الجمعة 3 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
كيف ولماذا حكـــم السيسى مصـــر؟  «مرسى» رئيس مدنى غير منتخب "13"

كيف ولماذا حكـــم السيسى مصـــر؟ «مرسى» رئيس مدنى غير منتخب "13"

ذهب «مرسى» إلى ميدان التحرير مرتديًا الدرعَ الواقية تحت ملابسه، إلّا أنه تباهَى ممسكًا بجاكيت بدلته موحيًا أنه يقف غير خائف كرئيس مرغوب فيه ومنتخَب وله مؤيدون مُحبون مفتدون له، وكان حوله جوقة «الإخوان» وحلفاء الجماعة من المتأسلمين السَّلفيين والجهاديين وغيرهم من تلك الجماعات، والأكثر باقى القوى السياسية التى قامت بعصر الليمون وعلى رأسها اليساريون وقفوا جميعًا يهللون مبتهجين بالرئيس المزور يؤدى أمامهم اليمين فى مشهد كوميدى صاخب.



 

ثم حاولوا أن يقتحموا البرلمان الذى لم يكن هناك مجلس من أساسه؛ لأنه كان قد تم حله، إلّا أنهم قالوا يريدون أن يؤدى «مرسى» يمينًا أخرى أمام البرلمان المنحل حتى لو كان أمام مبنى البرلمان بالخارج، وهو ما رفضه المجلس العسكرى جملة وتفصيلًا؛ لأنه لا يجوز أداء يمين أمام مجلس لم يعد له شرعية التواجد بعد، عند ذلك جروا «الإخوان» ورئيسهم أذيال الخيبة، وظلوا يفكرون كيف يخرجون من المأزق الواجب التنفيذ وهو أداء اليمين أمام المحكمة الدستورية العليا، مع أنه اليمين الوحيد فيما ابتدعوه الذى يجيز شرعية «مرسى» كرئيس..

وبعد مماطلة وتأجيل من «الإخوان» تفتّق ذهنهم عن سيناريوهات غريبة، وهى أن يذهب «مرسى» إلى الدستورية ويُسلم على المستشارين الأعضاء ثم يغادر دون قسَم، ولكن يعلن أمام الشعب أنه دخل الدستورية، وكأن الأمر هو ذهابه من عدمه، وليس فى ضرورة أداء القسَم الشرعى الوحيد أمام الجهة الشرعية المستحقة والتى بعدها يجيز له أداء مهامه الرئاسية، وعندما رفض هذا السيناريو، قدّم «الإخوان» السيناريو الثانى الذى هو عبارة عن أداء «مرسى» اليمين أمام أعضاء الدستورية بشكل «سرّى» وغير معلن ولا منقول إعلاميًّا.

هذه السيناريوهات المتخلفة التى أظهرت من الوهلة الأولى ما يضمره «الإخوان» ضد الدولة وأنهم لن يبقوا على شكلها كدولة مدنية وجمهورية ذات سيادة وطمس هويتها، جعل ثلاثة من أعضاء الدستورية يقفون لمرسى وجماعته بالمرصاد، مُصرّين على أداء اليمين أمام الدستورية العليا وبشكل علنى وأن يأتى «مرسى» دون اصطحاب أى من جماعة «الإخوان»؛ حيث كان قد عرض بعض الأسماء ليأتوا معه إلى الدستورية أولًا ليكون موقفه من القسَم معلنًا أمام مكتب الإرشاد، ثانيًا يكونوا شاهدين على أنه فعل هذا مضطرّا لضغوط الدستورية وأن رفضه ومماطلته غير مقبولين.

