الإثنين 6 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
الطريق الثالث.. ملامح «الإصلاح السياسى» فى الجمهورية الجديدة أين؟ ولماذا؟ ومتى؟ وكيف؟ أسئلة الحوار الوطنى فى مصر

الطريق الثالث.. ملامح «الإصلاح السياسى» فى الجمهورية الجديدة أين؟ ولماذا؟ ومتى؟ وكيف؟ أسئلة الحوار الوطنى فى مصر

مصر فى حالة حوار حقيقى، تمنيناه كثيرًا وانتظرناه طويلًا، وهو خبر سعيد ويشرح القلب، وينشط العقل ليتفاعل مع ما تشهده البلاد من حراك مجتمعى وسياسى وإعلامى يمهد الطريق لفعاليات أكثر احترافية تعيد إلى المجال العام حيويته التى كانت معطلة بفعل ترتيب الأولويات فى دولاب الدولة المصرية، بعد تفضيل القيادة السياسية أن يأتى الحوار تاليًا لما يتحقق من إنجازات على الأرض.



إن الحوار الوطنى يمثل حدثًا استثنائيًا فريدًا، نعول عليه فى إحياء الحياة الحزبية والإسهام فى إصلاح سياسى شامل، وهو أيضًا فرصة مثالية لتحقيق الاصطفاف الوطنى خلف القيادة السياسية لحماية الوطن من أخطار حالية ومستقبلية تلوح فى الأفق، كما أنه فرصة طيبة لتأكيد ما تحقق من إنجازات خلال الثمانى سنوات الماضية على جميع الأصعدة، وفى مقدمة هذه الإنجازات: استعادة الدولة المصرية من بين أنياب الجماعة الدينية المارقة التى اختطفت ثورة الشعب فى يناير 2011 وحطمت آماله فى «إقامة حياة ديمقراطية سليمة».

لقد نجحت الدولة فى تحقيق الاستقرار للوطن وتوفير الأمن والأمان للمواطنين، مما وفر للحوار مكانه ومجاله ومناخه الملائم كى ينطلق، كما أن نجاح الدولة فى تخطى المرحلة الأصعب من الخطة الطموحة للإصلاح الاقتصادى، قد أسهم أيضًا فى أهمية التحاور حول مراحل تالية فى المسيرة الاقتصادية التى تأثرت بالطبع بما يدور حولنا فى العالم، وظنى أن إثمار المشروع الوطنى الأهم «حياة كريمة» وما يمثله من قيمة، مع إدراك الشعب لمصداقيته ووصوله إلى جميع أرجاء الوطن، حقق أرضية مشتركة ومساحات تلاقٍ بين فئات المجتمع المختلفة.

لا شك أنه الوقت المناسب والمثالى، لفتح ملف الإصلاح والتنمية السياسية، ومعه ملفات أخرى تحتاج إلى توافق عام ليشملها «الحوار الوطنى» الذى انطلقت بشائره بالفعل، حيث أرسل العديد من الأحزاب والهيئات والقوى الفاعلة فى المجتمع والأفراد، رؤى وأفكارًا ومقترحات تعبر عن مختلف طوائف الشعب المصرى على العنوان البريدى الذى حددته الأكاديمية الوطنية للتدريب (التابعة لرئاسة الجمهورية)، وهى الجهة المكلفة بإدارة الحوار الوطنى، واختيارها يعكس رغبة رئاسية واضحة فى أن يكون الحوار احترافيًا، وأن تتسم مخرجاته وفق منهج علمى تطبيقى. 

وقد شغلنى كثيرًا الآلية التى يمكن أن يدار بها الحوار تحت إدارة الأكاديمية الوطنية للتدريب، حتى تبلورت الفكرة وتمخضت عن اقتراح، بأن يتم تأسيس «هيئة مستقلة لإدارة الحوار الوطنى»، على غرار «تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين»، وتتشكل عضويتها بترشيح ما بين (4 إلى 6) أشخاص من قيادات كل حزب سياسى، بالإضافة إلى عدد آخر من المفكرين والشخصيات العامة، وينتخب لهذه الهيئة عدد محدد من الموضوعات المهمة والتى تمثل أولوية للوطن فى هذه المرحلة (عشرة موضوعات مثلًا)، وتعقد لكل موضوع ورش عمل أسبوعية وبشكل مستمر لمدة محددة (ثلاثة أشهر)، يعقد «المؤتمر الأول للحوار الوطنى» والذى يقدم النتائج للشعب ويتخذ الرئيس ما يراه مناسبًا بشأنها، ومن ثم تتوالى بعد ذلك مؤتمرات أخرى للحوار الوطنى، وتعقد كلما تطلب الأمر إدارة نقاش مجتمعى موسع حول عدة قضايا مفصلية ومؤثرة، مثل الإصلاح السياسى، تجديد الخطاب الدينى، قانون الأحوال الشخصية، تطوير الإعلام وتوطينه، وأهمية دور الدراما، وغيرها من الموضوعات ذات الأهمية والأولوية لدى الدولة المصرية.

