الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
حقك.. حرب الشرق والغرب على حقوق الإنسان اختفاء متابعة الصحف الغربية دليل دامغ على ازدواجية المعايير شيرين أبو عاقلة.. الاغتيال لا يزال مستمرًا  "9"

حقك.. حرب الشرق والغرب على حقوق الإنسان اختفاء متابعة الصحف الغربية دليل دامغ على ازدواجية المعايير شيرين أبو عاقلة.. الاغتيال لا يزال مستمرًا "9"

بدون مقدمات، وكما هو متوقع، اختفت أخبار التحقيقات فى اغتيال الإعلامية الفلسطينية الكبيرة شيرين أبو عاقلة من الصحف الدولية وتوقفت الفضائيات العالمية عن تناول القصة، وبدأت عملية محاصرة المتابعة الإخبارية لحادث اغتيالها والمطالبة بفتح تحقيق عادل وتقديم مرتكب الجريمة للعدالة ومحاسبة جيش الاحتلال على تلك الجريمة فى حق الإعلام والصحافة وهى جريمة حرب مكتملة الأركان بموجب اتفاقية جنيف والنص فيها على حماية الصحفيين فى مناطق الحروب.  



اغتيال شرين لايزال مستمرًا.. بل إن مشهد هجوم القوات الإسرائيلية على جثمانها أثناء تشييعه، ثم وقف  إجراءات تحويل قضيتها للمحكمة الجنائية الدولية باعتبارها جريمة حرب بطلب أمريكى، كلها إشارات لوجود محاولات لعدم إدانة إسرائيل وإبعاد الاتهام عن الجيش الإسرائيلى، كما أن طلب الولايات المتحدة وقف أى تحركات فلسطينية لتحويل القضية إلى المحكمة الدولية إشارة إلى عدم رغبة الطرف الأمريكى فى التصعيد ضد إسرائيل دوليًا فى تلك الجريمة، وتعاملت الصحافة الأمريكية مع اغتيالها بحرص شديد ودون توجيه اتهام واضح للقوات الإسرائيلية واعتبرته حادث قتل مقيد ضد مجهول، وكانت تغطية صحف مثل نيويورك تايمز وواشنطن بوست هادئة ومقتضبة رغم أن تلك الصحف تعلن انحيازها لحقوق الإنسان وحرية الرأى وحماية الصحفيين وتوقفت تغطية القضية رغم أن الفاعل لا يزال مجهولاً والتزمت تمامًا بما قاله جيش الاحتلال رغم أن الجميع يعلم أنه يسعى لإخفاء أى دليل على تورطه فى تلك الجريمة ضد حرية الصحافة، وحرية الرأى والتعبير، وحق الإنسان فى الحياة.

تصنف جريمة اغتيال شيرين أبو عاقلة وفق القانون الدولى الإنسانى على أنها جريمة حرب وينص على أن الصحفيين المدنيين الذين يؤدون مهماتهم فى النزاعات المسلحة يجب احترامهم وحمايتهم من كل شكل من أشكال الهجوم المتعمد.

وتنص المادة 79 من البروتوكول الأول الإضافى إلى اتفاقيات جنيف لعام 1949 على معاملة الصحفيين الذين يباشرون مهمات مهنية خطرة فى مناطق النزاعات المسلحة أشخاصًا مدنيين ويجب حمايتهم بهذه الصفة.

ووفق تلك المادة تحركت الخارجية الفلسطينية وتقدمت بمذكرة إلى المحكمة الجنائية الدولية، مرفقة بأدلة دامغة لإثبات واقعة الإعدام المتعمد لشيرين أبو عاقلة، حيث توصلت تحقيقات النيابة العامة الفلسطينية إلى أدلة دامغة تفيد بأن جنود الاحتلال عمدوا إعدام شيرين أبو عاقلة، وطلبت الخارجية الفلسطينية فتح تحقيق دولى عادل، والتحقيق فى جرائم الاحتلال الإسرائيلى، وإصدار مذكرات بحق المجرمين ومن يقف خلفهم؛ لافتة إلى أن الحكومة الإسرائيلية تتحمل المسئولية الكاملة عن الإعدامات الميدانية للفلسطينيين، مؤكدة أن هذه الجرائم لا تُرتكب مصادفة إنما عبر أوامر مباشرة.

