الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
هل جميعنا فاسدون؟.. لدى علماء النفس الإجابة

هل جميعنا فاسدون؟.. لدى علماء النفس الإجابة

هناك واحد من كل أربعة أشخاص فى العالم أقَرّ بأنه دفع رشوة فى العام الماضى، وذلك وفقًا لبيانات منظمة الشفافية الدولية، وهو ما يعنى وصول الفساد إلى درجة انتشار مخيفة ومثيرة للتساؤل، لماذا هذا التنامى المستمر رُغْمَ ما يتم بذله عالميًا من جهود فى محاولات مكافحة الفساد؟ لا شك فى أن هناك فجوة ما تشير إلى أن جهود المكافحة تلك منقوصة أو تسير فى الاتجاه الخاطئ، وعند السير فى تسلسل منطقى لمحاولة التعرف على هذا الجزء المنقوص يتعين الوقوف عند مدَى صحة تشخيص الداء ومسبباته، فعند النظر لمسببات الفساد نجد كمًا هائلاً من النظريات والرؤى التى تربط بين الفساد الخصائص الهيكلية للمجتمع، مثل العوامل السياسية والاقتصادية والمؤسَّسية والقيم الاجتماعية والأخلاقية والثقافية التى «تبرّر» الفساد أحيانًا، وتحوله إلى سلوك مقبول ضمنًا.



تلك العوامل مجتمعة لا تجعل التحول إلى ممارسة السلوك الفاسد نتيجة حتمية؛ فقد يخضع فردان لهذه العوامل مجتمعة ويتقبل أحدهما الرشوة بينما يرفضها الآخر، وهو ما يوجّه أنظارنا حتمًا إلى تأثير الفروق الفردية بين الشخصيات، التى يبدو أنها عامل مهم وحاسم وغالبًا ما يتم إهماله عند محاولة تحليل دوافع وتوابع وسُبُل مكافحة الفساد، فعند تأمُّل السلوك الفاسد أو الأشخاص الذين ينغمسون فى ممارسات فاسدة يُثار تساؤل مهم قلما يتم طرحه رُغم بديهيته، وهو: هل جميعنا فاسدون؟ أو بصياغة أكثر دقة هل جميعنا يملك الاستعداد الفطرى للفساد؟ هل هناك شخصيات أكثر مَيْلاً لممارسة السلوكيات الفاسدة مقارنة بغيرها؟ وإن لم يكن هناك هذا الاستعداد لماذا يوضع شخصان فى نفس الظروف الاجتماعية والاقتصادية وفى نفس السياق وأحدهما يتقبل الرشوة بينما يرفضها الآخر؟

وقد حاول العديد من علماء النفس إجراء تجارب معمقة عن تأثير الفروق الشخصية بين الأفراد على مدَى احتمال انغماسهم فى السلوك الفاسد من عدمه وقاموا بإجراء العديد من التجارب فى هذا الصدد، التى توصّلوا من خلالها إلى الكثير من النتائج المهمة والحاسمة، فقد أشار البعض إلى أن هناك بعضًا من سمات الشخصية التى تزيد من احتمال ممارسة الفساد، مثل الغطرسة وسمات الشخصية النرجسية، وغيرها؛ بل إن هناك دراسات ربطت بين العوامل البيولوچية والفساد، ولكن على الجانب الآخر تشير دراسات الاقتصاد السلوكى وعلم النفس إلى أن معظم أعمال الفساد لا ترتكب فجأة وأن الانزلاق إليها يأتى بصورة تدريجية، ولعل أبرز ما توصلت إليه الدراسات النفسية للسلوك الفاسد هو: أن تصور ما يفعله الآخرون وليس بالضرورة ما يُعتبر مقبولًا هو الذى يقود السلوك الفاسد، أى ببساطة «أنا أتلقى رشوة لأن الآخرين يفعلون ذلك أيضًا، رُغم أننى أعلم أنه خطأ»، والحقيقة هى أن فكرة الصواب والخطأ يقودها السلوك الجمعى، عندما يتحول الفساد إلى ممارسة جماعية ينسلخ من كونه سلوكًا مرفوضًا ومجرَّمًا ويصبح سلوكًا معترفًا به ضمنًا فى الممارسات اليومية، وبالتالى يأتى الفساد كنتيجة طبيبعة لعوامل وسمات شخصية مهيأة وبيئة مجتمعية حاضنة ومتسامحة مع الفساد، وهو ما ينتج فى النهاية «فساد منظم»، وهو أخطر أنواع الفساد، فعند الوصول لهذه الدرجة يتحول الفساد إلى جزء لا يتجزأ من المنظومة، ويتم التعامل معه بوصفه شيئًا عاديًا، أو «شر لا بُدَّ منه»، وهنا تكمن خطورته، وتصبح مكافحته معركة يائسة لأنها قد تتضمن حربًا على المنظومة بأكملها.