الأحد 29 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

عُقد الكبت الجنسى فى«سرير الأسرار» المغربى و«شلاط تونس»

عُقد الكبت الجنسى  فى«سرير الأسرار» المغربى و«شلاط تونس»
عُقد الكبت الجنسى فى«سرير الأسرار» المغربى و«شلاط تونس»


 
من بين الأفلام التى عُرضت فى الدورة العاشرة لمهرجان دبى السينمائى تكتسب تجربة المخرجة التونسية كوثر بن هنية فى فيلمها «شلاط تونس» وتجربة المخرج المغربى جيلالى فرحاتى فى فيلم «سرير الأسرار» أهمية كبيرة لاقترابهما من الواقع الاجتماعى، والحس الإنسانى الذى يميزهما، وزاوية الطرح التى اختاراها، وعكست جرأة من جانبهما، وفهماً واضحاً لوظيفة السينما.. ودورها.
 
 
 
فى فيلم «شلاط تونس» «إنتاج تونس وفرنسا وكندا والإمارات العربية المتحدة / 2013» تفتح كوثر بن هنية ملف القضية التى أثارت الرعب فى المجتمع التونسى، عقب قيام شاب تونسى، صيف عام ,2003 بالتجول فى شوارع تونس بدراجته البخارية، وتعمده ضرب مؤخرات الحسناوات والجميلات التونسيات بسكين فى يده، وعادت المخرجة، بعد عشر سنوات من الحادث، لتبحث ملابساته، وتُميط اللثام عن أسراره، بعد أن خالجها شعور بأن ثمة من أضفى هالة أسطورية على الشاب، وغموضاً على الحادث، بينما لا يوجد دليل ملموس على أرض الواقع يؤكد ما جرى، بل إن الجميع يتحدث عن شخص مجهول!
 
إثارة تجربة «شلاط تونس» «89 دقيقة»، ليست فى تناول الحادث الذى كتبت المخرجة على الشاشة أنه تكرر بشكل مماثل فى مصر وسوريا، وإنما فى براعة المخرجة فى المزج بين الصيغتين الروائية والوثائقية، وقدرتها على صنع فيلم ممتع كشف أن رقعة «التطرف» تتسع بشكل ينبئ بالخطر، فالشباب التونسى الذى التقته أجمع على أن «التشليط جزء من ثقافتنا العربية»، وأثنى على ما حدث من الشاب «المجهول»، بحجة أنه كسر شوكة «المغرورات»، وقاوم انحراف الفتيات، اللاتى كن ترتدين «الجينز الضيق غير المحترم»، واللاتى يتوجب «اغتصابهن» إذا لزم الأمر!، بل إن بعضهم رأى أن ما حدث هو من قبيل «النهى عن المنكر» المتبع فى السعودية. وفى خطوة تالية التقت المخرجة ضحايا «الشلاط» ممن فوجئن ببلل فى مؤخراتهن اكتشفن بعده أنه ناتج عن الدماء التى سالت بعد «التشليط»، واتفقن جميعاً على أن «الألم راح لكن الخوف لم يذهب»، بل إن إحداهن رسمت «تاتو» ـ وشم ـ على مكان الطعنة لتخفى آثارها!
 
 
المثير أن المخرجة نجحت فى إقناع عدد كبير من الشباب بتقمص دور «الشلاط» مقابل حفنة من الدينارات، لكن الشاب «جلال الدريدى»، الذى اتهم بارتكاب الحادث، قبل أن يُفرج عنه لعدم كفاية الأدلة، اقتحم المكان، وهدد الجميع بالعقاب، فما كان من المخرجة سوى أن اقتفت أثره، والتقت أمه، التى بدت فخورة بما فعل، وبعودته إلى المنزل لم يُمانع فى الحديث للمخرجة، والكاميرا، وأكد أن الأجهزة الأمنية قبضت عليه فى حادث سرقة سيارة، ولم يُقبض عليه متلبساً فى حادث «التشليط»، ونفى اتهامه بأنه مريض نفسياً، وإن لم ينكر فشل قصة حبه، وغضبه من فتاته، وأنه يحب أمه فقط. والطريف أنه كان يرتدى «تى شيرت» عليه صورة آل باشينو فى فيلم «الوجه ذو الندبة» َّcarface واستثمر الحادث، وحوله مع صديق له إلى لعبة فيديو، فقد صدق نفسه، وعاش فى دور «شلاط تونس»، بعد أن اتسعت شهرته، وذاع صيته، بينما أدركت كوثر بن هنية أن لديه حضوراً لكنه يعانى كبتاً، وأنه «كبش فداء»، و«صنيعة النظام»، الذى تعمد بث الشائعة ليشغل الناس فى مرحلة ما من حكم الرئيس السابق زين العابدين بن على، ويصرف الأنظار عما يحدث فى المنطقة العربية، إذ إن 2003 هو عام احتلال أمريكا للعراق!
 
