الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
الطريق الثالث .. صفحات (منسية) من تاريخ  الحركة الشبابية معركة شباب  «حورس»  مع «الإخوان» فى جامعة القاهرة "1"

الطريق الثالث .. صفحات (منسية) من تاريخ الحركة الشبابية معركة شباب «حورس» مع «الإخوان» فى جامعة القاهرة "1"

كتب أستاذنا الراحل محمد حسنين هيكل مقالًا مهمًا نشر بصحيفة الأهرام تحت عنوان «الشباب بين النيران والثلوج»، حلل فيه (وقتها) أسباب انتفاضة الشباب فى نوفمبر عام 1968 كتب أستاذنا الراحل محمد حسنين هيكل مقالًا مهمًا نشر بصحيفة الأهرام تحت عنوان «الشباب بين النيران والثلوج»، حلل فيه (وقتها) أسباب انتفاضة الشباب فى نوفمبر عام 1968، استوقفتنى فيه العبارات التالية: «كان الخطأ الأكبر للتنظيم السياسى، أنه حاول أن يجعل من الشباب أداة سياسية، ولم يجعل منه قوة سياسية»، واكتشفت أن تشخيص الأستاذ هيكل ربما يكون أنسب لتحليل نفس الخطأ الذى تكرر مع الشباب فى عهد الرئيس الأسبق حسنى مبارك، وهو الخطأ الذى أراه سببًا رئيسيًا فى إفساح الطريق أمام جماعة «الإخوان المسلمين»، لتسيطر على المشهد فى يناير 2011، بعد أن هيمنت خلال حكم مبارك على الحركة الشبابية، وبسطت نفوذها السياسى والدينى على معظم الجامعات المصرية وبين سائر طوائف الشباب، فكان لها اليد العليا فى تحريك المجتمع المصرى، الذى كان وسيظل وقوده الشباب، إما أن يكون طاقة للبناء أو للهدم، محركًا لركب الحضارة إما للأمام أو للخلف، بحسب من يحرك أفكاره ويوجه بوصلته، وهو ما تجاهد الدولة فى عهد الرئيس السيسى لتقوم بهذه المسئولية عبر آليات عصرية مختلفة.



ولأن الماضى يساعدنا على فهم الحاضر ويفتح لنا أبواب المستقبل، لهذا أحدثكم عن تجربة فريدة فى السياسية المصرية جرت خلال تسعينيات القرن العشرين، وهى ظهور أسر «حورس» الطلابية فى الجامعات المصرية عام 1992، والذى كان حدثًا مهمًا، فقد سطر «شباب حورس» واحدة من أهم الصفحات (المنسية) فى تاريخ الحركة الطلابية، نتذكرهم اليوم بمناسبة مرور 30 عامًا على ظهورهم الأول فى جامعة القاهرة، لنكشف فى هذا المقال وما سيتبعه أسرارًا وحقائق موثقة، عن واحدة من الفرص الضائعة التى أهدرها نظام مبارك لمواجهة تنظيم الإخوان ومنع تضخمه، والذى بلغ مداه بوصول مندوب مكتب الإرشاد إلى منصب حاكم مصر فى عام 2012.

لقد أحدث ظهور شباب «حورس» ونشاطهم فى الجامعات المصرية، مواجهة شرسة وقوية بين الطلبة (غير المنتمين لتيارات سياسية) وجماعة الإخوان (الإرهابية)، واشتعلت الشرارة الأولى لهذه المواجهة فى واحد من أشهر معاقل تجار الدين السياسى فى جامعة القاهرة، وتحديدا فى كلية الهندسة، التى كانت الجماعة قد استولت عليها وهيمنت على نشاط اتحاد الطلاب فيها (بدعم من الدولة منذ منتصف السبعينيات)، ونجحت وقتها فى أن تقضى على سطوة التيار الناصرى، وهيمنت على الأنشطة الطلابية وتحكم (الإخوان) سنوات فى إدارة العمل الطلابى بالجامعة، ثم ظهر تأثيرهم على إدارات الكليات وأسهموا بدور بارز فى حركة التعيينات والترقيات، من رئاسة الأقسام إلى عمادة الكليات، نهاية برئاسة الجامعة، فقد كان الجميع (إن لم يكن إخوانيًا) يعمل ألف حساب للجماعة ونفوذها المستشرى كالسرطان فى أوصال الجامعة.

