السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
70  سنة ثورة يوليو.. حماية «الدولة الوطنية».. تحقيق «العدالة الاجتماعية».. استكمال بناء «الجمهورية الجديدة» كيف نكافح «شيخوخة» ثورة يوليو؟

70 سنة ثورة يوليو.. حماية «الدولة الوطنية».. تحقيق «العدالة الاجتماعية».. استكمال بناء «الجمهورية الجديدة» كيف نكافح «شيخوخة» ثورة يوليو؟

يبشرنا خبر تم بثه مؤخرًا على موقع قناة «العربية» السعودية، عن «تمكن علماء فى جامعة كمبريدج من التوصل إلى طريقة جديدة لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء، وذلك من خلال التجارب باستخدام تقنية واعدة للغاية لمكافحة الشيخوخة»، وتحقق مثل هذه الأخبار عن قفزات الطب والعلم فى تحدى الشيخوخة انتشارا كبيرا، وأمست ضيفًا يوميًا ورئيسيًا فى جميع مطابخ الإعلام، لأنها تشبع رغبة جامحة لدى البشر فى الخلود.



 

وإن كانت الإنسانية قد تجاسرت فى حلمها، وقاومت عجلة الزمن وحاولت السير عكس عقارب الساعة، ومنحت الجسم البشرى فى خريف عمره، أملًا جديدا ليستعيد حيوية الربيع والشباب، فلماذا لا نجرب هذا أيضًا مع الأفكار التى شاخت والأحلام التى راح زمانها، والزعماء الذين اختفوا من الحياة بأجسادهم وبقيت أسماؤهم خالدة فى وجدان شعوبهم، وعاش مشروعهم السياسى راسخًا فى المشهد السياسى رغم تقلباته وتراجعاته؟

ونصل إلى مقصدنا فى هذا المقال، ونطرح أسئلة: هل حقًا وصلت ثورة يوليو إلى مرحلة «الشيخوخة»؟، وهل بلوغها السبعين من عمرها، يعنى اقتراب نهاية دورها، وموت أثرها؟، وهل لنا أن نهتدى مستفيدين بأفكار أهل العلم إلى طريقة تعيد «الشيخ إلى صباه»، وتعيد الروح لحلم يوليو 1952 الذى حقق أمانى المصريين فى الاستقلال والعدالة الاجتماعية، ونعيد مكانته التى تليق به فى صفحات التاريخ المصرى، بعد أن طالته حملات التشويه والتشكيك خلال السنوات الردة الفكرية والحضارية وتراجع المشروع الوطنى لصالح مشروع دينى الهوى، مجهول الهوية. 

فى الذكرى الخمسين لثورة يوليو عام 2002، كتب محلل شئون الشرق الأوسط فى «بى بى سى نيوز» روغر هاردى، يقول: «إنها كانت المرة الأولى التى يحكم فيها مصريون بلادهم منذ 2500 عام، كما أن رسالتها الخاصة بالعدالة الاجتماعية فى مصر ومناهضة الاستعمار خارجها أعاد الكبرياء العربي»، وأظنه وصف مهم يعبر عن مكانة «يوليو» عند أكثر الكارهين لها، وهذا الرأى ينبهنا وغيره من آراء نشرت فى كتب ودراسات حول قيمة (ثورة يوليو) وأثرها، ودور زعيمها ناصر ومكانته لدى شعوب العالم.

وعند التعامل مع الثورة المصرية، علينا ألا نختزلها فى ليلة، خرج فيها الجيش وأسقط نظامًا ملكيًا أو حتى انقلب عليه، إن يوليو لم تكن حركة جيش فقط، بل طموح أمة وتراكم متصل لنضالها الوطنى ورغبتها فى التغيير إلى الأفضل، وهى رغبة أكيدة فى التطور والتقدم، إن مشروع يوليو كان مشروعًا حضاريًا، مؤثرًا وفاعلًا فى مصير شعوب وأمم، ومحاولة حصاره وتشويهه والقضاء على أثره، هو أمل مستمر لدى قوى وأجهزة ودول، زلزلتها حركات التحرر، وأشقتها أفكار جمال عبدالناصر ورفاقه عن العدالة وحقوق الشعوب فى تقرير مصيرها، لقد كانت كلمات ناصر مثل طلقات رصاص تطارد الاستعمار فى كل مكان، وما تزال شعوب العالم الحر تتذكر بعض أقواله، ومن أشهرها: «الخائفون لا يصنعون الحرية، والضعفاء لا يخلقون الكرامة»، «الحق بغير قوة ضائع، والسلام بغير مقدرة الدفاع عنه استسلام»، «المترددون لن تقوى أيديهم المرتعشة على البناء».