وطلبت الخارجية الفلسطينية من المدعى العام للجنائية الدولية، كريم خان، التوقف عن تسييس المحكمة والكف عن سياسة الكيل بمكيالين، والالتزام بميثاق روما وخروج المحكمة الجنائية الدولية عن صمتها وعدم الخضوع لضغوط سياسية تعيق عملها؛ وتحقق فى جرائم الاحتلال فى الأراضى الفلسطينية، لوضع حد لإفلات الاحتلال من العقاب.

والحقيقة أن موقف المحكمة من الجرائم الإسرائيلية لايزال متراجعًا مترددًا بل مرتعشًا فى كثير من الأحيان حيث تقدمت الخارجية الفلسطينية بثلاثة ملفات كبرى، حول عملية الاستيطان والفصل العنصرى وجرائم الحرب التى ارتكبها الاحتلال أثناء حربه على غزة عام 2014، والتنكيل بالأسرى، ورغم وضوح الجرائم وتعدد الأدلة وعدالة القضية إلا أن المحكمة تُرجيء الملفات بحجة أنها تواصل تحقيقاتها للتحقق إذا ما كان هناك جرائم حرب قد ارتكبت .

بل إن حصول شيرين على الجنسية الأمريكية لم يضغط على الإدارة الأمريكية للتحرك من أجل الوصول للجانى ومحاكمته، بل كانت التحركات الأمريكية خجولة بالمقارنة إلى تحركات أخرى قامت بها فى قضايا مشابهة تسلحت فيها الإدارة الأمريكية بسياستها الخارجية الداعمة لحقوق الإنسان، إلا أن كل ذلك اختفى فى قضية شيرين لأن الأمر يتعلق بجريمة إسرائيلية.

قضية شيرين كشفت الانتقائية الغربية فى التعامل مع الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين، وأن حماية إسرائيل من دفع فاتورة جرائمها المتعددة ضد الإنسانية يظهر ازدواجية المعايير والكيل بمكيالين لدى الغرب وهو ما دفع الجانب الفلسطينى إلى مقارنة تعامل الغرب مع القضية الأوكرانية وتوجهه إلى الجنائية الدولية لإدانة روسيا فيما يصاب بالخرس والخوف حينما يتعلق الأمر بجرائم إسرائيل ضد الفلسطينيين.

جريمة شيرين ليست الأولى ولا الأخيرة ضد الصحفيين فى الأراضى المحتلة وكشف تقرير أصدره «نادى الأسير» الفلسطينى، بمناسبة اليوم العالمى للصحافة مواصلة سلطات الاحتلال اعتقال الصحفيين الفلسطينيين والتضييق عليهم، عبر جملة من السياسات التنكيلية الممنهجة، وأبرزها عمليات الاعتقال، فمنذ مطلع العام الجارى 2022 استمر الاحتلال فى اعتقال الصحفيين والنشطاء ونفذ العديد من الاعتداءات بحقّهم تسببت بإصابات بين صفوفهم، لاسيما مع تصاعد المواجهة الراهنة وتحديدًا خلال شهر أبريل الماضى».

وأضاف «نادى الأسير»: «سلطات الاحتلال تواصل اعتقال 15 صحفيًا فى سجونها من بينهم الصحفية بشرى الطويل المعتقلة إداريّا، وتفرض عليهم ظروف اعتقالية قاسية، كما جميع الأسرى والأسيرات فى سجون الاحتلال».

