الإثنين 6 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

على حلقات مسلسلة.. ننشر سيناريو فيلم البوسطجى للكاتب الكبير/ صبرى موسى "الحلقة 1"

 المشهد الأول فى الصعيد المصري



عام 1925 م - خارجي/ نهار

لقطات عامة من بعد..

قطار الصعيد المشهور.. فى طريقه إلى «أسيوط».. يتحرك فى بطء متلويًا.. كأنما من الألم..!

  2 -قطار الصعيد من بداية

فوتو مونتاج لجسم القطار.. يشق الصعيد فى منطقة قريبة من الجبل، متهالكًا مزدحمًا.

عجلاته تثير حولها التراب والضجة..

ومن إحدى عرباته تتصاعد أغنية جماعية خشنة لكنها تثير الشجن..

غناء: ياباجور الساعة اتناشر

يا مجبل عالصعيد

سلم لى عالحبايب

ومحمد ولدى يا بوي

يا جريد النخل العالي

طاطى ورد السلام

 3 - عربة القطار

- داخلي/ نهار

إحدى عربات الدرجة الثالثة بالقطار مزدحمة بالصعايدة الشغيلة العائدين إلى قراهم بعد العمل والاغتراب.

أحدهم أضناه الشوق لبلده وأهله يحتضن طبلة يدق عليها، بينما الجميع حوله يرددون الشوق والحنين وهم يصاحبونه فى الموال.. الغناء:.. نارى يا بوي

سلم لى عالحبايب

أيا غايب لك زمان

تحسبنى اليوم نسيتك

دا البعد اللى جفاك

خايف أروح مزاته

ناعسة تتقل علاي

ضمينى وأنا أضمك

ليل الشتا طويل..!

البوسطجى عباس يجلس بينهم متأففًا، شكله نشاز بالبدلة المكوية والطربوش، وحوله قفف وفؤوس وهلاهيل وحزم وفوق رأسه قفص بط وبجواره امرأة تضم لصدرها طفلا يملأ الذباب عينيه..

الغناء: يا جريد النخل العالي

طاطى ورد السلام

شمس العصارى غابت

ياللى بلادك بعيد

فرش الحمام عاالمية

فرحوا له الصيادين

يا بجور الساعة اتناشر

يا مسافر.. الخ

عباس (البوسطجى) يحاول جاهدًا أن يحتفظ بأناقته وسط الفوضى والقذارة التى تسود العربة..

يدير وجهه إلى النافذة ليطل على المناظر التى يعبر بها القطار..

 4 - فوتومونتاج

خارجي/ نهار

من خلف زجاج النافذة المغطى بالتراب، نرى الحقول والقرى التى يمر بها القطار..

نعبر لافتة محطة كوم النحل أمام النافذة والقطار يهدئ من سرعته.. تنتهى العناوين على عجلات القطار وهى تتوقف تمامًا على محطة كوم النحل.

 5 - محطة كوم النحل

خارجي/ نهار

لافتة كوم النحل باهتة مغبرة والمحطة نفسها كشك خشبى متهالك على تل يظهر البوسطجى عباس على باب القطار حاملًا الحقيبة.. يغادر القطار إلى الرصيف ويدير وجهه فى الفضاء يتأمل المكان الذى نزل فيه.. لا يوجد على المحطة ركاب ينتظرون والذين غادروا القطار نفر قليل تسربوا يهبطون التل..

فى حديد النافذة بكشك المحطة حمار مربوط منهمك فى «التهام كوم برسيم»، ناظر المحطة جالس على دكة بجوار الحمار.. يلوح بيده فى رتابة لسائق القطار أن يمضى فى سبيله.

القطار يتابع سيره..

عباس يتجه إلى ناظر المحطة وهو ينفض التراب عن ملابسه.. ناظر المحطة يتأمل عباس ببرود وفضول.

عباس: البلد نفسها فين..؟ الواحد يروح لها ازاي..؟ 

ناظر المحطة يشير بإصبعه على التل المنحدر ويقول لعباس باقتضاب:

الناظر: البلد عندك تحت التل هنا..

عباس: بينا وبينها كتير..؟

الناظر: لأه.. دى بسيطة.. اتنين كيلو بس..!

عباس يلقى ببصره على التل المنحدر بانزعاج..

حقيبة عباس (منظر مكبر) تثقل يده.

لقطة مكبرة لوجه ناظر المحطة وهو يتابع عباس (الذى يهبط التل).. بنظرات الحسرة.. كأنه يشيعه لمصير مجهول..

