الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
بين رسائل البنا ورسالة 30 يونيو

بين رسائل البنا ورسالة 30 يونيو

أحتفظ فى مكتبتى بكتاب جامع، يغنينى عن قراءة عشرات المقالات السياسية التى تُدين الإخوان.. هذا الكتاب الذى يحمل عنوان (رسائل حسن البنا) كان محور العديد من فقراتى الحوارية على الشاشة بعد 30 يونيو 2013، وما زلت أحتفظ بملصقات صفراء على أخطر صفحاته!



قررتُ فى أسبوع الاحتفال بالذكرى التاسعة لإزاحة الإخوان من المشهد السياسى أن أعود لهذه الصفحات، كى أجدد يقينى بأن ما حدث كان واجبًا حتميًا.

 مَن منا لم يتعامل مع الإخوان، سواء قبل أو أثناء صعودهم للحُكم؟ لكن ربما لا يعلم الكثيرون أن الإخوان يصنفون من يتعاملون معهم إلى أربع فئات، تحدث عنهم مؤسّس الجماعة فى مقدمة رسائله تلك، تحت عنوان (دعوتنا)، فالناس من وجهة نظره أربعة: مؤمنون بالإخوان (ويشبههم بمن اهتدوا للإسلام واتبعوا الأنبياء!)، أو مترددون بشأنهم (ويشبههم بالمترددين فى اتباع الرسل!)، أو نفعيون يبحثون فى الإخوان عن مصلحة (ويشبههم بمن رفضوا مبايعة الرسول صلى الله عليه وسلم إلا إذا أورثهم الأمر من بَعده!).. أمّا الصنف الرابع فهم المتحاملون، وهم «الذين يرون الإخوان بمنظار قاتم ويتحدثون بلسان المتشكك»، ويقول «البنا» إن شعاره معهم هو الدعاء النبوى (اللهم اغفر لقومى فإنهم لا يعلمون)!

ورغم سكينة الدعاة التى يرتديها النص؛ فإنه يعكس تمييزًا واستعلاءً فى تصنيف البشر، ويكرّس فى نفوس مريديه أن اتباع الجماعة الساعية للسُّلطة كالإيمان بالله ورسوله، وأن الإخوان لهم مكانة الأنبياء، وأن من ينشد فيهم مصلحة شخصية كمن يخالف النبى (ص)، وأن من يتشكك فى نواياهم كمثل الكفار الذين دعا لهم النبى بالهداية!

 

فى المقدمة نفسها التى تتضمن بديهيات الفكر الإخوانى، يخاطبنا البنا- نحن المختلفين مع الإخوان- تحت عنوان (نعتذر لمخالفينا).. فى هذه الرسالة يقول: «فلنلتمس العذر كل العذر لمن يخالفوننا.. ألسنا مسلمين وهم كذلك؟... لماذا لا نتفاهم فى جو من الصفاء والحب؟».. قرأت هذه العبارة على الشاشة متندرًا فى شتاء عام 2013 ضمن حوارى مع إخوانى تائب، بينما كان شريط الأخبار أسفل الشاشة يصف تفجيرات واعتداءات الإخوان على المنشآت الحيوية للدولة فى ذلك الوقت!

 

ولكن؛ من أين تأتى الجماعة بالمال؟ سؤال أزلى، أجاب عنه «البنا» فى أربعينيات القرن الماضى بقوله: «يتساءل الذين يرمقون الإخوان على بُعد قائلين: من أين ينفقون؟ وإنى أجيب هؤلاء بأن فى مال الإخوان القليل الذى يقتطعونه من نفقاتهم، ويقتصدونه من ضرورياتهم ومَطالب بيوتهم وأولادهم!».. يريد منا «البنا» أن نصدق أن كل هذه الأموال التى شيدت المقار، وأطلقت الصحف والمواقع والقنوات، واشترت السلاح، وموّلت المظاهرات والاعتصامات والرشاوى الانتخابية، هى حصيلة مدخرات الأسَر الإخوانية البسيطة، على حساب احتياجات البيوت والأولاد!