كان المستشارون الثلاثة من الجمعية العمومية للدستورية المصرّون على أداء «مرسى» اليمين بشكل علنى هم «تهانى الجبالى - حسن البدراوى - عادل الشريف»، وقد ذكرت «الجبالى» فى هذا السياق أنهم أخذوا وقتًا طويلًا لمناقشة «مرسى» فى ضرورة أداء اليمين وأن يكون بالبث الإعلامى المباشر، وذكرت أنه كان يأخذهم فى منحَى آخر وهو الحديث حول حُكم الدستورية فى حل «البرلمان» وكيفية التراجُع عن حُكمهم وعودة البرلمان، إلّا أنهم رفضوا وأبلغوه بأنه لا يمكن لأحد أن يجبر المحكمة الدستورية على تغيير حُكمها.. وبعد تصميم من أعضاء الدستورية؛ خصوصًا المستشارين الثلاثة أدى «مرسى» اليمين الدستورية مضطرّا، لكنه السبيل الوحيد للذهاب إلى قصر الرئاسة الذى تحلم به الجماعة عن طريق رئيسهم المزور، لكن هذا الأمر لم يمر مرور الكرام؛ خصوصًا على «تهانى» التى قادت رفض كل سيناريوهات الجماعة لإفلات «مرسى» من القسَم، الذى كان يعلم الجميع أنه سيحنث به من مبدأ «التقية» الـمَخرَج الذى يجيزونه لأنفسهم لارتكاب كل الخطايا.. المهم أن «الإخوان» نصبوا العداء لـ«تهانى» ولم يهدوا أثناء حُكمهم حتى أطاحوا بها من المحكمة الدستورية، كأول قاضية امرأة تتولى هذا المنصب وتكون نائبًا لرئيس المحكمة الدستورية العليا، والأكثر من هذا أنهم كانوا يلوّحون ببديل يظهر فى الصورة ليس مكانها فى الدستورية؛ لأنهم لايعترفون بولاية المرأة فى القضاء، ولكنهم كانوا يضعون أمامهم امرأة أخرى تتصدّى لتصريحاتها وآرائها وهى «هدى عبدالمنعم» المحامية بالنقض والدستورية العليا وأمين حزب الحرية والعدالة بشرق القاهرة، وعضو لجنة جماعتهم التى يطلقون عليها «اللجنة العالمية الإسلامية للمرأة والطفل»، وهى اللجنة التى كانت تعد تقارير الظل قبل 2011م ضد كل القوانين المصرية بهذا الخصوص وتقدمها للأمم المتحدة فيما يخص الختان وتحديد سن الزواج وغيرهما.. المهم أنه بعد التخلص من «تهانى» لم تعد تظهر «هدى» للإعلام كما كان يزج بها من قِبَل الجماعة فى مواجهة «تهانى»…

حاول المجلس العسكرى أن ينبه لخطورة حُكم «الإخوان» للشعب المصرى وتبصيره لما يضمرونه للوطن، وقد توصلوا إلى إيجاد ثلاثة حلول، الأول هو إعلان أن المرحلة الانتقالية التى أدار فيها المجلس العسكرى شئون البلاد والتى بدأت من 11فبراير 2011م وسوف تنتهى فى 30يونيو 2012م عندما تُسَلّم البلاد إلى الرئيس الجديد بأنها كانت «استثنائية» وأن المرحلة الانتقالية الثانية ستبدأ منذ تسليم السُّلطة. ثانيًا بما أن الجيش مسئول دستوريّا عن حماية الديمقراطية ومسارها وقبلهما الحفاظ على الأمن القومى للبلاد، وحماية الدولة  المدنية، وصيانتها وعدم السماح بالانحراف بها، وهنا فكّروا فى وضع «إعلان دستورى مكمل» ينص على تشكيل «مجلس الدفاع الوطنى»، الذى سيسند له هذا لمراقبة أحوال البلاد بعد أن وجدوا بشاير غير مطمئنة من «مرسى وجماعته». ثالثًا أنهم قد تحسّبوا بأن أى رئيس قادم قد تسول له نفسه أن يقسو على الشعب بقرارات تعسفية مستغلّا فيها بعض القوانين، التى يجب أن تكون فى يد «حُكم رشيد»، وبما أن المجلس بحُكم تعامله مع القوى السياسية بكل أنواعها بما فيها «الإخوان»، كان يتراءى أمامهم أن أيًّا منهم لا يأمل إلّا فى السُّلطة ومصالحه الشخصية، والأكثر أن يبطش بما لا يتوافق معه من المواطنين، وعليه تم وقف وتجميد بل حاولوا حذفهم من الدستور الذى كانت تضعه الجمعية التأسيسية، وهو بالفعل ما حدث فى الدستور الذى ألغاه «الإخوان» وقام «مرسى» بتأسيس جمعية أخرى بقيادة مستشار من أربابهم هو «حسام الغريانى»؛ ليضعوا ما يحلو لهم فى دستورهم الجديد، أمّا القوانين التى خشى المجلس العسكرى أن يستغلها أى رئيس قادم لينال من الشعب فكانت «قانون الإرهاب، الطوارئ، الأحكام العرفية» وقدّموا أسبابهم فى ذلك، وسنذكرها فيما بعد…

