السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
بايدن.. رحلة فشل فى منطقة الرمال المتحركة!

بايدن.. رحلة فشل فى منطقة الرمال المتحركة!

هل وجود رئيس أمريكى فى عمر الرئيس جو بايدن خلف المكتب البيضاوى فى البيت الأبيض  مؤشر على «أحوال الولايات المتحدة الأمريكية» فى عالم يعاد تشكيل نظامه الآن؟



بالطبع أى رئيس أو ملك أو إمبراطور يدير دولة وهو فى الثمانين من عمره مسألة فى غاية الصعوبة، فما بالك بدولة فيدرالية فى حجم الولايات المتحدة، علاقات داخلية متشابكة وعلاقات خارجية معقدة وحاكمة فى النظام العالمى؟

صحيح أن الولايات المتحدة دولة مؤسسات قوية، لها باع وتقاليد قوية، لكن أيضًا، هى دولةِ تناقضات ومصالح اقتصادية واجتماعية متباينة وصراعات بين جماعات ضغط شديدة الشراسة وشديدة الثراء، وبعض هذه المصالح والجماعات له علاقات خارجية مؤثرة، ويلعب الرئيس «دور» رمانة الميزان أو ضابط الإيقاع.. فإذا لم يكن قادرًا ذهنيًا وبدنيًا، فالمشكلات والأزمات لا تجد حلولاً عاجلة أو صحيحة.

فالإنسان فى هذه السن قد استهلك معظم إمكانات جسده وعقله، ويحتاج إلى الهدوء والتأمل وكتابة مذكراته والمشى يوميًا لتحسين دورته الدموية، وليس لإدارة  دولة عملاقة ونظام عالمى مرتبك.

وسؤال السن قفز إلى ذهنى مع رحلة بايدن الأخيرة إلى الشرق الأوسط، ولن أصفها بأنها أفشل رحلة لرئيس أمريكى إلى منطقة الرمال المتحركة كما يصفها الإعلام الغربى، ولكن مردودها بأى مقياس لم يتقدم إلا بضع خطوات قليلة فى الاتجاه الذى كان يخطط له بايدن، الذى جاء بعقلية قديمة وأفكار قديمة فى عالم متغير ويشتد فى سعيه إلى التغيير. 

ولا أعرف كيف يذهب رئيس أمريكى إلى لقاء قادة ثمانى دول عربية فى جدة، بعد أن يصرح متباهيًا أنه «صهيونى دون أدنى حاجة إلى أن يكون يهوديًا»، ويريد أن يحصل على كل الأهداف المرادة من منطقة عربية معادية للصهيونية وليست معادية للدين اليهودى، عداء له ألف سبب حقيقى، حتى لو عقدت معاهدات سلام مع إسرائيل، معاهدات أنتجها خلل توازن فى القوى من جراء حجم الدعم اللامحدود لإسرائيل من الولايات المتحدة ودول أوروبا، وهى معاهدات سلام رسمية وليست شعبية، ويقول لنا التاريخ إن معاهدات السلام الرسمية التى لا تكتسب تأييدًا شعبيًا هى مجرد «هدنة» قد تطول، لكنها لا تتجاوز مربع الهدنة إلا برد الحقوق والأخذ بأسباب العدالة والمواثيق الدولية.

وبايدن طار إلى جدة وفى جعبته موضوعان رئيسان يتصور أن القمة ستخرج فيهما بقرارات حاسمة، ومعه بضعة موضوعات هامشية يتفاوض حولها ويجرى فيها كلام من النوع الذى يذهب ويجىء دون أن يعثر على صيغة قرار نافذ، مثل قضية السلام العادل وإعلان دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية مع صيغة دولية توافقية للإشراف على الأماكن المقدسة.

الموضوعان الرئيسان هما: النفط وإيران، لما لهما من علاقة مباشرة بالحرب الروسية فى أوكرانيا.

النفط.. العرب من أكبر منتجيه، وإيران.. تمثل تهديدًا لهم، وتصطف خلف روسيا صراحة ولا تحترم عقوبات الغرب ضدها.

لكن بايدن نسى أن العرب لا ناقة لهم ولا جمل فى تلك الحرب التى خطط لها الغرب ورسمها بزعامة الولايات المتحدة، ويعمل على استمرارها لأطول وقت ممكن.