«الاختلاف فى الرأى لا يفسد للوطن قضية»، كانت هذه العبارة المؤثرة والموحية هى خلاصة ما حدث فى حفل إفطار الأسرة المصرية، الذى شهد الدعوة للحوار الوطنى والإصلاح السياسى، وكأن الرئيس السيسى أراد أن يجعلها شعارًا للمرحلة، وهدفًا رئيسيًا للحوار الوطنى الذى أسهمت أحاديثه وانطلاق فعالياته فى تنقية أجواء القاهرة، وطى خلافات نشأت بين الإدارة المصرية وبعض من القوى السياسية والناشطين، رغم أنهما قد سبقا واجتمعا فى (تحالف 3 يوليو)، الذى تأسس عام 2013 لإنقاذ مصر من خطر الإخوان، وربما تحتاج مصر فى المرحلة الراهنة من تاريخها لاستعادة هذا التحالف، تحتاج لاصطفاف حقيقى يحمى الوطن من أعاصير أحدثتها عاصفة الحرب فى أوروبا بين روسيا وأوكرانيا، والتى جاءت تالية لعامين قاسيين بسبب إجراءات استثنائية اضطرت الحكومة لاتخاذها بسبب جائحة كورونا.

ولكى ينجح الحوار ويؤتى ثماره المرجوة، أهيب بأهل الحوار أن يتحلوا بآدابه «الأربعة» الراسخة فى تراثنا الدينى، وهى: «إخلاص النية لله وطلب الوصول للحق، التحلى بالأخلاق الفاضلة من التواضع والرحمة والرفق وحسن الكلام، الالتزام بأدب الاستماع والإصغاء، الالتزام بالمنهج العلمى وتحرى طرق الاستدلال الصحيح».

إن رؤيتى تتلخص فى أن «الإصلاح السياسى» هو السبيل الحقيقى لإدارة «حوار وطنى» جاد ومستمر وفاعل بين القوى السياسية فى مصر، وأن «تجديد الخطاب الدينى» ركيزة أساسية فى صلاح أحوال المجتمع، وأن «العمل السياسى للطلاب فى الجامعات» هو أفضل وسيلة لتحصين الشباب من خطر الانغماس فى الإرهاب، وأن انفتاح المجال العام فى إطار من المسئولية يخلق إعلامًا رشيدًا وإيجابيًا يسهم فى تنوير العقول، يشاركه ويدعمه إنتاج درامى واعٍ بأهمية دوره فى وتشكيل الوجدان واستعادة الشخصية الوطنية المصرية الأصيلة.

ولأن السياسية - بحسب التعبير الشائع - هى «فن الممكن»، فإن على أطراف الحوار أن يتحلوا بقدر كبير من المرونة كى يستطيعوا أن يصلوا إلى مناطق اتفاق وقبول عام، كما أن عليهم أن يعظموا كل موهبة تقدر على إبداع الجديد من الأفكار والفريد من الحلول، لأن جزءًا كبيرًا من تحديات الواقع الذى نعيشه فى مصر (وفى العالم أيضًا)، يعود إلى نمطية التفكير الحاكم للشعوب والذى يدفعها لأن تسير فى نفس الطرق وهى تترجى الوصول إلى نتائج مغايرة، لهذا فإن طبائع الزمان تجبرنا على الخروج من الصندوق، والقفز على الماضى وعدم النظر إلى كل خلافاته وأخطائه، وطى صفحته دون الرجوع إليه إلا على سبيل الذكرى، إن أهم شرط يضمن وصول الحوار إلى بر أمان، هو الثقة، الثقة فى الله وفى الوطن، والإيمان الصادق بأن حوارنا عمل صالح نترجى خيره بإذن الله، ليصدق فينا قوله تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً».