسبب البشر»، «والإنكار الضمنى Implicatory denial، هو: «أقبل أن المناخ يتغير وأن البشر هم من يتسبب فى هذا التغيُّر، ولكن ما إذا كنا بحاجة إلى فعل أى شيء حيال ذلك فهذا أمر قابل للنقاش».

بالإضافة إلى ما سبق استكشفت الدراسات أسبابًا أخرى للإنكار، منها أسباب متعلقة بالشخصية، حيث من المرجح أن ينكر الناس تغيُّر المناخ إذا كانوا يميلون نحو التسلسل الهرمى للمجتمع ويعارضون التغيرات المحتملة فى الوضع الراهن، وتظهر العوامل الديموغرافية تأثيرًا أيضًا، على الصعيد الدولى، يميل الأشخاص الأقل تعليمًا وكبار السن إلى استبعاد إمكانية حدوث تغير المناخ، بينما يكون للجنس والدخل تأثير أقل، لكن المنبئ الأقوى هو الاتجاه السياسى، ففى المجتمعات الغربية، الانتماء السياسى هو العامل الرئيسى المؤثر، ففى الولايات المتحدة على سبيل المثال نجد الميل الأكبر لدى الجمهوريين لإنكار تغير المناخ وهو ما بدا بوضوح فى موقف الرئيس دونالد ترامب الرافض علنا لوجود التغيرات المناخية.

هذا ما يحدث فى العالم، ولكن ما يحدث فى مصر شأن آخر، المعضلة فى مصر ليست إنكارًا، لأن الإنكار ينطوى على علم مبدأى باحتمالية وجود خطر ومن ثم إنكاره، هذا الأساس لا يزال يحتاج إلى المزيد من الجهد والعمل، لتعريف الفرد العادى بخطورة التغيرات المناخية، وتوعيته بأبعاد الظاهرة بلغة مفهومة ومبسطة، وجذب تضامنه وتعاونه فى مواجهة التهديدات القادمة المترتبة على المناخ، وإطلاق مبادرات تجعل من مصر دولة رائدة فى صياغة حلول ابتكارية لمواجهة التغيرات المناخية.