 6 - على التل المنحدر –

- نهار/ خارجي

طابور صغير من الفلاحين والحمير تتقدمهم بعض المواشي.. عائدون من الحقول.. الأقدام تثير زوبعة من التراب على السكة المنحدرة..

فى المؤخرة عباس متهالك يحمل حقيبته.. وقد فتح أزرار الجاكتة وياقة القميص، وبيده اليمنى التى تحمل جريدة الصباح يحاول أن يبعد التراب عن وجهه وهو يواصل المسير.

 7 - القرية ومدخلها

- نهار/ خارجي

بيوت واطئة متراصة.. متزاحمة متلاصقة، وفوق سطوحها أكوام من الحطب والقش.. كأنها قبيلة من الهمج.

شوارع ضيقة سريعة الانحناء والفلاحون وحيواناتهم يتسربون فيها.

عباس مترددًا لا يعرف إلى أين يتجه.. يتوقف وقد استولى عليه الخوف، كل الأبواب التى عبر بها، إما مغلقة تمامًا أو مواربة ولا يظهر خلفها إلا فوهة مظلمة.

باب موارب يطل من ورائه وجه فتاة تتفرج على عباس..

عباس يسير دائرًا حول نفسه مرتابًا من الأبواب المغلقة والأبواب المفتوحة.. ومن الصمت كأنما وقع فى فخ.. وفجأة يلمح وجه الفتاة.. يتوقف ويحدق فيها.

وجه البنت خلف الباب الموارب يواصل الفرجة على عباس بفضول.. عباس يتجه ناحية الباب ليسأل الفتاة.. 

الفتاة تفزع وتغلق الباب فى وجهه..

عباس يتراجع ويتوقف غاضبًا.

أصوات: ترتفع من العطفة المجاورة أصوات أقدام مهرولة وصياح أطفال.. وصوت رجل ينادى محذرًا..

عباس ينتبه للأصوات..

تندفع جاموسة مطاردة من العطفة وتكاد تدهم عباس غير أنه يتراجع بظهره على أحد البيوت وتسقط منه حقيبته إلى الأرض.. أصحاب الجاموسة يطاردونها ورجل يصيح..

صوت: حلق يا جدع.. امسك يا جدع..

بينما الأطفال يجرون خلف الرجال وهم يهللون

الأطفال: الجاموسة مجنونة يا أولاد..

الجاموسة جالها جنان..

الجاموسة تخرج من نهاية العطفة وخلفها الرجال والأطفال.. 

ينحنى عباس على حقيبته لحملها وبينما هو ينهض.. يندفع طفل جاريا فيمد عباس يده بسرعة ويمسك بالطفل من ذراعه..

الطفل يصيح ويستولى عليه الخوف..

عباس يربت على خد الطفل..

عباس: ماتخافش يا شاطر.. أنا عاوزك تدلنى على بيت العمدة..

يبدو على الطفل أنه اطمأن نوعًا فيترك عباس ذراعه..

الطفل يقفز فجأة جاريًا ويقف بعيدًا ويقول لعباس وهو يشير بيده..

الطفل: دار العمدة غادى هناك امشى كده واصل تلجاه فى خشمك..!

عباس يحدق بذهول خلف الطفل الذى يستدير حتى يختفى فى العطفة..

 8 - دار العمدة

- داخلي/ نهار

شيخ الخفر جالس على دكة العمدة فى صدر القاعة يدخن الجوزة.. وقد خلع طربوشه وركن بندقيته..

أمامه على الأرض.. غفير يجلس القرفصاء ينفخ فى راكية النار ويضع النار بالماشة على جوزةشيخ الغفر بينما بندقيته قائمة على كتفه، ينحنى فتنحنى معه على النار!

عباس يتحرك داخلًا الكادر من الباب الخارجى للدوار إلى الحوش المكشوف ثم يتوقف متهيبًا الدخول..

منظر مقرب لشيخ الغفر وهو يحملق ناحية عباس القادم، ويتساءل

شيخ الغفر: مين اللى جاى ده.. فز يا وله يا دسوجى شوف مين؟!

الغفير دسوقى يستدير وينظر ناحية القادم متفحصًا

عباس يقترب مترددًا..

عباس: السلام عليكم

شيخ الغفر ينهض بسرعة ويركن الجوزة.. ويلبس طربوشه ويمسك بندقيته، يقترب من عباس مرحبًا.

