الأحد 19 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
حقك..أزمات «التجنيس».. تمييع مقصود للهوية الوطنية (3 - 4) «الديانة الإخوانية».. خطرٌ داهمٌ على العرب والمسلمين

حقك..أزمات «التجنيس».. تمييع مقصود للهوية الوطنية (3 - 4) «الديانة الإخوانية».. خطرٌ داهمٌ على العرب والمسلمين

لم يشهد العالمُ العربىُ والإسلامىُ خطرًا مثل جماعة الإخوان الإرهابية، فهى بخلاف أنها جماعة متشددة ومُحرضة ولعبت دورَ مقاول الهدم فى المنطقة العربية طوال سنوات عمرها التسعين، مَثلت تهديدًا داهمًا للديانة الإسلامية بظهور ما عُرف بالديانة الإخوانية، التى نطق بها أعضاء الجماعة خلال محاكمتهم، فهم يدعون الله أن يميتهم على ديانة الإخوان وتنتهى حياتهم وهم إخوان.



اتضح ذلك الأمْرُ جليًا فى تصريحات القيادى الإخوانى محمد البلتاجى خلال محاكمته حينما قال: «أتمنى أن يميتنى الله وأنا عضو بالجماعة»، وهو ما يعنى أن الانتماء للجماعة عنده يسبق الدين الإسلامى وأن الجماعة لدى الإخوان أكثر قداسة من الدين نفسه وأن الإخوان استبدلوا تعاليم الإسلام برسائل المُرشد حسن البنا وكتُب سيد قطب.

القيادى الإخوانى صبحى صالح، كان أكثر وضوحًا وأكثر فجاجة حين دعا الله أمام كاميرات وسائل الإعلام قائلًا: «اللهم توفّنى على الإخوان»، وقبلها أثار الجدل حول تصريحه عن قواعد الزواج داخل الجماعة، وأنها تفرض على الإخوانى حينما يفكر فى الزواج أن تكون زوجته إخوانية، مُلمّحًا إلى أن الإخوانية هى الاختيار الأول لعضو الجماعة لأنها الأعلم بغيرها بقواعد وتعاليم الجماعة صاحبة القداسة المزيفة.

لم يتوقف الأمْرُ عند ذلك الحد، وامتد إلى ظهور ما يشبه التعاليم داخل الجماعة تُحَرّم زواج الإخوانى من امرأة غير إخوانية، والتعامل مع قياداتهم مثل الميت بين يدى مكفنه، أى يمتثل تمامًا لكل ما يَصدر عن قيادات الجماعة باعتبارها أوامر لا ترد.

تتضح الصورة أكثر حينما نقرأ ما قالته عائشة ابنة خيرت الشاطر، نائب المرشد العام للجماعة الإرهابية خلال التحقيق معها حينما أعلنت أنها «تحمد الله على نعمة الإخوان»، واعتبارها أن الانتماء للجماعة الإرهابية نعمة تساوى نعمة الإيمان بالإسلام، وهو ما يتطابق فى القول مع ما قام به الإخوانى فاروق يحيى خلال خطبة الجمعة، التى ختمها بدعوة: «اللهم أحينا إخوانًا وأمتنا إخوانًا»، وذلك قبل سنوات بمسجد العزيز بالله بمنطقة الزيتون.

صنعت الجماعة لنفسها قداسة زائفة لدى أتباعها، وفككت هويتهم الأصلية وانتماءهم للوطن الآمن من أجل زرع هوية الجماعة باعتبارها الجماعة المؤمنة، أو الفرقة الناجية ومارست بذلك سياسة الاستعلاء على الآخرين وميزت نفسها عن باقى المسلمين، وهو أسلوب فاشى طبّقته المجموعات النازية المؤمنة بفكرة نقاء الجنس الآرى، وأيضًا الحركة اليهودية الصهيونية وتعريفها لنفسها بأنها شعب الله المختار، وبالتالى اعتبر الإخوان باقى المسلمين جنسًا أدنَى، ثم تطور الأمْرُ مع ظهور منهج التكفير إلى تصنيف من هو خارج الجماعة إلى إمّا مُحب أو علمانى كافر.