كما أكد المركز الفلسطينى للتنمية والحريات الإعلامية أن قوات الاحتلال الإسرائيلية ترتكب مختلف أنواع الاعتداءات على الصحفيين لا سيما الاعتداءات الجسدية منها، وباتت شبكات التواصل الاجتماعى تشكل بوابة أخرى لقمع الحريات الإعلامية ومحاربة المحتوى والرواية الفلسطينية، وذلك استنادًا لرؤية ولمعايير دولة الاحتلال الإسرائيلية، منذ الاتفاق أو التفاهمات التى توصلت إليها شركة «فيسبوك» مع إسرائيل سنة 2016. وحسب التقرير، فإن المركز رصد ووثق خلال العام 2019 مجموعه 678 انتهاكًا ضد الحريات الإعلامية فى الضفة الغربية وقطاع غزة (بما فيها مدينة القدس الشرقية)، ما يشكل ارتفاعًا إجماليًا مقداره 94 نقطة (16%) عن مجمل عدد الانتهاكات المسجلة فى العام 2018 الذى سبقه، مشيرًا إلى أن هذا الارتفاع جاء أساسًا كنتاج لما ارتكبته شركات التواصل الاجتماعى (فيسبوك تحديدا) من انتهاكات.

وأوضح التقرير إن تعامل قوات الاحتلال مع وسائل الإعلام ازداد عنفًا، وأن نسبة الاعتداءات الجسدية من مجموع الاعتداءات الإسرائيلية المسجلة ازدادت مقارنة بما كانت عليه وشكلت ما نسبته 54% من مجمل الاعتداءات الإسرائيلية.

وجاءت الاعتداءات الإسرائيلية وفقًا للتقرير ذاته ضمن 11 نوعًا، منها خمسة أنواع تعتبر الأشد خطورة على حياة الصحفيين والحريات الإعلامية وهى: الاعتداءات الجسدية، واعتقال الصحفيين أو توقيفهم، ومصادرة أو احتجاز أو إتلاف معدات العمل، واستخدام بعض الصحفيين كدروع بشرية أثناء عملهم فى الميدان، وإغلاق أو تدمير المؤسسات الإعلامية. 

وأشار المركز إلى أن العنف الشديد والاستهداف المباشر والمتعمد أصبح الخيار الأول لقوات وسلطات الاحتلال الإسرائيلية فى تعاطيها اليومى مع الصحفيين ووسائل الإعلام، ضمن مساعيها لإقصائهم عن ميادين العمل، فمن بين مجموع الإصابات الجسدية التى ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلية ضد الصحفيين كان إصابة العديد منهم بأعيرة نارية ومعدنية ومطاطية وبقنابل غاز مباشرة، وهو ما ألحق بالعشرات منهم إصابات شديدة وخطيرة،كحالة الصحفى معاذ عمارنة الذى فقد عينه اليسرى جراء عيار نارى أطلق نحوه بينما كان يغطى احتجاجًا شعبيًا سلميًا فى صوريف بالخليل، كما أصيب عدد كبير من الصحفيين غاز مباشرة أطلقها الجنود الإسرائيليون مما أدى إلى إصابتهم فى الأجزاء العلوية الحساسة من الجسد.

وأشار التقرير لوجود خيط ناظم يجمع حالات انتهاك الحريات الصحفية بانتقاد الحكومة الإسرائيلية وكل من يدين ممارسات جهاز الاحتلال الإسرائيلى المركب ضد الشعب الفلسطينى. 

قضية شيرين أبوعاقلة وحرية الصحافة فى الأراضى المحتلة كاشفة إلى أن الغرب يتعامل مع قضايا الحريات الإعلامية بانتقائية شديدة، وأن الجرائم الإسرائيلية ضد حقوق الإنسان الفلسطينى غير قابلة للمحاسبة وأن سياسة ازدواجية المعايير تحكم حركة كثير من القوى الغربية المتشدقة بحقوق الإنسان وهو يعطى الفرصة للجانى الحقيقى فى الفرار إلى الأبد.