شيخ الغفر: أهلًا وسهلًا.. سلام ورحمة الله وبركاته.. 

عباس فى يده ورقة تحمل عنوان يقرأ منها..

عباس: مش ده برضه بيت الحاج عبدالسميع وهدان عمدة كوم النحل..؟

شيخ الغفر: أيوه.. دى داره..

عباس: عاوز أقابله..

يلتفت لدسوقي

شيخ الغفر: العمدة فين دلوكيت يا وله؟

دسوقى: تلجاه حدا المعلم سلامة

عباس: ممكن حد يديله خبر.. أنا عباس.. ناظر البوستة الجديد..

شيخ الغفر يبالغ فى ترحيبه بعباس بطريقة تكشف عن مكر.. بينما ينهمك دسوقى فى إبعاد النار والجوزة كأنه يحاول إخفاءها عن ناظر البوستة الجديد.

شيخ الغفر: أهلا وسهلًا.. حمد الله عالسلامة..

(لدسوقى) انهض يا دسوجى بلغ العمدة إشارة بوصول حضرة الناظر.. فز أمال.

دسوقى يتحرك للخروج ويهز رأسه لعباس مستأذنًا فى الانسحاب..

دسوقى: عن إذنك يا فندي.. اتفضل حضرتك اجعد

شيخ الغفر: اتفضل يا حضرة الناظر.. اتفضل خد راحتك

.. جاى من السفر بجى وتعبان.. وتلاجيك جمعت كمان عن إذنك حبه.

ينسحب شيخ الغفر بعد أن يطمئن على جلوس عباس.. ويتوجه إلى باب القاعة الداخلية الخاصة بالحريم وينادى وهو يصفق بصوت يسمعه عباس..

شيخ الغفر: يا عبحميد.. يا محمد..

صوت امرأة: مين؟

شيخ الغفر: أنى شيخ الغفر..

اعملوا الشاى جوام..

شيخ الغفر يعود إلى عباس مرحبًا

شيخ الغفر: أهلًا وسهلًا.. نورت البلد يا أفندي

يجلس أمامه يتفرج عليه..

 9 - منحل المعلم سلامة –

- خارجي/ نهار

حديقة جافة نوعًا.. خريفية الطعم تسقط عليها ظلال كنيسة القرية.. وفى جانب من الحديقة برج حمام.. وفى الجانب الآخر سقيفة تحتها طروف النحل وخلاياه، والسور الخلفى للحديقة هو بنفسه صور حديقة الكنيسة، وعلى واجهة الحديقة يعلو بيت المعلم سلامة.. وفى الحديقة باب البيت الخلفى يفتح على شارع ضيق هو أهم الشوارع الرئيسية فى القرية وينتهى هذا الشارع من أحد جانبيه بالساحة أو سوق القرية، حيث الدكان ومكتب البوستة وواجهة الكنيسة وبائعى الفاكهة غير الناضجة.. وقلب البلد.. ومن الناحية الأخرى ينتهى الشارع إلى الترعة أو المصرف أو الهويس..

ثم يستمر إلى طريق المقابر فى نهاية البلد..

ملحوظة: من هذا الشارع يذهب عباس ويجىء من بيته إلى البوستة..

وهو نفس الشارع المؤدى لبيت أم أحمد ويعتبر امتداده من الناحية الأخرى ذلك الشارع الذى دخل منه عباس البلد من ناحية المحطة. العمدة جالس على الأرض تحت شجرة فى حديقة صديقه المعلم سلامة وقد حل شال عمامته وعلى قرب منه المعلم سلامة يرتدى قناع العمل ويكشف عن خلايا النحل وأقراص العسل الناتج.. ثم ينهمك فى جمع صفائح العسل فى الأقفاص وقد حزم قفصًا وأوشك أن ينتهى من الآخر..

العمدة: دى جطفة البرسيم يا سلامة..؟

سلامة: أيوه..

العمدة: جفصين بس..؟

سلامة: (لايرد)

العمدة: أبوك الله يرحمه مكانش يشحن من جطفة البرسيم دى أجل من عشر تجفاص!

سلامة: النحل عاد بيهج يا عمدة.. ينزل الغيطان ما يرجعش!

العمدة يعود إلى الطفولة فينشرح وجهه ويبدو عبيطا طيبًا..

العمدة: كنا واحنا عيال.. أبوك يجمعنا نصطاد له الدبور

عشان ما يأذيش النحل

الميت دبور بجرش..