وقد وصف المفكر الراحل جابر عصفور الفرقة الناجية بالأسطورة، وقال إنها واحدة من الأساطير المؤسِّسة للجماعة والتى تأسَّست على تأويل حديث منسوب عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وتولدت من منظور حرص مجموعة بعينها على التميُّز عن غيرها وإقصاء الآخر وإزاحته حتى تستأثر هى بالسيطرة على العقل الجمعى للمجتمع وتوجيه أفراده لتحقيق أهدافها، وترجع صياغة تلك الأسطورة إلى الصراع العقائدى بين الفرق الإسلامية، وفجَّرَه الصراع بين المعتزلة وأعدائهم عام 232هـ، وكان من نصيب السلفية فى حرب العقائد التى اشتعلت بين الفرق الإسلامية إشاعة أسطورة الفرقة الناجية لصالحهم.

وقد استغلت جماعة الإخوان المسلمين، المجتمعات التى تشيع فيها الأمية والفقر، وحاولت محو هويتها لصالح تعزيز سيطرة الجماعة عليها، حتى أصبح مَن هو خارج الجماعة هو خارج الإسلام والمسلمين، أمّا مَن هو داخل الجماعة فهناك تنافسية لإثبات الانتماء لقيادات الجماعة بالولاء والسمع والطاعة، وبزيادة القرابة بالمُصَاهرة وهى ما تفسّر شبكة القرابة والمُصاهرة وترابُط المَصالح المادية التى كانت تصل قيادات الإخوان سواء داخل مصر أو خارجها.

وتعتبر عملية تمييع وتفكيك الهويات دورًا أصيلًا للإخوان، سواء فى المجتمعات العربية أو الدول الإسلامية؛ بل يمكن القول إن تلك الجماعة قد نشأت بالأساس من أجل غزو المجتمعات بهويات مستعارة بهدف هدمها من الداخل، وهو ما حدث فى مجتمعات تمكنت الجماعة من غزوها ومحو هويتها الوطنية لصالح فكرة الأممية والانتماء للجماعة، إلا أنها اصطدمت بالهويات القديمة والراسخة مثل الهوية المصرية.

ويمكن اكتشاف ذلك بملاحظة أن نشأة الإخوان فى مصر عام 1928كرد فعل طبيعى لما أفرزته ثورة 1919 من تماسُك مجتمعى مدهش، وكان الهدف من الإنشاء بالأساس طمس الهوية الوطنية حتى ثبت صلابتها خلال سنوات المواجهة مع الجماعة المتطرفة، ونزول الشعب المصرى للثورة على حُكم الجماعة عام 2013 ، فالهويات الراسخة يمكن التشويش عليها لكن لا يمكن هدمها.

وتتم عملية التشويش من خلال مزاحمتها بهويات وافدة وغزو ثقافى يتسبب فى عملية تضليل وتشويش للمواطن تحت تأثير مزاحمة الدين الإخوانى للهوية وصُنع فجوة بين المجتمع وثوابته الوطنية ومع مرور الوقت يتراجع تمسكه بهويته لصالح هوية مزيفة تقدمها له الجماعة باعتبارها الطريق الوحيد إلى الجنة!.

فرضت عملية تشويه الإخوان على الهوية الوطنية عمليات تغريب داخلية لأجيال صَنعت بينها وبين مفهوم الدولة الوطنية حاجزًا حتى لا يتمدد المشروع الوطنى المستقل الذى تأسَّست من خلاله الجمهوريات العربية، واستخدمت أبواق الجماعة الإعلامية سُبُلاً إقناعية عدة من أجل تشويه الجمهوريات العربية التى طردت الاستعمار، وحاول قلب الآية واتهام تلك الجمهوريات الوطنية بأنها صنيعة الاستعمار ثم صُنْع خيال ومَجد زائف لاستحضار فكرة الخلافة وربطها بالدين وبنظام الحُكم داخل الجماعة.

وهى بالتأكيد فكرة غير قابلة للتطبيق، ليس فقط لعدم تناسُبها مع المتغيرات الزمنية والاجتماعية؛ بل لأنها أيضًا ضد التطور البشرى والقبول بالتنوع الاجتماعى والسياسى، وضد فكرة الديمقراطية بالأساس، وهى نظام الحُكم الذى ارتضته البشرية لضمان بقاء الدول وحماية الشعوب من الصراعات.

ذلك التناقض بين ما تفرضه أكاذيب الجماعة على أتباعها والواقع فتح الطريق أمام الجماعات الإرهابية لتجنيد عناصر جديدة وتوسعها بظهور ما عُرف بالذئاب المنفردة حتى بين الأجيال المهاجرة فى أوروبا والولايات المتحدة واتساع الخطر الإرهابى ليشمل كل بقاع الأرض، وهو ما يحمل فى طياته تهديدًا مستمرًا للحق فى الحياة، وهو الحق الأهم بين كل حقوق الإنسان..   وللحديث بقية.