الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
لوم الضحية والتبريرات الانتهازية

لوم الضحية والتبريرات الانتهازية

تعنى متلازمة «لوم الضحية» محاسبة ضحايا الجرائم أو غيرهم ممن تعرّضوا لانتهاك ما على ما وقع لهم، وعلى قدر ما تتضمنه هذه التبريرات من خلل وقسوة واضحة فى حق الضحية؛ إلا أنها تكشف عن حالة من الهشاشة والضعف لدَى مَن يقومون بصياغتها وإطلاقها، هم خائفون حد الفزع، يبحثون عن أى تبرير يشعرهم بأن ما حدث للضحية لا يمكن أن يحدث لهم أبدًا، ومن هنا ربما؛ بل لا بُدّ أن تكون الإشكالية لدى الضحية، إنه افتراض «عدالة العالم» الذى يتحدث عنه دومًا علماءُ النفس، والذى يجعل الأشخاصَ يعتقدون أنهم فى منأى عن الأذى، وأن الأذى يقع للآخرين لسبب ما أو خلل خاص بهم، ولعل هذه المشاعر قد تكون مبررة فى بعض الأحيان وتحدث دون وعى أو قصد فى أحيان أخرى، ولكن فى حال اقترانها بحادث مثل حادث مقتل نيرة أشرف، تبدو الأمورُ هنا مختلفة تمامًا، فالاتجاه نحو التعاطف مع القاتل الذى قام علنًا بذبح الفتاة والتمثيل بها أمام أعين الجميع ورصدته بوضوح عدسات الكاميرات يُظهر خللاً من نوع ما، ولن أبالغ أبدًا وأقول بأن هناك خللاً ما قد أصاب المجتمع المصرى، ولن أتحدّث عن «انهيار القيم»، و«العطب» الذى يدعى الكثيرون أننا أصبحنا نعانيه، فمجتمعنا لا يزال بخير.



الجرائم تحدث فى جميع المجتمعات تقريبًا، تحدث حتى فى «المدن الفاضلة»، إلا أن توثيقها ونشر تفاصيلها للعيان هو الجديد فى الموضوع، منذ زمن ليس ببعيد لم يكن من المسموح بث المَشاهد التى تتضمن ممارسات وحشية، كانت هناك ضوابط تحكم بث المحتوى العنيف على الشاشات، ولكن الآن إمكانية الرقابة والحد من هذه المَشاهد أصبحت شبه معدومة، وأصبحنا نواجه شبح العنف والقتل والموت والممارسات الوحشية الشاذة وجهًا لوجْه دون «مونتاج»، ومن هنا جاءت الصدمة، التى تدفع بالبعض أحيانًا إلى الإنكار، وتدفع بالبعض الآخر إلى الانهيار، وربما تدفع بعض المنتفعين نحو استغلال مثل هذه الأحداث بانتهازية مخجلة لبث الرعب والخوف فى النفوس وتمهيد الطريق أمامهم للسيطرة على العقول بإيحاءات ورسائل موجَّهة تقول فى مجملها: « قطعًا لن يحدث لك مثلما حدث إذا سمعت نصيحتى»، وهؤلاء هم النموذج الأخطر هنا.

إن نموذج «المبرّر الانتهازى» هذا هو ما ينبغى الوقوف أمامه والبحث عن سُبُل لتحجيم تأثيره والحد من انتشار رسائله بين العامّة، وذلك من خلال طمأنتهم بأن ما حدث لا يعدو أن يكون فعلاً شاذًا واستثنائيًا، وأن هناك قانونًا رادعًا يتم تطبيقه، وأن هناك محيطًا داعمًا وحاميًا وقادرًا على خَلق مجتمع آمن، وبالتالى فبدلاً من تلميع والحديث عن رسائل الانتهازيين، وتكرار الحديث عن السلبيين الذين لم يمدوا يد العون أو قاموا بتصوير الواقعة عن بُعد دون بذل محاولة لنجدة الضحية، نتحدث عن هؤلاء الأبطال الذين يقومون بالتصدى والمواجهة والحماية، فتكرار الحديث عن وجود خلل يرسّخ قناعة بوجوده.. لاحظ أن النظريات تتحدث عن الفجوة الكبيرة بين الواقع المدرَك والواقع الحقيقى، لا يرى الناس فى الغالب حقائق الأشياء؛ ولكن يدركونها وفقًا لطريقة بثها وتصويرها أو حتى وصفها لهم، تشير الدراسات أيضًا أنه لا توجد علاقة واضحة بين حجم الجرائم وشعور الأشخاص بالأمن، وهو ما أظهرته المسوح من أنه فى العديد من المجتمعات التى يتراجع فيها حجم الجريمة يحيا مواطنوها فى شعور دائم بالتحفز والخوف.

صناعة الخوف ونشره وفتح المجال للأحاديث المختلة وغير المتوازنة هو الخطر الأكبر فى مجتمع يمر بمرحلة انتقالية حرجة، إفساح المجال لأحاديث الخوف والتهديد، وتكرار الحديث عن أننا على حافة الانهيار يلقى بنا إلى الهاوية، ويُحَوّلنا إلى مجتمع هَش قابل للتفكك. تكرار قول الزيف وترديده قد يُحَوّله إلى حقائق أحيانًا، والعويل الدائم هو الذى يخلق المآتم.