ولهذا علينا أن ندرك خطورة تسلل فكرة «شيخوخة الثورة» وترسيخها فى الوعى المصرى، خاصة مع تنامى نزعات البكاء على العهد الملكى، وتعمد إثارة معارك كلامية وصراعات فكرية بين عهود رؤساء الجمهورية الثلاثة من ضباط الجيش (ناصر والسادات ومبارك)، وتهميش دور الجسرين العظيمين الذين مهدا الطريق للجمهورية القديمة والجديدة، ومحاولة إنكار أهميته، وهما اللواء محمد نجيب والمشير حسين طنطاوى، وأخيرًا، الوقوع فى فخ النظرية الغربية التى رسخها المؤرخ الأمريكى، جويل غوردون، فى كتابه «حركة ناصر المباركة: «إن الضباط افتقدوا الرؤية الواضحة حول ما يجب أن يحققوه».

وأكرر مع الراحل الدكتور أنور عبدالملك ما قاله فى كتابه الشهير «المجتمع المصرى والجيش»: «يجب ألا ننسى، ويجب ألا نخطئ»، ونتعامل مع «ثورة يوليو» بما يليق بها، فهى مخلوق فريد يستحق الخلود، ويستحق أن نجتهد لمنع شيخوختها وبث الروح فى شبابها وتجديد مكانتها، ومنع وصولها إلى مرحلة الموات الفكرى وانتقالها من عالم التأثير إلى متحف التاريخ، كما جاهد الإخوان عبر تاريخهم ليحققوا ذلك، وفشلوا.

ويجب أيضًا التعامل مع مشروع «الجمهورية الجديدة» على أنه استكمال لمشروع يوليو الجمهورى الوطنى وليس انقضاضًا عليه، فهو تطوير لما تجمد، وتجديد لما تخلف، وبناء لما تهدم، وتصحيح لكل أخطاء العهود السابقة، بما لا ينقص قدر أى من زعماء الجمهورية القديمة، كلهم كان وطنيًا مخلصًا، اجتهد من أجل الوطن وفق تقديره وقدراته، علينا أن نتدبر تاريخنا وفق الإطار البناء لتقييمه بعيدًا  عن دسائس أعداء «مشروع يوليو المصرى والعربي»، الذين شيطنوا الإنجازات واستثمروا الأخطاء، وأقنعوا بعض المصريين أنها ثورة وشاخت وماتت، وإكرامها فى دفنها. 

ويليق بنا ونحن نحتفل بـ «سبعينية يوليو»، أن نقرأ الفاتحة على روح الضباط الأحرار وندعو لهم بالرحمة والمغفرة، وفى مقدمتهم الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، والذى أذكركم ببعض كلماته اختارتها «مكتبة الإسكندرية» لتتصدر موقع ناصر على الإنترنت، وهو موقع جامع لكل ما يتعلق بالثورة وبالرئيس الراحل، أدعو كل المهتمين لتصفحه، فهو عمل رائع ومهم الترويج له دائمًا لإنعاش ذاكرة المصريين ومقاومة أوهام شيخوخة الثورة، ويقول ناصر على موقعه: «إن الإرادة الشعبية هى التى تملك أن تصنع قيادتها، وأن تحدد لها مكانها. إن الشعب يجب دائمًا أن يبقى سيد كل فرد وقائده، إن الشعب أبقى وأخلد من كل قائد مهما بلغ إسهامه فى نضال أمته، أقول هذا وأنا أدرك وأقدر أن هذا الشعب العظيم أعطانى من تأييده وتقديره ما لم أكن أتصوره يومًا أو أحلم به. لقد قدمت له عمرى ولكنه أعطانى ما هو أكثر من عمر أى إنسان».

وختامًا، يمكن أن تساعدنا أفكار عالم الوراثة ديفيد سينكلير، مؤلف الكتاب الأكثر مبيعًا «دورة الحياة: لماذا نتقدم فى العمر ولماذا لسنا مضطرين إلى ذلك؟»، والذى يؤكد فيه خلافا للاعتقاد السائد، أن الشيخوخة ليست حتمية، حيث يقول: «لا يوجد قانون فى علم الأحياء ينص على أننا يجب أن نتقدم فى العمر. لا نعرف كيف نوقف هذا، لكننا نحرز تقدما فى عملية إبطائه».