قام المجلس العسكرى بحملة إعلامية تهدف إلى جمع تأييد الرأى العام على أهمية وجود «إعلان دستورى مكمل»، يعطى للمجلس شرعية المراقبة والمتابعة لحُكم يجدونه بعيدًا كل البعد عن الدولة المدنية الديمقراطية، وأن النية مبيتة للإطاحة بإنجازات الدولة ومكتسباتها التى تحققت فى ظل النظام الجمهورى، وأن أمريكا عندما تدعم جماعة ما إنما هى تأمل تكليفها بالكثير الذى سيكون على جسد الوطن، لكن ما حدث أن الإعلام لم يدرك الرسالة وكان سلبيًّا، والأكثر أن الغالبية لم تفهم المغزَى من هذا الإعلان، لكن الأمر المؤسف هو القوى السياسية والحزبية التى نسجت الكثير من السيناريوهات التى تنال من المجلس العسكرى وأعضائه وأسرفوا بقصد فى القول بأن المجلس يحمى نفسه وأنه يريد أن يضمن خروجًا آمنًا لا يحاسبه أحدٌ على فرض أنه ارتكب فى حق الفوضى إجراءات تحمى البلاد والعباد، والأكثر أنهم أعطوا «الإخوان» العصا التى يلوح بها للمجلس عندما قالوا إن المجلس يريد أن يستمر فى حُكم البلاد…

أمّا ما كان يأمله المجلس ويريد دعمًا من الرأى العام له فهو ما بدأوا يقولونه للإعلام بأن المرحلة الانتقالية الحقيقية ستبدأ فى 30يونيو 2012م وبعد تسليم السُّلطة إلى الرئيس الجديد وتستمر حتى استكمال الانتقال إلى الديمقراطية، وإن ما قبلها كانت مرحلة استثنائية، لكن الانتقالية الثانية فإنها ستستمر لسنوات، وهناك أمثلة لدول عاشت هذه المرحلة مثل «إندونيسيا» التى استمرت الحالة الانتقالية فيها لمدة 9 سنوات، والبرتغال 12 عامًا، ورومانيا 18 عامًا، وقال المجلس لكننا نأمل أن تأخذ مصر فترة أقل من ذلك، وهذا يتوقف على اللاعبين السياسيين وتفضيل المصلحة العليا للبلاد على مصالحهم الشخصية ومآربهم الحزبية، وكان كلامهم ينصب على أن الإعلان الدستورى المكمل هو تعبير عن المرحلة الانتقالية الثانية التى تحدد اختصاصات كل من المجلس الأعلى العسكرى الراعى الرسمى للعملية الديمقراطية، واختصاصات رئيس الدولة المنفذ للعملية الديمقراطية، وأعلن اللواء «محمد العصار»- عضو المجلس الأعلى العسكرى- أن القوات المسلحة لا تتولى دور التشريع لكن عينها على البلد وليس هناك سُلطة فوق السُّلطة…

