الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
الطريق الثالث.. صفحات (منسية) من تاريخ الحركة الشبابية  محاولات إخوانية فاشلة لاغتيال حورس بعد «علقة هندسة» (2)

الطريق الثالث.. صفحات (منسية) من تاريخ الحركة الشبابية محاولات إخوانية فاشلة لاغتيال حورس بعد «علقة هندسة» (2)

نجحنا فى أول اختبار وانتزعنا 14 مكانًا فى اتحاد طلاب (الإخوان) فى كلية الهندسة جامعة القاهرة قبل أن ينتهى عام 1992 بأسابيع قليلة، وتصدر الخبر غلاف مجلة «روزاليوسف»، وانتبه الجميع لهذا التنظيم الوليد الذى باغت الإخوان فى أقوى معاقلهم، ونجح أيضًا طلاب أسر حورس فى كليات أخرى بالجامعة، بعد أن انتشرت الأسرة وراجت الفكرة فى 17 كلية داخل جامعة القاهرة فى عامنا الأول، وكعادة كل نجاح، يتكاثر حوله الأعداء من كل اتجاه.



كان النجاح كبيرًا ولافتًا، وهو ما دفع أجهزة حكومية أخرى لمحاولة استنساخه فى بعض الجامعات، وكانت خسارة الإخوان كبيرة وقاسية، دفعتهم إلى شن حرب شرسة على حورس فى كل مكان وخاصة وسائل الإعلام، وعبر وسائط مختلفة منها منابر المساجد والزوايا التى خضع الكثير منها لنفوذهم الظاهر أو الخفى خلال عصر مبارك، لقد مثّلت خسارتهم زلزالًا سياسيًا كبيرًا، أفقد الجماعة وقارها وصورتها الطيبة التى اجتهدت دائمًا للحفاظ عليها أمام المجتمع، كان زلزالًا لا يقل فى قوته وقسوته عن زلزال كبير حقيقى شهدته مصر فى 12 أكتوبر من نفس العام، عام 1992، واهتز معه الوطن كله وفقد اتزانه.

ولمعرفة قيمة كلية الهندسة بجامعة القاهرة تاريخيًا عند الإخوان، أنقل لكم من أهم وأفضل مراجع الحركة الطلابية والشبابية فى تاريخ مصر، الكتاب الملهم «الطلبة والسياسة فى مصر» لمؤلفه الراحل الدكتور أحمد عبدالله رزة (رحمه الله)، حيث يقول: «ظهرت الأصولية الإسلامية فى الجامعات المصرية فى خضم انتفاضة (1972-1973) التى كان يتزعمها اليساريون، حيث أعطى اللقاء الذى تم فى منتصف مايو بين بعض قيادات الأصولية الإسلامية، وبين دوائر حكومية معينة، دفعة أولية للأصولية فى الجامعات المصرية، خاصة فى هندسة القاهرة، حيث تشكلت جماعة شباب الإسلام».

ومثلما انطلق الإخوان من هندسة القاهرة، فعلت حورس دون قصد أو ترتيب، ويبدو أنه قدر طلاب هذه الكلية فمنهم دائمًا ما يخرج من يقود الجامعة فكريًا، ينطلق من كليته ثم يمتد إلى كليات الجامعة الأخرى، وحدث ذلك قبل الإخوان وحورس عندما انطلق الاشتراكيون بقيادة المهندس أحمد بهاء الدين شعبان من الكلية نفسها فى نهاية الستينيات ومطلع السبعينيات، ليمثل ورفاقه آخر أجيال اليسار والتيار الناصرى فى الجامعة قبل أن يحتلها الإخوان ويحتكروا النشاط الطلابى فى الكلية ثم الجامعة من نهاية السبعينيات وحتى ظهور أسر حورس فى التسعينيات.

وقد قدمت أسرة حورس فى هندسة القاهرة نموذجًا فريدًا فى النشاط الطلابى ألهم الزملاء فى الجامعة، أسست فيه شكلًا مغايرًا للحركة الطلابية قائمًا على العمل الفكرى لا السياسى، لمواجهة أفكار الإخوان الشيطانية المختبئة وراء الدين، وكان سلاح حورس الدائم هو «الوطنية المصرية»، ونجحت أسر حورس فى كثير من الكليات وقادت الاتحادات الطلابية فيها، كان أبرزها: «كلية الآثار» والتى قادها حسن أبوزيد ومعه محمد بيومى ومحمد كامل، وفى «كلية الزراعة» بقيادة سامح مصطفى ومعه إيهاب عمارة ومحمد الليثى، وفى «كلية الحقوق» بقيادة علاء الكحكى ومعه تامر عجوة وأحمد فاروق ووائل رفعت، وكلية «طب الأسنان» بقيادة تامر السعدنى وعمرو عناية، وغيرها من الكليات ومثلهم من القيادات الطلابية المحترمة الذين لن تسعهم المساحة، وكان يقود الأسر تنظيميًا قيادة موحدة على مستوى الجامعة تضم طلابًا من كليات مختلفة، هم الأعزاء: محمد ربيع وأنور عسل وهشام زايد ومحمد على ووسام يوسف وهشام يحيى ويونان إدوارد وأحمد شومان.

وكان أهم نتائج التجربة الانتخابية الأولى لنا فى الجامعة، هو تغيير الصورة المثالية للطالب الإخوانى المتفوق الملتزم الذى يساعد الآخرين ويشجع زملاءه على التدين المعتدل، فقد انكشف المستور بعد شعور طلاب الإخوان بالخطر فى كلية الهندسة أثناء الانتخابات، فقرروا الاستعانة بالمدد الإخوانى الخارجى من كليات أخرى بالجامعة، ومن جامعات أخرى، وفوجئنا بأعداد من البلطجية أو من يطلق عليهم «قوات الردع» وأغلبهم كانوا من كلية «دار العلوم»، فوجئنا بهم أمام لجان (الفرقة الأولى- هندسة)، الدفعة التى خسرها الإخوان بالكامل، والتى كنت أشرف بالانتماء لها طالبًا فى قسم الهندسة المعمارية، ومرشحًا لاتحاد الطلاب عن أسرة حورس.