فاكر يا واد يا سلامة كنا نتسابق على الدبابير عشان ناخذ من أبوك جروشات أكتر..

سلامة لايزال منهمكًا فى عمله..

سلامة: النحل كان عايش فى جنينة الكنيسة وجنينة الكنيسة عما تنشف..

يدخل دسوقى الخفير مسرعًا من باب الحديقة ثم يتوقف.. فيلتفت العمدة ناحيته..

الغفير: سلامو عليكم.. يا حضرة العمدة.. ناظر البوستة الجديد وصل..

المعلم سلامة ينتهى من ربط القفص الثانى وينهض..

العمدة: معاك هنا يا وله..؟

الغفير: فى الدار ومعاه شيخ الغفر

العمدة ينهض بتكاسل ويلف شمال عمامته حول رأسه..

العمدة: جاعد يا سلامة؟

سلامة: أجى معاكم أفوت خبر لعويضة ييجى بدرى يشحن الأجفاص

يتحرك العمدة لباب الخروج وخلفه المعلم سلامة.. وخلفهما يهرول دسوقى..

10 - وسعاية السوق

خارجى/ نهار

الكاميرا خلفهم فى الشارع الضيق حتى يخرجوا إلى الوسعاية التى تضم بعض الدكاكين وواجهة الكنيسة ومكتب البريد..

يتقدم فى الشارع الضيق رجل يعلن وينادى وقد تجمهر حوله بعض العيال..

الرجل: يا أهالى كوم النحل الكرام.. فتحت اليوم فى أسيوط المدرسة الأمريكانية للبنات مجانا.. جراية وكتوبة وشغل إبرة وشغل مطبخ وإنجليزى من الأصلي.. اللى عاوز يعلم أولاده يتفضل يروح ويجابل المستر كارتر والمدام أليس.. يا أهالى كوم النحل الكرام.. العمدة والمعلم سلامة يستمعان وهما يواصلان السير..

العمدة يغيظه أن هذا الرجل الغريب ينادى فى بلده دون أن يستأذنه..

العمدة: نادى الددع ده ياد سوجى أنشوف عما يزعط على إيه..!

دسوقى يسبقهم وينادى الرجل..

دسوقى: وجف يا منادى وجف.. كلم العمدة..

المنادى يتوقف.. ويرى العمدة فيدنو منه ويحب على يده..

العمدة: أنت منين؟

 المنادى: من أسيوط..

العمدة: وجاى تزعط فى البلد كده من غير إحم ولا دستور..؟

المنادى: إعلان عالمدرسة يا عمدة.. مدرسة جديدة فيها داخلية للبنات

العمدة: مدرسة؟ للبنات كمان.. وفى أسيوط؟!

عشنا وشفنا..

سلامة: يتدخل فى الحديث

كيف يدخلوها المدرسة دى يا بوى؟

حداى بنت عمرها أربعتاشر سنة.. تصح؟

المنادى: تصح يا خال.. إن كانت تجرا وتكتب..

سلامة: بتجرا وتكتب زين والله..

العمدة «مندهشا» عاتودى بنتك المضرسة يا سلامة..؟

يا راجل بلاش مسخرة.. بتك بجت صبية.. مشى يا سيوطى لحالك وازعط فى الوسعايات.. اوعك تخش الزخانيج.. أجطع دابرك من البلد..!

المنادى: حاضر يا عمدة..

المنادى يعطى إعلانا للمعلم سلامة وينصرف مهرولا وهو يقول:

المنادى إعلان أهه يا معلم مكتوب فيه علوان المدرسة والشروط..

سلامة يتصفح الإعلان بينما العمدة يستنكر اهتمامه..

العمدة: على آخرة الزمن يا سلامة عاتمشى ورا البدع.. خليك بعجلك يا راجل.. وخللى بتك فى دارها متصانة..

سلامة، وعايز جرالها إيه يعنى..؟ أهو الإعلان بيجول إن فيه إشراف واصل.. ورجابة محكمة وعاتكون مع بنات زيها.. الزمن لفاف يا عمدة واللى جاى بكره موش بتاع النهاردة.. وأديك عارف البير وغطاه.. البت تتعلم دلوكيت لصالحها يمكن تتجوز مستوظف.. ولا تشتغل معلمة تساعد نفسها بجرشين.

العمدة: وعاتخليها تشتغل كمان يا سلامة؟ أنى مالى.. اعرف خلاصك.. عاتيجى معايا نشوف الناظر الجديد..؟

سلامة: عاشوف عويضة وأبجى أعاود عليكم..