كان المجلس قد عَلّق الأمل فى رقبة هذا الإعلان الدستورى كإجراء احترازى من حُكم الإخوان؛ خصوصًا بعد قيامهم برد فعل فورى فى فجر اليوم نفسه الذى صدر فيه الإعلان المكمل ليعلنوا مرشحهم رئيسًا لمصر، ورأى المجلس أن ما فعله «الإخوان» هو نوع من الإرهاب ولعبة يجيدونها وقت الأزمات، فبعد أربع ساعات فقط من فرز صناديق الاقتراع لدور الإعادة بين «مرسى وشفيق» أعلنوا فوز مرشحهم، وهم فى هذا ارتكبوا عدة أخطاء، أولها أن الجماعة أعلنت متضامنة مع حزب الحرية والعدالة الذى هو الآخر من المفترض ألّا يظهر فى الصورة لما بعد الانتخابات الرئاسية؛ لأن «محمد مرسى» كان يجب أن يستقيل من رئاسة الحزب ليصير رئيسًا لكل المصريين، هذا فى حالة فوزه بالفعل، لكن فى حالة المسرحية الهزلية التى تم بها إعلان الفوز قبل إعلان النتيجة بشكل رسمى وهم يعلمون أنهم مزورون وهو ليس منتخبًا، ولكن هذا لم يفرق مع «الإخوان» بأن يكونوا فى المشهد الذى تم خلاله عَقد المؤتمر لبث الفوز بكرسى الرئاسة عنوة واغتصابًا وبغير شرعية حقيقية، لكى يظهر بجانب الرئيس الذى أعلن فوزه بنفسه أعضاء الجماعة وأعضاء الحزب، وهذا غير قانونى أو سياسى أيضًا…

واعتبر العسكريون انعقاد المؤتمر الإخوانى فى الرابعة فجرًا قبل إعلان النتيجة أنها عملية استباقية، وكان المقصود أنه فى حال ما أعلنت لجنة الانتخابات عدم فوز مرشحهم؛ فإنهم سيتهمونها بأنها لجنة مزورة للنتيجة التى تخالف نتيجة «الإخوان» التى أعلنوها دون وجه حق، ويومها كان التساؤل: ماذا لو لم يعلن فوز «مرسى» غير المنتخب، وما السيناريوهات التى أعدتها الجماعة وما مصيرها؛ حيث كان سينظر فى أمر حلها سبتمبر 2012م؟

ظل ضباط الجيش يتساءلون بعد أن كانوا مؤمنين للانتخابات الرئاسية ومعهم عناصر الشرطة وأنهم شاهدوا وعلموا بما رصدته المنظمات العالمية والمحلية التى راقبت الانتخابات، وما سُجّل من تزوير وتجاوزات قانونية من «الإخوان» فى انتخابات الإعادة، هل كانت الانتخابات حُرة ونزيهة كما تدّعى الجماعة وأربابها؟

قال الجيش لقد وقفنا بكل شفافية وحياد لتكون النهاية تسليم السُّلطة إلى رئيس مدنى، لكنه ليس منتخبًا بالمعنى الدقيق للكلمة، وأن ما حدث من تزوير فى العملية الانتخابية من تسويد للبطاقات فى المطابع الأميرية بواسطة طابور خامس إخوانى يعمل بهذه المؤسّسة التابعة لوزارة الصناعة، ولم تكن حُرة؛ لأن هناك مسيحيين كثيرين مُنعوا من الإدلاء بأصواتهم بالقوة من قِبَل بلطجية «الإخوان» فى القرى والمحافظات…