صحيح أن العرب تأثروا بها مثل كل شعوب الأرض ونالتهم « ويلاتها» أسعارًا وتهديدات اقتصادية، وهم بالفعل ضد العدوان والحرب، ويرفضون تدخل أى دولة فى الشئون الداخلية لدولة أخرى، لكنهم أيضًا يفضلون عالمًا متعدد الأقطاب، وكفاهم ما نالوه من حسرة فى نظام عالمى وحيد القطب، هو الولايات المتحدة.

لا يمكن أن ننكر قوة الولايات المتحدة والغرب اقتصادًا وعلمًا ومعرفةً وتكنولوجيا، لكن الولايات المتحدة بدلاً من أن تكون دولة عظمى، أصرت أن تكون قوة عظمى فقط، والفارق هائل بين الدولة والقوة، الدولة ليست قوة عسكرية فقط، وإنما ثقافة وقانون وقيم وتحضر وحقوق إنسانية، لكن القوة العظمى مجرد فعل مادى بحت، مثل الزلزال والإعصار والطوفان والبركان، طاقة مادية مجردة، تجرف ما أمامها لتصل إلى نهاية حركتها الدافعة.

والولايات المتحدة فى علاقاتها الخارجية مجرد قوة مادية فى تحديد مصالحها وأساليب استهدافها، خاصة بعد أن استولت على مكانة بريطانيا العظمى فى النظام العالمى بعد الحرب العالمية الثانية، ولم تكن أصلاً طرفًا فى هذه الحرب، لكنها عملت على أن تكون لاعبًا أساسيًا فيها وليس مجرد «داعم» للحلفاء، كانت تدرك أن عالم ما بعد الحرب سيكون مختلفًا كليًا عما قبلها، ودون وجود قواتها فى ميادين القتال لن تحتل مقعدًا متميزًا يليق بطموحاتها وإمكاناتها الهائلة فى سفينة القيادة، لكن كيف تدخل الحرب وهى تبعد آلاف الأميال عن ساحاتها، ناهيك عن أن غالبية الشعب الأمريكى وقتها ضد التورط فى حروب خارجية وتستهويه فكرة العزلة الاختيارية عن العالم القديم خلف المحيط الأطلنطى، ويستحيل على الرئيس الأمريكى أن  يشن حربًا على دولة أجنبية إلا بموافقة الكونجرس، فما العمل؟

اختراع حرب من الفراغ، فكانت معركة بيرل هاربور التى شنتها اليابان على الأسطول  الأمريكى  فى المحيط الهادى، والتى لا يجد لها المؤرخون أسبابًا مقنعة حتى الآن، إذ كانت الأسباب خدعة من الإدارة الأمريكية، نفذها الرئيس تيودور روزفلت ببراعة، إذ سرب إلى صانع القرار اليابانى معلومات كانت أشبه بفخ، سقط فيه بضرب الأسطول الأمريكى متسلحًا بالمفاجاة، لكن الحقيقة كانت مختلفة، فالمخابرات الأمريكية كانت قد سبقته وفكت شفرة الأسطول اليابانى وعلمت قبلها بالهجوم واتجاهاته، لكنها تركته يكمل مهمته إلى نهايتها، ثم تصنعت الإدارة الأمريكية أنها فوجئت به، ليخرج الشعب الأمريكى إلى الشوارع صارخًا: الحرب.. الحرب، ويضغط على الكونجرس لاتخاذ قراره وسط الهتافات الزاعقة والأعلام الملونة.

وهو بالضبط نفس ما فعلته أمريكا مع روسيا التى أجبرت على إعلان الحرب على أوكرانيا، ولم يكن أمامها سبيل آخر، بعد أن سدت الولايات المتحدة كل منافذ أوكرانيا المحايدة فى وجه الروس، وبات الناتو على بعد فركة كعب من حدودهم.

صحيح أن روسيا وقعت فى الفخ بالإكراه، لكن الضحية الأكبر هو الشعب الأوكرانى وبضعة مليارات من فقراء العالم وطبقته الوسطى، الذين ضربتهم أسعار السلع الغذائية والطاقة بقسوة بالغة، ولا يهم أن يعانى معهم ملايين الأوربيين سواء إنجليز أو ألمان أو فرنسيين أو طليان أو أمريكيين.. إلخ، فهو ثمن مقبول، وجزء من ثقافة غربية لها تاريخ عريق، مقابل أن ماكينة الحرب تدور، ويجنى عوائدها كارتل السلاح والشركات عابرة القارات، وأيضًا تستنزف جزءًا كبيرًا من طاقات روسيا التى تعمل على استرداد مركز الاتحاد السوفييتى القديم فى النظام العالمى الجديد، وأيضًا هى بروفة عملية يمكن أن تكون «فعلاً» مع الصين التى تنمو بطريقة غير مريحة للغرب وتهدد نفوذه وسطوته!