طفلة فى أحضان الرذيلة 
 
جرأة من نوع آخر تمثلت فى فيلم «سرير الأسرار» «إنتاج المغرب وقطر / 2013» الذى استلهم المخرج المغربى جيلالى فرحاتى أحداثه من قصة بنفس العنوان للروائى المغربى البشير الدامون «صاحب رواية أرض المدامع» فالفيلم يبدأ باستدعاء البطلة إلى «المشرحة» لتتعرف على جثة امرأة ترقد هناك، وعبر السرد غير التقليدى، و«الفلاش باك»، وتداخل الماضى والحاضر، نتعرف إلى البطلة، التى كانت تظن حتى زمن قريب أنها ابنة هذه المرأة، وبسببها تحملت الكثير من سخرية زميلاتها فى المدرسة، وإهانة واحتقار أهل الحارة التى تسكنها، لأنها تُدير منزلها للدعارة، وبرقة بالغة، ومصداقية كبيرة، ولغة سينمائية لا تغيب عنها العذوبة، واللمسات الإنسانية التى تفيض بالتعاطف مع مأساة شريحة تعانى الفقر والقهر والضغوط الاجتماعية والاقتصادية، يُبحر الفيلم فى رحلة الألم، التى اختار السّيرة الذاتية للأنثى ـ البطلة ـ ليحكى مأساة مدينة بأسرها، ومجتمع بأكمله، فالطفلة لا تستوعب حقيقة ما يجرى من حولها، من نظرات ازدراء، وإصرار الأهالى على تحذير أطفالهم من التعامل معها، وكثرة أعداد الرجال والنساء، الذين يتواجدون فى المنزل، والمعارك التى تدخل أمها «زاهية» طرفاً فيها، فقد بكت يوم أن اعتذرت لها صديقتها «سعيدة» بأنها ستنفذ أوامر أمها، وستمتنع عن مرافقتها إلى المدرسة، أو اللعب معها، لأن «داركم دار بغايا، وأن أشياء قبيحة تجرى فيه، كما أن أمك امرأة غير شريفة»، وانتابتها الدهشة لأن أم تحنو على طفليها، وتبتاع لهما «البالون الملون»، وتخرج بهما فى نزهة، بينما لا تتعدى علاقتها وأمها جدار البيت الذى تمارس فيه مجونها، والأبواب المغلقة بينهما، ولا تعرف غير الرجل ـ القواد ـ الذى أمرتها أمها بأن تدعوه «بابا»، ولولا الشفقة التى تُبديها العجوز «رحمة»، وزوجها المستنير، الذى يفهم صحيح الدين تجاهها، لما عرفت أن «الدنيا فيها خير». وطوال زمن الأحداث «87 دقيقة» يفضح «جيلالى فرحاتى» غلاظ القلوب من المدعين والأفاقين والمتاجرين بالدين، ويطالبهم بالرحمة، وإيجاد الأعذار للناس، ويُذكرهم بالآية الكريمة: «ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا لتبتغوا عرض الحياة الدنيا ومن يكرههن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم»، ويكشف زيف إمام المسجد، وفى المجمل العام يؤكد المثل الشائع: «الآباء يأكلون الحصرم والأبناء يضرسون»، فالطفلة التى لا ذنب لها تمشى منحنية الظهر، مكسورة النفس، شاخت قبل أوانها، بينما الواقع يذخر بالضحايا والمقهورين «الأم تعبر عن هذا المعنى بترنيمة حزينة»، ويُنهى المخرج فيلمه بلقطة بانورامية للمدينة، وقد أحيطت بالقضبان!