السبت 16 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
الفهامة .. السيرة العطرة

الفهامة .. السيرة العطرة

بدايةً أشكر كلَّ مَن عزانى وواسانى فى مصابى الأليم، وشكر خاص لزملائى فى «روزاليوسف» بداية من أصغر عامل إلى رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير لا أراكم الله مكروهًا.



أكثر من 40 سنة لم نفترق أنا وزوجى، كان الزوج والأب والسَّنَد وعزائى فى السيرة العطرة وحب الناس ودعائهم له، كان يحب الناس يصل الرَّحم ويزور المريض ويسأل عن البعيد قبل القريب، يسعى فى الخير دائمًا ويسارع فى الخيرات، لم يُغضب أحدًا يومًا، مُحبًا للحياة مقبلاً عليها، الابتسامة لا تفارق وجهه لا يتكالب على رزق أو منصب أو شهرة.

كان الرضا والحمد وحب الناس الزاد الذى يتحمل به شدائد الحياة وآلام المرض، عاش فى سلام ومات فى سلام فى دقائق نتيجة خطأ طبى ربما تحدثتُ عنه فى مقال آخر.

تخرَّج فى كلية الهندسة جامعة القاهرة قسم الهندسة الكيماوية دفعة 68 المشهورة فى الجامعة بدفعة اليأس والأمل، اليأس فى الخروج من الجيش والأمل فى تحرير مصر وأيضًا المعروفة بدفعة بناة مصر، وكان منها أفضل وزراء الإسكان فى عهد مبارك.

دخل الجيش فى نفس السنة بعد النكسة فى سلاح الحرب الكيماوية وظل هو ورفاقه 7 سنوات داخل خَندق تحت الأرض على الجبهة يقومون ليلاً بعبور القناة تحت قصف العدو للكشف عن أى كيماويات ألقاها العدو فى القناة والتعامل معها وإبطالها قبل أن يقوم جنود الضفادع البشرية بعبور القناة إلى الضفة الأخرى وإنزال الخسائر بجنود العدو خلال حرب الاستنزاف التى سبقت حرب 73 قدَّم خلالها جنودُنا على الجبهة بطولات لم يسجل معظمها حتى الآن.

كانوا يظلون بالشهور بلا إجازات وكان الطعام والماء لا يصلهم بالأيام وأقرب مكان لمياه الشرب على بُعد 10 كيلو مترات من المعسكر يقطعها الجندى ذهابًا وإيابًا ليلاً تحت قصف طيران العدو وإذا اشتد القصف لا يستطيعون إحضار الماء.. بَعد النصر وتحرير الأرض عُيِّنَ فى مصنع 81 الحربى وترقى حتى وصل لنائب رئيس مجلس الإدارة وكان من أوائل كوادر تطوير الصناعة فى مصر.

قامت مصر بإرساله إلى سوريا كخبير فى الكيماويات والبويات الحربية وقد رافقته فى مهمته وكنت أول سيدة تدخل مَعامل الجيش السورى ووجدنا ترحيبًا كبيرًا وحبًا للمصريين كبيرًا من الشعب السورى وقابلنا أعلى رتبة فى الجيش السورى.

حيث رفضت روسيا- وقتها بعد تفكك الاتحاد السوفيتى- إعطاءَ سوريا أى معدات أو كيماويات حربية إلا بعد الدفع مقدمًا وكان قرار الرئيس السورى إذا كنا سندفع نشترى من الدول الأوروبية، والمشكلة أنهم لا يعرفون الأسماء العلمية لهذه المعدات وكان الرُّوس كعادتهم يقومون بإعطائها أرقامًا فقط دون الاسْم العلمى حتى يقوموا بربط الدولة بهم ورفضَ الرُّوس إعطاء سوريا الأسماء العلمية.. وكانت مهمة زوجى تحليل هذه الكيماويات ومعرفة أسمائها العلمية، وقد أدى مهمته بنجاح أشاد به السوريون.

بعد عودته قرر أن يستقيل ويحقق حلمه الذى راوده منذ شبابه وهو الزراعة، كان يعشق الزرع وهو الذى وُلد فى محافظة ساحلية (دمياط)، وفعلاً اشترى قطعة أرض فى وادى النطرون وقام باستصلاحها وزراعتها بالنخيل والفاكهة، ثم اشترى قطعة أخرى وكان يعمل بيده ويواصل العمل الليل بالنهار ويقوم بنفسه بإصلاح ماكينات المياه، وقد تعوَّد على ذلك فى المصنع حتى لا يتعطل الإنتاج، وأنفق عليها كل ما ورثه عن أبيه التاجر الكبير وكل مدخراتنا؛ حيث إن تكلفة زراعتها تفوق الأرض الطينية عشرات المرّات.

ومؤخرًا أخذت الدولة نحو 4 فدادين من الأرض على طريق «مصر- إسكندرية» الصحراوى مباشرة لإقامة القطار الكهربائى الذى سيصل السخنة بمرسَى مطروح ويُحدث نقلة كبيرة فى نقل البضائع والركاب وتم اقتلاع أشجار المانجو بها وعمرها 30 سنة وتعويض الشجرة الكبيرة بـ3 آلاف جنيه ورُغْمَ حُزنه على الشجر؛ فإنه كان راضيًا وهو العاشق لمصر وكان مستعدًا للتضحية بكل غالٍ من أجلها، وكان حريصًا على تنشئة أولاده على القيم وحب مصر وأن يصبحوا مهندسين مثله حتى البنت ليكملوا مشواره فى البناء والتعمير.

وعزائى وأولادى فى السيرة العَطرة وحب الناس الذى تركه لنا وهو لمَن لا يعرف كنز كبير وخير إرث لخير وارث.

رحمه الله رحمة واسعة وأدخله فسيح جناته..

الفهم طريق الحرية.