وما زالت تفاصيل هذا اليوم محفورة فى ذاكرتى، والذى بدأ بفرحة أول مشاركة لأسر حورس فى انتخابات الاتحادات الطلابية، وانتهى بمشاجرة تاريخية مع طلاب الإخوان، نحمد الله أنه لم يسقط فيها ضحايا، وبدأت قصة هذه المشاجرة الشهيرة والتى أطلقنا عليها «علقة هندسة»، عندما بدأ طلاب الإخوان فى استفزازنا، وقاموا بسد الطرق المؤدية إلى اللجان بعد أن افترشوها للصلاة، برغم وجود مسجد كبير بالكلية ومصلى صغير فى معظم الأقسام، فاشتعل غضبنا، لأنه لم يكن وقت صلاة، فقد تجاوز الوقت موعد صلاة العصر بأكثر من ساعة، وتبقى أقل من ساعة على إغلاق اللجان الانتخابية فى الخامسة مساء، وكنا قد حشدنا زملاءنا من مختلف أقسام الكلية، عقب انتهاء محاضرات اليوم، ولأن الإخوان يدركون طبيعة طالب الهندسة وحرصه الشديد على الوقت، فلقد تعمدوا أن يسدوا الطريق علينا بحيلة الصلاة، وبدأ الطلاب ينصرفون لأن المصلين أطالوا بشكل مبالغ فيه، اعترض زملائى لدى رعاية الشباب (الجهة المنظمة لسير العملية الانتخابية بالجامعات)، وطالبوا بمد وقت التصويت، ولأن بينهم عناصر إخوانية متواطئة، تم الرفض، وتركونا نواجه قدرنا مع طلاب الإخوان، فقفزت الفكرة ونفذناها على الفور، حيث قمنا جميعًا بالتصفيق الحاد وضرب القدمين على الأرض بقوة، ومعًا هتفنا: (الله أكبر – تحيا مصر)، فانقلب الوضع وبدأ زملاؤنا من كل الدفعات ينضمون إلينا وتزايدت الحشود أمام اللجان، وشاركونا بالتصفيق والهتاف، حتى تدخل العميد ووكيل الكلية وفضوا الاشتباك بيننا مؤقتًا، وعقب انتهاء التصويت وإعلان فوزنا الكاسح، خرجنا نحتفل أمام كلية الهندسة وفاجأتنا حشود من طلاب الجماعة وحلفاؤهم، وطاردونا بين السيارات فى الشارع وكان من يقع بين أيديهم يتعرض للضرب المبرح، وتجمعنا واستطعنا صد عدوانهم، وكان مشهدًا حزينًا، فرضه علينا جاهلية هذه الجماعة وإدمانها للعنف.

وكان مفهومًا عداء الإخوان للتجربة الوليدة، ومحاولة قتلها فى المهد، وتسخير أذرعهم الإعلامية فى إثارة الشائعات القذرة لتشويه سمعة هؤلاء الشباب الأبرياء، وكان أشهر جرائهم، التقرير الملفق الذى نشرته جريدة «الشعب» عن رحلات الأقصر وأسوان، لكنه لم يكن مفهومًا أن تحارب أذرع داخل الدولة المصرية هذا التنظيم الشبابى الجديد، وتبدأ المضايقات الإدارية فى الجامعة مبكرًا، وتتزايد بعد التأييد والدعم، ويتبدل الخلاف الخفى إلى عداء ظاهر وواضح، ويصدر وزير التعليم فى ذاك الوقت، تعليماته إلى رئيس جامعة القاهرة مطلع العام الجامعى 1993، بحجب اسم «حورس» ومنع أى أسرة طلابية داخل الجامعات المصرية من استخدامه نهائيًا، وكان القرار صادمًا ومفاجئًا مع بداية العام الدراسى الجديد والحشد الكبير الذى استعدت به الأسر لمواجهة الغريم الإخوانى ومن تمترسوا معه فى خندقه من التيارات الإسلامية الموالية، والتعبير كان لطالب (درعمى) عضو فى تنظيم الجهاد (كما ادعى)، قاله لى ونحن نتحاور فى مشاجرة كلامية أمام كليته (كلية دار العلوم)، عشية انتخابات طلابية وهو يهددنى وعددًا من زملائى.

وفى لقاء جمعنى مؤخرًا مع الدكتور عبدالمنعم عمارة، آخر رئيس للمجلس الأعلى للشباب والرياضة، فبعده تحول المجلس إلى وزارة الشباب، حكى لى تفاصيل مهمة عن هذه الفترة وقصة الصراع على شباب الجامعات بينه وبين الدكتور حسين كامل بهاء الدين، وزير التعليم الأسبق، والذى وصل إلى الرئيس مبارك واستدعى تدخلًا من رئيس الحكومة وقتها، الدكتور عاطف صدقى، ليزيل آثاره ويحاول خلق بعض التناغم بينهما، وهو ما لم يتحقق وظلت المنافسة بين الوزارتين التعليم والشباب مستمرة، وأشعلت حالة الاستقطاب داخل الجامعات، بعد أن تبارت الوزارتان فى تقديم أفضل ما لديهما لطلاب الجامعات، وفطن الطلاب لهذا التنافس وأحسنوا استغلاله دائمًا.