السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
ع المصطبة.. الصحف الورقية باقية لن تموت

ع المصطبة.. الصحف الورقية باقية لن تموت

لا ينكر أحدٌ أن الصحافة الورقية فى مصر، بل فى الوطن العربى، تعانى مشكلات جَمّة، لكن هل هذا لكون الصحافة الورقية تجاوزها الزمنُ، وأنها باتت تحتضر؟ أمْ أن هناك أسبابًا أخرى؟



من وجهة نظرى؛ فإن الصحافة الورقية باقية بقاء الكلمة المكتوبة، ولن ينازعها العرشَ أىٌّ من فنون العمل الصحفى الأخرى؛ بل إن هذه الفنون مجتمعة تلعب أدوارًا تكمّل بها كل منها الأخرى، وسيظل للصحافة الورقية دورُها المؤثر، والدليل على ذلك استمرار قوة وتأثير الصحافة الورقية فى الدول المتقدمة التى لا تزال تحقق نسب توزيع عالية.

إذا كان الأمرُ كذلك؛ فما هى أسباب تراجُع الصحافة الورقية العربية بشكل عام  والمصرية بشكل خاص، ومعاناتها التى أثقلت كاهلها بأعباء مادية ضخمة؟

بداية؛ فإن الأمْرَ المؤكدَ أن الصحافة بشكل عام تتنفس من خلال رئتين هما: حرية التعبير، ومهنية القائمين عليها؛ بل إن المهنية تتقدم فى أهميتها على مساحة حرية الرأى، فالمعلوم أنه تحت أى سقف حريات مَهما كان منخفضًا، يستطيع الصحفى المتمتع بمهارات مهنية حقيقية تقديم مطبوعة احترافية تجذب القارئ، وعلينا أن نعترف بأن مستوى المهارات المهنية بات ضعيفًا؛ خصوصًا مع الأجيال الشابة، نتيجة لتدنى مخرجات التعليم، وتراجُع معدلات المعرفة لديهم، بالإضافة إلى وجود دخلاء على المهنية يأخذون منها ولا يقدمون شيئًا.

فوق كل ذلك؛ فإن تراجُعَ المستوى المهنى، وتراكم المشاكل جعل بعضًا من المسئولين عن الصحف يعتقدون، أن الصحافة الورقية تحتضر، شعارهم فى ذلك «إكرام الميّت دفنه»، ومن ثم انصرفوا عن بذل أى جهد للتطوير والإصلاح.

هناك عنصر ثالث بالغ الأهمية فى مجال العمل الصحفى، وهو القارئ، وهنا تكمن المعضلة الثانية، فوفقًا لبعض الدراسات فإن المواطن العربى يقرأ بمعدل 6 دقائق سنويًا، بينما يقرأ الأوروبى بمعدّل 200 ساعة، وتشير الدراسات إلى أن نصيب القراءة فى الوطن العربى لا تزيد على 1 ٪ مما تتم قراءته فى العالم، وأن كل 20 عربيًا يقرأون عدد صفحات كتاب فى السَّنة، فى مقابل فرد واحد يقرأ 7 كتب فى السَّنة فى أوروبا، وإذا أضفنا إلى ذلك نوعية المادة التى يقرأها المواطن العربى فإن هذه النسبة تتلاشى شيئًا فشيئًا.

لذا؛ فإن التربة التى يفترض أن تنمو فيها الصحافة الورقية، وهى شغف القراءة، تكاد تكون بورًا جرداء، وهذا نتاج طبيعى لتعليم اعتمد على مدار العقود الماضية على التلقين والحفظ من أجل النجاح دونما أى تراكم معرفى يُذكر؛ بل إن الطالب المتفوق ممن يلتحقون بما يطلق عليه كليات القمّة، ربما لم يقرأ فى حياته أى كتاب خارج المناهج الدراسية.

لكن يظل السؤال: هل هناك مستقبل للصحافة الورقية؟

المنطق، ودروس التاريخ تؤكد أن الصحافة الورقية ستظل باقية، وهناك بارقة أمَل فى تطوير تعليم يعتمد على التراكم المعرفى، وعلى نهضة تعظم قيمة القراءة، ولكن لن يتم ذلك بين ليلة وضحاها، فإصلاح ما نتج عن تجريف الهوية الثقافية على مدار عقود سوف يستغرق وقتًا، لكنه سيتم عاجلًا أمْ آجلًا.

بالتوازى مع ذلك، علينا الاعتراف بما أصاب الصحف الورقية من تراجُع على مستوى المهارات المهنية، فكيف يمكن لصحفى لا يقرأ ولا يطوّر من أدواته، أن يقدم وجبة صحفية تستحق القراءة؟!

الرهان الآن على جيل جديد يعيد تجسير الفجوة المهنية التى اتسعت خلال العقد الأخير؛ ليعيد للمهنة روحَها التى انزوت وذبلت، ويستعيد معها شغف مهنة البحث عن المَتاعب وعن كل ما هو جديد ومفيد.