يتبادلان السلام ويسيران كل منهما فى اتجاه.. بينما دسوقى الغفير يهرول خلف العمدة وهو يعدل بندقيته..

 11 - د ار العمدة

داخلى/ نهار

العمدة يدخل مرحبا بالبوسطجى وخلفه دسوقى مهرولا.

العمدة: أهلا وسهلا.. أهلا وسهلا يا مرحبا..

ينهض شيخ الغفر واقفا باحترام مفاجئ لدى دخول العمدة.. ويقف عباس وهو يتناول يد العمدة الممدودة إليه..

عباس: أهلا بك يا عمدة..

العمدة: عدم المؤاخذة.. كنت فى مصالح.. نورت البلد اتفضل اجعد.. خد راحتك

عباس يجلس.. بينما العمدة يتوجه إلى مكانه من الدكة ويجلس أيضا

العمدة: جول لهم يجهزوا العشا يا وله..

عباس: مافيش داعى يا عمدة مالوش لزوم التعب

العمدة: إيه.. لجمة كده عالماشى.. أنت جاى من سفر.. فز يا وله يا دسوجى وهات لنا شاى.. اجعد يا شيخ الغفر

دسوقى يتقدم ويحمل صينية الشاى الفارغة من أمام عباس.. ويتوجه إلى الداخل.. والعمدة يواصل حديثه..

جالنا جواب من جمعتين إن حضرتك جاى.. وجعدنا نستنظر..

عباس: والله النقل كان مفاجأة يا عمدة.. اتأخرت شوية فى التنفيذ عشان أرتب أمورى..

العمدة: هو حضرتك متجوز..؟

عباس: لسه.. عندى والدتى وإخواتى.. وأبويا مش موجود.

العمدة: حضرتك عازب يعنى؟

عباس: أيوة..

العمدة: وعاتعيش إزاى يا ولدى؟

(مستدركا): عدم المؤاخذة مانى زى والدك برضه.

عباس: حاشوف شقة صغيرة والا أوضة أسكن فيها..

العمدة: هنا فى كوم النحل؟

عباس: طبعًا.

العمدة: (ببرود) ولا تلاجى.. دى بلاد فلاحين يا بوى واللى عايعوز بيت بيكوم شوية طين يسكنهم.. وكمان الأهالى هنا ما يسكنوش عزاب.

يدخل دسوقى بصينية الشاى وينهمك فى صبه فى الأكواب ويدور عليهم بالصينية..

عباس: (بانزعاج) وحاسكن إزاى أمال؟

العمدة: (ناصحا بمكر) مافيش جدامك غير أسيوط..

عباس (بحيرة) وأروح وآجى كل يوم..؟

يتدخل شيخ الغفر مهونا من المسألة

ش/ الغفر: ساعة بالجطر من هنا لهناك يا فندى..

عباس: (بغيظ) ساعتين بالجطر واتنين كيلو من هنا لغاية المحطة رايح جاى كل يوم..

مش ممكن.. مستحيل..

يهز رأسه رافضًا ويعتدل فى جلسته ويشرب كوب الشاى المرة الصغيرة دفعة واحدة من الغيظ ويتقزز منها فينهض دسوقى بسرعة ويملأها له من جديد.. ويملأ كوبه شيخ الغفر التى فرغت أيضا.

عباس: (لدسوقى) متشكر كفاية كده

دسوقى: ما يصحش يا فندى.. اشرب الشاى

عباس: (للعمدة) أمال الناظر اللى كان هنا قبلى.. كان ساكن فين؟!

العمدة يبدو كأنه لا يرغب فى إثارة هذا الحديث

العمدة: الله يتولاه بجى.. كان ساكن حدا فلتس أفندى.. الصراف..

عباس: (بلهفة) طيب ما أسكن مطرحه..

العمدة: لع.. تغور دى سكنى.. هى اللى ودت الناظر الجديم فى حديد..!

عباس يفاجأ وهو يرى نفسه يخرج من مشكلة ليدخل أخرى.. بينما يتدخل شيخ الغفر فى الحديث

ش/ الغفر: لو كان سمع شورتك يا عمدة ما كان حصل له اللى حصل (يلتفت لعباس) العمدة ياما جاله اسكن بعيد عن البيت ده يا منيب أفندى ولا كان يسمع المشورة.. كان راسه ناشف جوى..