وقطعًا سأل العرب أنفسهم سؤالاً بديهيًا قبل لقاء القمة مع بايدن: لماذا نكون طرفًا غير مباشر فى هذه الحرب الجائرة علينا؟

ربما إجابة هذا السؤال حددت رد فعل العرب، فلم يتعهدوا برفع إنتاجهم من النفط كما أراد بايدن، مجرد مئات الآلاف من البراميل يوميًا، وهى لا تسد نقص 10 ملايين برميل كانت تنتجها روسيا، والأهم لماذا تتحمل السعودية  تحديدًا فاتورة المغامرات الأمريكية وتصدر نفطًا يقلل من سعره، بينما لم تخفض لا الولايات المتحد ولا دول أوروبا الغربية سعر أى سلعة تصدرها للخارج؟

وأيضًا كان هدف بايدن الاستراتيجى من زيادة إنتاح النفط الخليجى، هو إحكام العقوبات المفروضة على روسيا، إلى الحد الذى تضطر فيه روسيا إلى شرب نفطها، عندما لا تجد له سوقًا من الأبواب الخلفية بأسعار تنافسية، تتيح لها كسر حلقة هذه العقوبات.

ومعروف أن العالم يقترب من استهلاك مائة مليون برميل نفط يوميًا، ومع توقف تصدير الغاز الروسى إلى أوروبا إلى حد كبير، سوف تزيد الحاجة إلى النفط، خاصة فى الشتاء القادم، فكيف يغطى الزيادة ويصد ارتفاع الأسعار المتوقع بعد شهور قليلة؟

والسؤال: ماذا يملك بايدن حاليًا للخليج مقابل زيادة إنتاج النفط، ولا يضغط على فنزويلا صاحبة 20% تقريبًا من احتياطى النفط فى العالم؟

هنا نأتى إلى إيران، وبايدن أعاد فتح الملف الإيرانى والقنبلة الذرية، لا شك أن القنبلة الإيرانية المحتملة هى تهديد خطير مباشر للعرب أولاً وأخيرًا، فكل مطامعها وتشابكاتها فى الأرض العربية، ولم يعرف عنها عداء ضد إسرائيل سوى مناوشات كلامية من بعيد لبعيد وتهديدات من عينة لو قربت منى سأقطعك إربًا إربًا.

ولم يكن التخصيب النووى القريب من صناعة القنبلة هو «دافع» بايدن الأول، يسبقه «تحدى» إيران للعقوبات الغربية المفروضة على روسيا، بتأييد علنى وصفقات متبادلة، ناهيك أن طهران هى أول محطة يطير إليها بوتين بعد الحرب مع أوكرانيا.

لكن بايدن لم يستطع أيضًا إقناع العرب بأى تحركات ضد إيران، فإسرائيل لقمة فى الزور، ورفضت الولايات المتحدة رفضًا قاطعًا أيام الرئيس حسنى مبارك اقتراح مصر بـ «إخلاء منطقة الشرق الأوسط» من السلاح النووى.

تبقى الصحافة الغربية، وقد تصرفت فى هذه الزيارة كما لو أنها تتمتع بقدر هائل من الأخلاق الرفيعة دفاعًا عن حقوق الإنسان، وجسدها مراسلو البيت الأبيض الذين أمسكوا بميكروفوناتهم والرئيس جو بايدن ينزل من طائرته المروحية فى باحة البيت الأبيض وسألوه قبل أن يلتقط أنفاسه: هل صحيح أنك لم تتحدث مع الأمير محمد بن سلمان عن اغتيال جمال خاشقجى؟، والسؤال الثانى: لماذا صافحت الأمير محمد بقبضة اليد؟

لم يسأله أى مراسل من هؤلاء الصحفيين عن مقتل شيرين أبوعاقلة وهى صحفية أمريكية من أصل فلسطينى عمدًا على يد قوات الاحتلال الإسرائيلى؟ كيف لم يتحدث عنها مع الرئيس الإسرائيلى؟ هل كونها من أصل فلسطينى يبيح دمها؟ ولم يسألوه: لماذا أعلنت تفاخرك بأنك صهيونى دون داعٍ؟ وما قيمة هذا للولايات المتحدة وأنت ذاهب لمقابلة ثمانية من زعماء الدول العربية يصنفون الصهيونية عدوًا لهم؟

هذه هى محصلة زيارة بايدن لمنطقة الرمال المتحركة فى عالم يتغير!