 

وفى موضع آخر من الكتاب الخطير، يضع «البنا» لأتباعه خريطة ما يسميه الإصلاح العملى فى المجال السياسى والقضائى والإدارى، ويبدأها بالقضاء على الحزبية، وحشد قوَى الأمّة فى وجهة واحدة (هى الإخوان بطبيعة الحال)، ثم توفيق القانون مع التشريع الإسلامى فى كل فروعه، وتقوية الجيش عن طريق الإكثار من تدريب الشباب على هيئة فرَق، و«إلهاب حماستها، على أسُس من الجهاد الإسلامى»، ثم تقوية الروابط بين الدول الإسلامية «تمهيدًا لاستعادة الخلافة الضائعة»، ثم بث الروح الإسلامية فى دواوين الحكومة، ومراقبة السلوك الشخصى للموظفين، وتطويع مواعيد العمل مع مواقيت الصلاة، وأخيرًا استخدام الأزهريين فى الوظائف العسكرية والإدارية!

هذه فى رأيى كانت بذرة خطة التمكين التى أسّس عليها الإخوان نهجهم خلال العام الأسود، والتى تتضح معالمها أكثر فى رسالة أخرى تحمل عنوان (لو كانت لنا حكومة)، لا يخجل فيها «البنا» من إظهار الغيرة من الشيوعية والفاشيستية والنازية؛ لأن لهم دولًا وأنصارًا وأموالًا، ثم يستنكر عجز الحكام فى مصر عن تحقيق هذه الأمنية؛ لأنهم تربوا فى أحضان الأجانب على حد تعبيره، ويحيل التكليف لمن وصفهم بالنشء الجديد فى جماعته، وصولًا للحاكم المسلم بالمعايير الإخوانية.

 ونأتى لأخطر ما فى رسائل «البنا»، وهو موقف الإخوان من فكرة الخلافة، فيقول إن الجماعة تضع العمل على إعادتها على رأس مناهجها، لكن ذلك يجب أن تسبقه خطوات، منها تكوين الأحلاف والمعاهدات، والاجتماع على «الإمام» الذى هو «ظل الله فى الأرض».. يقول ذلك بعد أن منح نفسه هذا اللقب، وكأنه كان يرى فى نفسه خليفة للمسلمين، وظلًا لله على الأرض، على حد وصفه!

أمّا فى موقف الجماعة من الأحزاب؛ فيقول «البنا» إن النظام النيابى الذى تنشده الجماعة «فى غنى عن الأحزاب»، وإن «كثيرًا من البلاد الدستورية البرلمانية تسير على نظام الحزب الواحد»!... تخيّل أن يكون هذا الحزب الأوحد فى بلد مثل مصر، إذا استمر حُكم الإخوان لها، هو حزب الحرية والعدالة!

 وأختتم ملاحظاتى حول هذا الكتاب الكاشف بفكرة الطاعة، التى يعرفها «البنا» فيما أطلق عليه (رسالة التعاليم) بامتثال الأمر وإنفاذه توًا فى العسر واليسر والمنشط والمكره... من غير تردد ولا مراجعة ولا شك ولا حرج! وهى الركن السادس من أركان بيعة الإخوان المزعومة!

لقد ابتكر «البنا» لجماعته بيعة مثل تلك التى صاحبت اعتناق الأفراد والجماعات والقبائل للإسلام.. لكنه زاد على البيعة التى أقرها النبى (ص) بالمصافحة والشهادتين، بابتكار عشرة أركان، فسّرها بآيات قرآنية وأحاديث نبوية؛ ليلبسها ثوبًا قدسيًا لا يقبل الشك والجدل!

خطورة الإخوان فى أنهم يدّعون امتلاكهم مفاتيح الآخرة، ولو لم ينجح الشعب فى الإطاحة بهم فى 30 يونيو؛ لكان نصف المصريين الآن فى النار!