العمدة: فلتس أفندى راجل بطال بيعمل مجالس فى بيته.. ويشربوا خمرة ويلعبوا جمار، ومنيب أفندى كان راجل على جد حاله.. وجع فى حبايلهم لحد ما اختلس وانجبض عليه..

دسوقى: أهو معوض أفندى فلتس ده مستوظف فى الحكومة صراف وعايشتغل أبونيه.. وكوميسيونجى فى الرايح والجاى.. حاكم عنيه فارغة جوى.

العمدة بمكر ينهر دسوقى.. ثم يلتفت لعباس الواجم ويواصل الترحيب به..

العمدة: اختشى يا وله.. ما تجلش كده.. والله سلامات نورتنا.. كنا جاعدين كده من غير ناظر بوستة..!

عباس: (باقتضاب) أهلا..

العمدة: (يلتفت لشيخ الغفر) أمال الواد رشدى فين؟!

موش كان ييجى يستجبل حضرة الناظر.

دسوقى: (ضاحكا بمكر) عايبيت الليلة حدا مرته بهانة فى بنى حسين.

العمدة: (لعباس) رشدى ده،، فراش البوسطة.. معاه المفاتيح والحمار عهدة المكتب.. وعايبيت الليلة حدا بهانة.. مرته التانية فى بنى حسين.. وعاييجى الصبح بمشيئة الله.. ويسلمك كل حاجة.

وللا ترغب نشيع له مرسال يجيبه الليلة؟

عباس يبدو يائسا حائرا شديد الانقباض والضيق.. وهو يتأمل ما حوله..

عباس: والله ما أنا عارف يا عمدة.. قبل البوسطة، لازم أعرف حاعيش إزاى؟ وأسكن فين؟ حكاية أسيوط دى مش ممكن.

العمدة يهون عليه ويشاركه بمكر التفكير فى المشكلة..

العمدة: هون عليك يا راجل.. ما تتضايجش بسرعة أكده.. حانشوف لك سكن ونريحك صح.. أنت باين عليك راجل طيب ولد ناس.

ش/ الغفر: دارك الجديمة اللى جبلى البلد يا عمدة تنفعوش؟

العمدة: أيوه.. مانى كنت بافكر فى كده برضه.. بعد ما الأفندى ياكل نيجى نوصل هناك يشوفها.. واللا أجول لك.. جوم بينا الأول نشوف الدار.

ينهض العمدة وهو يستحث عباس للنهوض

 12 - صالة بيت المعلم سلامة- داخلى / نهار

المعلم سلامة يتناول الطعام وحده وزوجته واقفة على خدمته تلبى طلباته قبل أن ينطق بها.. سلامة ينتهى من الأكل.. وحليمة تقدم الفاكهة.. بطيخ أو فاكهة خريف.. يقول لها وهو يأكل الفاكهة:

سلامة: عنودى جميلة مضرسة فى سيوط يا حليمة..

الزوجة تفاجأ.. فيصيبها الوجوم، بينما سلامة ينتهى من الفاكهة ويصفق.. فتدخل الخادمة مريم تحمل إبريق الغسيل والطشت وتقف فى جانب.. فينهض سلامة ويبدأ فى غسل يديه..

سلامة: (لزوجته) جلتى إيه؟

حليمة: ماليش جول بعدك يا معلم بس عاتروح الصبية سيوط وتيجى كل يوم؟

مريم تتابع الحديث بفضول..

سلامة: لع عاتفضل هناك واصل

سلامة يختلس النظر لساقى الخادمة، وهو يطيل فى مسألة الغسيل..

حليمة: (بانزعاج) كيف..؟ بعيد عن أهلها وبيتها..؟!

سلامة: وعاتخافى ليه.. دى مدرسة داخلية عاملينها راهبات.. وعايكون عليها رجابة شديدة.

حليمة: وعاتسافر امته؟

سلامة: عتسافر الصبح.. عاخدها معايا وأسلمها بنفسى هناك.. وموش عاسيبها فى المدرسة إلا لما أتأكد إنها عاتكون فى الأمان.

حليمة تلاحظ نظرات زوجها المختلسة لساقى الخادمة فتنهمك غاضبة فى رفع الأطباق وهى ترمق زوجها بنظرات خبيثة خائفة..

ينهض سلامة وقد غسل يديه لغرفته، بينما تدخل مريم بالطشت والإبريق وتعود مسرعة لتعبر الصالة إلى غرفة جميلة..