ويرى الجيش أنه كانت هناك ضغوط دولية قاسية تمت ومورست على المجلس العسكرى، وهى ضرورة أن يسلموا السُّلطة فى 30/6/2012م ووجهت للمجلس تحذيرات بأنه إذا لم يتم هذا فإنه ستكون هناك عقوبات عسكرية واقتصادية وسياسية ستقع على مصر، وسيكون هناك تصعيد دولى وأن «أمريكا» على وجه الخصوص هددت المجلس بأنها سوف تثير ما يطلق عليهم «شباب الثورة» ليقفوا فى مواجهة القوات المسلحة متهمين المجلس العسكرى بأنه لا يريد تسليم السُّلطة.. هذا هو الجانب الغامض والمهم فى تسليم السُّلطة وأداء التحية العسكرية لمرسى من قِبَل المجلس العسكرى لعدم جر البلاد إلى عقوبات دولية وفوضى داخلية.

ومع أنه كان هناك تنسيق عالى المستوى بين لجنة الانتخابات والمجلس العسكرى فى الترتيبات والإجراءات الانتخابية، إلّا أن المشير «طنطاوى» فضّل أن تكون اللجنة المكونة من «القضاة» تفعَل ما تراه مناسبًا لمثل هذه الظروف التى تمر بها البلاد... إذن ماذا حدث؟ المعلومات الدقيقة تقول إن منظمات المجتمع المدنى التى راقبت الانتخابات قدمت طعونها على مخالفات كثيرة ارتكبت من قِبَل «الإخوان»، وأيضًا قدمت تقارير من منظمات خارجية بها نفس الملاحظات والمخالفات الإخوانية بما يفوق ما قدمته المنظمات المصرية، إلّا أن منظمة «كارتر» التى تعتمدها أمريكا لأن بينهم موالسة سياسية وهى الوحيدة التى نفت أى مخالفات بالانتخابات وقد تقاضت الكثير من أموال قطر التى حملها «حازم أبوإسماعيل» عن طريق بنك أمريكى، وهكذا كانت واشنطن تقف على قدم وساق فى هذا المشهد الانتخابى لتمكين «الإخوان» من حُكم مصر، وكان بينها وبين الجماعة اتفاق بأن يقوموا بالتهديد والوعيد وأنها فى جانبهم، بل قالت أمريكا صراحة للمشير «طنطاوى» إن «هؤلاء الناس»- أى «الإخوان»- لهم حق الحُكم الذى حُرموا منه لأسباب غير ديمقراطية، وأنه تنظيم عالمى يجب أن يختبر فى السُّلطة، وإن لم يكن هذا هدف واشنطن التى وعدت «الإخوان» بالحُكم مقابل تلبية طلباتها فى الاستيلاء على سيناء من أجل «حماس»، كونها امتدادًا للإخوان، وبذلك لن تكون هناك مطالبات لدولة فلسطين من إسرائيل.. وهددت أمريكا أنه إذا تمت إعادة الانتخابات؛ فإن الفوضى سوف تعم البلاد وتكون أكثر مما يتصورها أحدٌ؛ لأن التيارات الدينية المتطرفة سوف تنتشر وتتمركز فى سيناء وسيأتون عبر غزة وأنفاقها. وفى أثناء الوعيد الأمريكى كانت قنوات الجزيرة تعرض بأنهم فى شبه جزيرة سيناء فى عز النهار ملوحين بأعلامهم السوداء ووجوههم الملثمة يقتلون ويحرقون، وكان القول الفاصل فى هذا أنه فى حال عموم الفوضى فإننا- أى «أمريكا»- مجبرون لرفع الشأن إلى الأمم المتحدة بخصوص حماية المجرى الملاحى العالمى «قناة السويس» أولًا، وحماية أمن إسرائيل ثانيًا، وأنه فى هذه الحالة التى ستكون عليها مصر فإن الجيش سينشغل بالشأن الداخلى، وعليه يجب أن تكون هناك قوات من «الناتو» لتأمين القناة وسيناء…

