الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
حقك.. 30 يونيو.. ثورة حقوق الإنسان

حقك.. 30 يونيو.. ثورة حقوق الإنسان

إذا بحثت عن أهم ملامح ثورة 30 يونيو ستجد أنها حركة الإنسان المصرى الذى تحرك بوعى شديد لإنقاذ وطنه من حكم جماعة فاشية اغتصبت إرادة المصريين واستبدت بحكم البلاد واحتكرت المناخ العام لصالح تيار ظلامى سعى لاختطاف مصر وتغيير هويتها الوسطية قسريًا.



كانت صرخة المصريين الهادرة فى كل ميادين مصر تملأ الفضاء رفضًا لاستمرار حكم جماعة الإخوان الإرهابية، كانت رسالة بعلم الوصول بأن المصريين شعب عريق صاحب حضارة يرفض أن يتم التلاعب بدولته فى سياق أى تجارب ديمقراطية هزلية أو ألعاب نفوذ دولية، وأنهم أصحاب القرار فى دولتهم واختيار من يحكمهم.

الإنسان المصرى هو مؤسس دولة 30 يونيو، وهو محور حركة الدولة منذ تحريرها من حكم الفاشية الدينية، والتزمت الدولة بالاهتمام بالإنسان وحقوقه وبناء أجياله الجديدة وتنمية قدرتها على مواجهة تحديات التقدم والتطور والتواكب مع متغيرات المستقبل.

بالتأكيد المهمة ليست سهلة، وتزداد صعوبتها مع تعقيدات الأزمة الاقتصادية وزيادة التحديات الأمنية مع تطور الخطر الإرهابى الذى يلاحق دول الشرق الأوسط، وهى أحد أسباب تدهور حالة حقوق الإنسان فى المنطقة العربية.

وكانت إشارة مهمة من الرئيس عبدالفتاح السيسى باتخاذه قرار إنهاء مد حالة الطوارئ الممتدة لعقود فى البلاد، لنجاح مصر فى مكافحة الإرهاب  واهتمام مصر بعدم تقييد حرية المواطنين مع تطور التعامل الأمنى مع التحدى الإرهابى، ثم إصدار الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان وما تضمنته من اعتراف الدولة بوجود تحديات تواجه التطبيق الشامل للاتفاقيات الأممية المتعلقة بحقوق الإنسان وتعهد الحكومة بالتعاون مع البرلمان المصرى بغرفتيه النواب والشيوخ على حلها.

والحقيقة أنه رغم التحديات وحملات التشكيك والتشويه التى تتعرض لها الدولة المصرية لسنوات من مؤسسات حقوقية دولية منحازة لرواية جماعة الإخوان الإرهابية، فإنها خطت خطوات واسعة فى مجال تعزيز وحماية حقوق الإنسان بإطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، والتى أعدتها اللجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان بالتعاون مع منظمات المجتمع المدنى ومؤسسات الدولة وبجهد وطنى خالص يؤكد أن حقوق الإنسان فى مصر عمل مؤسسى يقوم على الحوار بين الدولة وجميع مكونات المجتمع المدنى، تسعى به الدولة المصرية إلى تأسيس جمهوريتها الجديدة على أساس الاهتمام بحقوق الإنسان المصرى فى مستهل عصر جديد تواكب فيه الدولة المصرية كل تطورات العالم.

وكان لرمزية العاصمة الإدارية الجديدة دلالة مهمة فى اطلاق الاستراتيجية، فهى رمز الجمهورية الجديدة ودليل نجاح المصريين فى بناء دولتهم الجديدة وفق المعايير العصرية للعواصم الذكية حول العالم، وهى بمثابة تدشين لعلاقة جديدة بين المواطن والدولة تنطلق من المعايير الدولية لحقوق الإنسان، ولأول مرة تتعهد الدولة المصرية بكفالة حقوق الإنسان وفق مخطط زمنى، وهو ما يؤكد بشكل عملى أن المواطن المصرى هو محور عمل الدولة، وأن أمنه وسلامته وكرامته وتمكينه ثابت من ثوابتها.

وكانت الاستراتيجية جزءًا من عمل مستدام تقوم به الدولة لترتقى بحالة حقوق الإنسان باعتباره بناءً وطنيًا لا يقبل أى تدخل خارجى أو انتقادات مسيسة ، أو إملاءات وفرض ثقافات من الغرب، ودليل على نضج حركة حقوق الإنسان المصرية ونجاحها فى الوصول إلى مسار مستدام للحوار التفاوضى مع الدولة يستفيد به المواطن والمجتمع المدنى.

القراءة المتأنية للاستراتيجية الوطنية تشير إلى توجه مصر نحو بناء بنية تحتية تشريعية تعزز حقوق الإنسان المصرى بشكل يتماشى مع تعهدات مصر الدولية مع تمسكها بملامح هويتها المتفردة ومكوناتها الثقافية والدينية، ثم جاء إعلان الرئيس السيسى عن ‏تخصيص عام 2022 عامًا للمجتمع المدنى ليبرهن على استمرارية انفتاح الدولة ‏المصرية على التعاون والشراكة مع منظمات المجتمع المدنى، واستدامة حالة التشاور والحوار بينها وبين منظمات ‏حقوق الإنسان الوطنية والدولية وتتجلى حاليًا فى البدء بحوار وطنى للوصول إلى صيغة مشتركة لشكل الإصلاح السياسى الذى تحتاجه مصر.

