الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
خدعة الجاسوس الروسى والبنك الذى ينقذ مصر! (2-2) الخروج من مأزق الكفاءات الضائعة

خدعة الجاسوس الروسى والبنك الذى ينقذ مصر! (2-2) الخروج من مأزق الكفاءات الضائعة

إذا كانت حكاية الجاسوس الذى دمر الاتحاد السوفيتى تبدو أقرب للخيال والحواديت الشعبية، إذ من المستحيل عمليا أن «يتحكم» شخص، ليس صانع قرار، وإنما قريب من مركز صناعة القرار، فى قرارات تعيين جميع الموظفين الكبار فى الوظائف المهمة فى الدولة سواء كانت سياسية أو فنية أو إدارية، فيختار الشخص الأسوأ دومًا، لينحط الأداء العام إلى القاع، ومعه ينهار الاتحاد السوفيتى ويتفكك.



والمدهش أن الحكاية لا أصل لها مع الناطقين باللغة العربية، ويبدو أن سبب ترددها وشيوعها أننا نعانى من اختيارات غير مناسبة فى وظائف كثيرة، وتبين إلى أى مدى ممكن أن تصل الأحوال بوضع الأشخاص غير المناسبين فى مراكز مؤثرة، وقد يفسر هذا بعضًا من أسباب سوء الأداء فى مؤسسات وهيئات وخسائر شركات قطاع عام.. إلخ.

وهذا يقودنا إلى سؤال فى غاية الأهمية: هل مصر فعلاً ينقصها الكفاءات؟

إجابة حاسمة قاطعة: بالطبع لا.

إذن أين المشكلة؟!

المشكلة حددها الرئيس عبدالفتاح السيسى أكثر من مرة فى حديث عام، وقال: مصر زاخرة بالكفاءات، لكن هناك مشكلة فى عدم القدرة على الوصول إليها والاستفادة منها!

من هنا نستطيع أن نفهم سبب البرنامج الرئاسى لتأهيل الشباب للقيادة، أى تكوين أول قاعدة معلومات موثقة، بالتدريب والتأهيل العلمى، عن كفاءات قادرة على القيادة.

وقطعًا هو برنامج طويل المدى، ولن ينتج مردوده بين يوم وليلة، فصناعة العقول القادرة على التفكير العلمى والابتكار تستغرق وقتًا طويلاً، ويجب أن يصاحبها أيضًا كثير من التطوير والتحسين فى بيئة العمل ونظامه، حتى لا تتآكل هذه الكفاءات فى البيئة القديمة ودهاليز نظام العمل القديم.

بالقطع تملك مصر عقولاً عظيمة وكفاءات قادرة، لكن الإهمال المتعمد لها أو ركنها أو تحجيمها أو إدخالها إلى كهف الإحباط واللامبالاة يحرمنا منها، ليظل «متوسطو الكفاءة» الذين  تسربوا عمدًا أو سهوًا إلى مراكز ومناصب لا يستحقونها وقتًا أطول.

لكن المسألة ليست بسيطة، فهؤلاء المتوسطون وربما أقل يستميتون دفاعًا عن بقاء هذا المناخ، ولا يعنيهم ضعف الأداء العام أو الدوران العبثى فى متاهة الأزمات دون أن نحل أزمة واحدة من أول نظافة الشوارع إلى بناء المقابر الرخيصة فى بلد تسعين فى المائة من مساحته أرض صحراوية.

وحديث الرئيس عن الكفاءات التى نجهل عناوينها هى دعوة للمجتمع كله أن يبحث عن «المفتاح» للباب المغلق، فالكفاءات المهدورة ليست أزمة فردية، إنما أزمة عامة ندفع ثمنها جميعًا اختناقات وثروات ضائعة.

إذن ننتقل إلى السؤالين الأهم: كيف نعثر على هذه الكفاءات؟، وكيف نصنع المزيد منهم؟

ليس أمامنا سوى الجرى بأسرع ما يمكن فى طريقين، لم نعد نملك وقتًا نضيعه، فالعالم مأزوم، ونحن فى قلبه.

الأول: رسم خريطة طريق تفصيلية لمواردنا البشرية من المتعلمين والدارسين، أى نؤسس بنك معلومات عن تلك الموارد فى كل مجالات العمل فى مصر، فى الصحة والزراعة والمالية والتعليم والطب والهندسة .. إلخ، المؤهل، الدورات التدريبية الصحيحة، الخبرات العملية، المستوى الفعلى فى العمل، الإمكانات الفردية، القدرة على التطور. ونصنف هذه المعلومات على مستويين:

1 - العمل الفنى البحت.

2 - التعامل مع الجماهير.

لماذا؟ لأن مدير المستشفى، غير رئيس قسم الجراحة أو رئيس قسم التغذية، رئيس مدينة غير مدير عام الإدارة الهندسية.. وهكذا فى كل نشاط.

وندوّن فى بنك المعلومات كل صغيرة وكبيرة عن كل موظف ومسئول، وللبنك فروع فى كل وزارة وهيئة ومؤسسة وشركة متصلة بالمركز الرئيسى إلكترونيًا، وتحت إشراف مجلس الوزراء، وله نسخة فى رئاسة الجمهورية، وتديره مجموعة متفرغة متخصصة ذات خبرات رفيعة وأخذت دورات تدريبية فى مؤسسات عالمية فى الموارد البشرية، ويمكن أن نستعين معهم بخبير أجنبى مشهود له بالكفاءة والنزاهة، على الأقل فى الفترة الأولى لضبط الأداء.

وتتضمن أيضًا معلومات البنك مواصفات كل وظائف الدولة المصرية والمؤهلات المطلوبة لها، وحين نرشح شخصًا لمنصب قيادى، نعود إلى البنك ونسأله، نريد مرشحين مدراء مستشفيات أو رؤساء مجالس إدارات أو مدراء قطاعات أو مساعدى وزير أو رؤساء تحرير صحف.. إلخ، ونعمل مفاضلات ومقابلات مع كل مرشح لمنصب، يقدم لنا تصوره عن وظيفته وما يستطيع أن يضيفه لها، والشروط التى تؤهله أن يستمر فيها.

بهذا نسد باب الواسطة والمحسوبية والعلاقات الخاصة وأصحاب النفوذ بحوائط من الأسمنت المسلح.

الثانى: هو بناء تخطيط عام لإعادة تدريب وتأهيل الكوادر المصرية فى كل الأنشطة، وفق شروط بنك المعلومات البشرية، والتدريب له جانبان، داخلى بمدربين محليين وعالميين، ومعروف أن الموظف يلزمه ما بين أربع إلى خمس أو ست دورات تدريبية فى تاريخه المهنى، لتطوير أدواته وأفكاره ومهاراته، وخارجى بأن نرسل الكوادر الأشطر إلى مؤسسات أجنبية للتعايش فيها ثلاثة أشهر على الأقل، يتعرفون على نظم العمل المتطورة، قبل أن يتولوا مناصب رفيعة عندنا.

أتصور لو فعلنا هذا، نكون كسرنا مغارة على بابا وأخرجنا من أهل مصر ياقوتًا ومرجانًا وذهبًا، وقتلنا وحش المحسوبيات والتوصيات والظلم الوظيفى، فالإنسان هو أثمن ثروات أى مجتمع، بشرط أن يكون متعلمًا وكفئًا.