لم يكن أمام «طنطاوى» إلّا أن تعلن النتيجة ويعود الجيش لحماية الحدود وقناة السويس وكل شريان حيوى بالبلاد.. المهم لا يكونوا أبدًا أداة لنزول قوات أمريكية وأوروبية أرض مصر مَهما كان الثمَن، عند ذلك وضع المجلس العسكرى الإعلان الدستورى السابق ذِكْره الذى حاولوا فيه جاهدين أن يقولوا للمعترضين أنه من أجل حماية العملية الديمقراطية واختبار حُكم «الإخوان»، تعطى فرصة فى هذا الأثناء لتفعيل الطعون أو يقوم الشعب ويطالب بإعادة الانتخابات، وحتى لا يحدث فراغ دستورى وسياسى وضع «الإعلان الدستورى المكمل» الذى يضمن للمجلس البقاء لحين الانتهاء من كل هذه الإجراءات السابق ذكرها، لكن حدث صخب واعتراض على الإعلان ما عدا ما كان لديهم الوعى بشأن القصد منه.

من مفارقات الزمن هو ما حدث من جماعة «الإخوان» التى كانت تقيم الدنيا ولا تقعدها عندما كان يتم تحويل أحدهم إلى القضاء العسكرى فى التهم المنسوبة لهم والتى كانت تضر بالأمن القومى، وكانوا يتوجهون إلى المنظمات العالمية بمظالمهم فى أحقيتهم بأنه لا يجوز تحويلهم للقضاء العسكرى، وأنه يجب أن يحاكموا أمام المحاكم المدنية العادية…

وبناءً على مطالبات كُثر ومن خوف القضاء العسكرى نفسه بأن يأتى رئيس يأخذ من المحاكم العسكرية ذريعة للزج بخصومه دون دراية منه بالقضايا التى تخص المحاكم العسكرية، وعليه قام المجلس العسكرى بتقديم مشروع قانون إلى (مجلس نواب قندهار) مضمونه أنه ليس من حق أى رئيس قادم تحويل أى من القضايا إلى القضاء العسكرى، وقد وافق (مجلس قندهار) بصعوبة على ذلك رُغْمَ أن الأغلبية بالمجلس تقول أنها احترقت بنيران هذا النص عندما كان الرؤساء السابقون يحوّلون ممارسى التيارات المتأسلمة إلى القضاء العسكرى ومع ذلك عندما رأت هذه التيارات وعلى رأسهم «الإخوان» أن جلوسهم على كرسى الحُكم اقترب فكّروا ألفَ مرّة وقالوا إنهم لايرغبون فى إلغاء هذا الاختصاص من سُلطات رئيس الدولة القادم وتفضل بقاءه، لكن القضاء العسكرى- وكان رئيسه وقتذاك اللواء «عادل المرسى»- صمم بأنه لا يفضل الزج به مستقبلًا فى قضايا ذات تبعات سياسية بحتة، وأكد أن التحويل للقضاء العسكرى سيكون فى القضايا التى ينص عليها القانون المصرى وتكون حقّا أصيلًا من اختصاص المحاكم العسكرية، وعلى سبيل المثال لا الحصر واقعة «زياد العليمى» فى سب المشير، ورُغم أن القضاء العسكرى أعطى الفرصة لمجلس الشعب للقيام بتوقيع الجزاء اللازم على النائب؛ فإن المجلس قام بالتحقيق ثم جمّد الموقف ويكاد يكون حفظه، ما جعل القضاء العسكرى يستدعى حقه فى أن يحاسب النائب «العليمى»؛ حيث إن ما فعله يندرج تحت القضايا العسكرية؛ لأن أحد طرفيها «عسكرى» والأكثر أنه رمز للمؤسّسة العسكرية…

والغريب فى الأمر أنه عندما تقلّد «مرسى» الحُكم طلب أحقيته فى تحويل بعض المختلفين معه إلى المحاكم العسكرية بحجة النَّيْل من شرعيته المزيفة المزورة، لكن الحمدلله لبُعد نظر المجلس العسكرى إلغاءه هذا الاختصاص.