وتتقدم دولة 30 يونيو على مؤشرات حقوقية أبرزها تمكين المرأة والشباب حيث حصلت المرأة على 128 مقعدًا من مقاعد ‏مجلس ‏النواب فى انتخابات عام 2021 بنسبة تجاوزت 28 ٪، بل أضحت ‏المرأة ‏المصرية قاضية ووزيرة بمجموع ثمانى وزيرات فى الحكومة ‏الحالية ‏بنسبة تقترب من «25 ٪»، فضلًا عن مساواة المرأة بالرجل فى ‏الأجر دون ‏تمييز على أساس النوع، وهو انتصار مهم للمرأة التى تجاهل حقوقها الفاشيست الإخوان، بل حاولوا إصدار تشريعات تتراجع عن مكتسباتهم. 

وعلى مسار الحقوق المدنية والسياسية  يظهر عدد من المؤشرات الإيجابية والانفراجات فى ملف المحبوسين على ذمة قضايا ذات صبغة سياسية، حيث استخدم الرئيس السيسى حقه المقرر بمقتضى ‏المادة 155 من ‏الدستور فى العفو عن بعض العقوبات السالبة للحرية ‏فى المناسبات ‏والأعياد القومية، فى استجابة للمطالبات من المجلس ‏القومى لحقوق الإنسان ومنظمات حقوقية، فأطلق سراح 56 ألف ‏سجين بموجب عفو رئاسى ‏منذ 2015، وهو ما يعكس فلسفة جديدة ‏من الدولة فى التعامل مع المسجونين، والالتزام بسياسة عقابية جديدة ‏تعتمد على فكرة الفرصة الثانية فى الحياة وفتح طريق العودة ‏للمجتمع لمن لم يتورط فى جرائم تمس أمن وسلامة البلاد.

وقد امتدت هذه الفلسفة إلى هدم السجون القديمة والبدء فى تحويلها إلى مراكز للإصلاح والتأهيل مع الالتزام بالمعايير الدولية، وهو ما ظهر فى افتتاح مركز الإصلاح والتأهيل فى وادى النطرون وبدر والنقلة الكبيرة التى تشهدها على مستوى الخدمات الطبية والتأهيلية والاهتمام بالمعاملة اللائقة للمحتجزين والقائمة على أن المحتجز لا يُعاقب مرتين وأن من حقه فرصة أخرى للحياة.

على صعيد التزام الدولة المصرية بتعهداتها الدولية من خلال تنفيذ التوصيات التى قدمت لها من المجتمع الدولى والمجلس الدولى لحقوق الإنسان، فقد التزمت بتنفيذ التوصيات التى طلبتها الدول الأعضاء الـ47 فى نوفمبر 2014 وعددها 300 توصية قبلت مصر منها 246 توصية تتعلق بالملف الحقوقى بشكل عام وهى نسبة قبول عالية تتخطى 82 ٪ وتقوم بتنفيذ تلك التعهدات بشكل طوعى ودون انتظار التوصيات الصادرة عن المجتمع الدولى، وهو ما يعكس رغبة الإدارة السياسية فى تنفيذ إصلاحات جذرية فى الملف الحقوقى.

ويشهد مسار الحقوق الاقتصادية والاجتماعية تطورات إيجابية عدة مع بدء تنفيذ المبادرة الرئاسية حياة كريمة والتى تستجيب لحل كثير من الأزمات المرتبطة بغياب الحق فى التنمية لسنوات عديدة وتتحدث التقديرات عن تكلفة تتجاوز ‏‏900 مليار جنيه ويستهدف تطوير  قرى الريف المصرى عبر ‏مشروعات تنمية مستدامة ويتم تنفيذه بالشراكة بين أجهزة الدولة والمجتمع ‏المدنى والجمعيات التنموية والخيرية ويستهدف المشروع  تحسين نمط حياة وإعادة صياغة ‏قرى الريف، وسد الفجوات التنموية بين المراكز والقرى ‏وتوابعها.‏

كما اهتمت مصر بقضية البيئة ووضعتها ضمن أولويات دبلوماسيتها الخارجية الجديدة، فى إشارة ذات دلالة على اهتمام الجمهورية الجديدة بقضايا التغير المناخى وأن مواجهة «الاحتباس الحرارى» أصبح ضمن عملية كبرى تتعاون فيها البشرية من أجل إنقاذ الكوكب والإنسان، ولذلك تقدمت مصر لاستضافة (COP 27) أو مؤتمر المناخ الدولى لعام 2022 بمدينة شرم الشيخ لدعم أجندة مصر الدولية للحفاظ على البيئة وتحقيق استدامة الموارد والاتجاه للاقتصاد الأخضر نيابة عن أفريقيا وتمثيلًا لها، ومع زيادة الثقة الدولية فى فاعلية التوجه المصرى نحو الطاقة النظيفة وتقليل الاعتماد على ملوثات البيئة، وقد فازت مصر بشرف الاستضافة بشرم الشيخ، مدينة السلام، لتساعد مرة أخرى فى إنقاذ الإنسانية بعدما نجحت فى وقف خطر الإرهاب الزاحف من الشرق إلى الغرب.

مع التقدم فى مسار حقوق الإنسان تزداد التحديات وربما يأتى على رأسها الأزمة السكانية، وتتالى حوادث العنف، وخطورة خطاب الكراهية والتحدى التشريعى بصدور قانون متوازن للأحوال الشخصية وهى كلها تحديات يتطلب حلها تعاونًا وشراكة بين الدولة والمجتمع، وأن تتوافر درجة من درجات الوعى لمواجهة تلك التحديات والتغلب عليها بروح الوحدة المميزة لثورة الإنسان فى 30 يونيو.