لقد استغلت الجماعة المارقة، كل الجامعات المصرية فى الثمانينيات والتسعينيات لاصطياد كوادرها الجديدة، تمنحهم صك التخلف بعضويتها الميمونة، حيث كان يتم التجنيد من اليوم الأول فى الدراسة، بعد أن يفرض أعضاء الجماعة حصارًا على الطلاب الجدد، بتوفير الخدمات والعطايا المغلفة بالأجواء الدينية كى يسقط الطالب فى براثن التنظيم، ويصير عضوًا وينضم إلى القطيع، عبدًا طيعًا لأهداف الجماعة ومرشدها ومكتب إرشادها، وهكذا استمرت المسيرة الإخوانية، وتكاثرت الجماعة، ووفق الاستراتيجية الإخوانية، كان الطالب الإخوانى عندما ينهى دراسته الجامعية يتم توجيهه مباشرة ليبدأ العمل النقابى، يتخلل ذلك محاولات مستمرة فى التسلل إلى البرلمان، وخطط الجماعة لـ(التكويش) تم معرفتها تفصيلًا ونشرت إعلاميًا تحت عنوان شهير «خطة فتح مصر»، والتى تم تسميتها إخوانيًا بمصطلح «التمكين»، حدث ذلك قبل أن نبتلى بهم عامًا كاملًا جلب على مصر خسائر كبيرة وكثيرة.

قبل ثلاثين عاما، كانت «حورس» محاولة جادة وقوية، لوقف هذا الزحف الإخوانى وتجفيف الجذور من منابعها داخل الجامعات المصرية، لكن للأسف لم تستثمر الدولة النجاح الكبير لهذه الجماعة الطلابية وتستكمل معها مراحل تطورها مثلما يحدث عند الإخوان، بتصعيد الطلاب فى العمل السياسى والحزبى، ليصبحوا قيادات المستقبل، لهذا توقفت مسيرة (حورس) بعد تخرج معظم قياداته الشابة من كليات الجامعة المختلفة فى عام 1998، وبالتزامن مع خروج الوزير عبدالمنعم عمارة من الحكومة، فقد كان هو الأب المؤسس لهذه المجموعة الشبابية، التى أسهمت فى إنعاش العمل الشبابى والنشاط الطلابى فى الجامعات المصرية والذى كان حكرًا على الجماعة (المحظورة).

لقد ولدت تجربة حورس بمبادرة شبابية بعد النجاح الكبير الذى حققه الشباب المصرى فى تنظيم دورة الألعاب الإفريقية عام 1991، فاتجه بعضهم لتأسيس ناد اجتماعى ترفيهى تم تسميته «نادى حورس»، ظلت تتنازعه الهيئات الرسمية وتحاصره البيروقراطية والأطماع حتى توارى إلى الظل، وبالتوازى تأسست فى جامعة القاهرة، عدة أسر طلابية تحمل اسم (حورس)، اجتمعت فيما بينها لتؤسس اتحاد شباب حورس فى جامعة القاهرة، والذى أخذ منذ نشأته طابعًا ثقافيا، ومثل التيار الفكرى لشباب حورس فى الجامعات الأخرى، بعد أن حقق نجاحًا ساحقًا وملفتًا فى العام تحت قبة الجامعة العريقة.

انطلق «شباب حورس - جامعة القاهرة» فى نشاطهم الطلابى مع بداية العام الجامعى 1992، وسبق مواجهتهم مع طلاب الإخوان فى مكتب التنسيق لاستقبال الطلاب الجدد، معسكرًا قصيرًا لإعداد وتجهيز الكوادر أقيم فى الغردقة، انتظم فيه بعض طلاب النشاط والمهتون بالعمل العام من مختلف كليات جامعة القاهرة، وتشكل بينهم اتحاد لأسر حورس، ترأسه مجموعة تنفيذية ضمت بعض العناصر الشابة والمؤهلة لذلك، وقد تشرفت بأنى كنت منهم، حاضرًا وشاهدًا وعضوا مؤثرًا فى قيادة هذه الجماعة الطلابية الوطنية، وتشرفت بكتابة معظم بياناتها، وتوليت مسئولية العمل الثقافى والإعلامى فيها خلال سنوات دراستى ما بين كليتى الهندسة والإعلام، كما كنت رئيسًا لتحرير «مجلة كلام»، أول عمل صحفى طلابى (احترافى) فى تاريخ الجامعة وصدر عددها الأول فى إبريل عام 1994، وخلال نفس العام انطلقت فعاليات الدورات التثقيفية لشباب الجامعات المصرية، بالتعاون ما بين شباب حورس جامعة القاهرة ونادى حورس، وكان ثمرة هذا التعاون العديد من الدورات الناجحة، تخرج فيها مئات الشباب المثقف سياسيًا والمدرك لخطورة تنظيم الإخوان وجرائمه التاريخية، وتأثيره السلبى على مستقبل مصر، وكانت مجلتنا العزيزة «روزاليوسف» راعية للتجربة فى خطواتها الأولى واحتضنت بعض اجتماعاتها التأسيسية، ونشر على صفحاتها الأخبار الأولى عن انتصارات طلاب جامعة القاهرة من شباب حورس، واقتناصهم عددًا غير مسبوق من المقاعد فى مجالس الاتحادات الطلابية، وأحدث زلزالًا اهتز فيه عرش الإخوان، بعدما سقط مرشحوهم فى أهم الكليات التى سيطروا عليها سنوات طويلة، أفسدوا خلالها عقول الطلاب وأظلموها بأخونتهم للأنشطة، حتى سطعت شمس التنوير فى دروب الجامعات المصرية على يد مجموعة من الشباب الوطنى المخلص.

وللحديث بقية.