
عاطف بشاى
عيون النقاد
من دواعى السرور والغبطة أن تخصص مجلتنا الغراء «روزاليوسف» مساحة طيبة لمجموعة من الأعمدة لعدد من النقاد المخضرمين والشباب الواعد منهم لطرح انطباعاتهم عن الدراما الرمضانية لهذا العام.. صحيح أن المساحة المخصصة لا تكفى للتحليل النقدى المستفيض لكنها حمت القارئ من تلك الآفة المتفشية من كتابات نقاد العلاقات العامة ونقاد الصدفة والنقاد بالإلحاح والإحراج والإكراه والنقاد الحاقدين والشتامين أو من فشلوا فى أن يكونوا مبدعين فأصبحوا كارهين للمؤلف والمخرج والدراما والفن والحياة كلها.. فتحولوا إلى نقاد.
ولا عجب مثلاً أن ينصرف الناقد منهم إلى تقييم أداء الممثلين بمجموعة إكلاشيهات من قاموس النقد السريع المريع.. مثل تفوَّق الممثل الفلانى على نفسه فى تأدية الدور.. أو ارتفعت الممثلة العلانية إلى قمة الأداء فى تجسيدها لشخصية فلانة.. أو اتسم سيناريو المسلسل بالمَط والتطويل.. لكن المخرج «عفريت» والإخراج «حلو» وهكذا.
يدلى الناقد المتمكن «عصام زكريا» بدلوه فيرى أن مسلسل (المشوار) بدأ بداية قوية لكنه راح يُبطئ الخُطى لا يراوح مكانه ولا يتقدم على المستوى الدرامى.. وأنا أوافقه فى ذلك تمامًا وأرى أن البناء الدرامى للمسلسل اعتمد على الجهود المباحثية لكشف خيوط الجريمة بكل تفاصيلها المختلفة والتى تشمل هروب البطل واختفاءه وفى طرحه لرحلة البطل «محمد رمضان» برفقة زوجته «دينا الشربينى» وتفاصيل علاقتهما بمن استضافوهما وهى أحداث من شأنها أن تحدث خللاً فى علاقة تلك الأحداث بالقضية المثارة لأنها تشكل عالمًا منفصلاً ومقحمًا على السياق الدرامى ومفصولة الصلة بفحوى ومضمون قضية خطيرة وبالغة الأهمية بأبعادها السياسية والحضارية.. وقد حاول المخرج المبدع محمد ياسين احتواء ثغرات السيناريو التى تتفاقم وتزداد ترهلاً وثرثرة من حلقة إلى أخرى.. وذلك بقدرته المبهرة على استخدام لغته المرئية بعناصرها المختلفة من حركة الكاميرا وتكوين الكادر وإبداعات التصوير والإضاءة والقدرة الرائعة على قيادة الممثلين وضبط انفعالاتهم والبعد عن عالم محمد رمضان فى مسلسلاته السابقة وآخرها (البرنس) الغارق فى الميلودراما والفواجع والدم والمبالغة فى التعبير.. ويتسق رأيى هذا مع ما أوردته الناقدة علا الشافعى التى تؤكد أنها تدرك مشاكل النص وترى أن تيمة الرحلة تتطلب تفاصيل أكثر لصنع حالة التشويق والإثارة يصبحان غير ذات قيمة لو فرغ المحتوى من المغزى المتعدد الأبعاد لقضايا تهريب الآثار وخطورتها على المستوى القومى.
والحقيقة أن ملاحظات الناقد المتميز طارق مرسى حول اضطرار محمد رمضان ودينا الشربينى إلى استعراض موهبتهما فى مشاهد متكررة دون حدث متصاعد يعنى ضعف السيناريو الذى يمكن أن تختصر حلقاته الأولى فى حلقة واحدة.. ويلتقط «طارق» مفارقة ساخرة فى هذا الشأن وهى أن أسماء مثل الممثلين ندا بسيونى وأحمد صفوت وأحمد مجدى الذين تألقوا من دون نص تبدت ملامحهم الدرامية أهم وأكثر تأثيرًا من أبطال المسلسل نفسه.. والحقيقة الساطعة التى أرصدها تأكيدًا على ملحوظة طارق هذه أن أحمد صفوت ممثل بارع الموهبة رائع الإحساس والتعبير يسرق الكاميرا من الجميع.
أتصور أن تواصل «روزاليوسف» رسالتها المشرقة فى الاستعانة بالنقاد الحقيقيين من جميع الأجيال، فالتجربة الناجحة التى بزغت فى المتابعه النقدية لمسلسلات رمضان والتى حرصت على التركيز على رؤية هؤلاء النقاد يجب أن تستمر وتتسع المساحات التى تحتفى بالناقد الحقيقى الذى يلقى الضوء على النص الدرامى ويحلله فكريًا وسياسيًا واجتماعيًا ونفسيًا وفلسفيًا ويفسر مغزاه ويستخلص منه العبرة والهدف ويفك رموزه ويضع يده على مفاتيحه.. ويكشف ملامح شخوصه وعلاقتهم بهموم الواقع المعاش وصراعاتهم المتعددة.. ويكشف منطقية الأحداث وتصاعدها وصولاً إلى الذروة الدرامية.
أتمنى أن تزدان صفحات «روزاليوسف» بالمبدعين من النقاد مثلما تزدان بالمبدعين من الفنانين.