
عاطف بشاى
الشريد «الفصامى»
أليس من دواعى الدهشة ذلك التكرار الغريب المتصل بأسباب الجرائم المختلفة التى تتخذ شكلًا طائفيًا بغيضًا على مدى العقود الزمنية المتعاقبة وآخرها جريمة ذلك المأفون الذى طعن القمص أرساليوس وديد رزق كاهن كنيسة السيدة العذراء بمنطقة كرموز بمحطة الرمل بالإسكندرية يوم الخميس الماضى 7/4.
وأقصد بالتكرار الغريب ذلك الانقسام فى آراء الكتاب الصحفيين عبر وسائل الإعلام المختلفة وصفحات التواصل الاجتماعى المتعددة متمثلًا فى تكريس فريق منهم لفكرة المرض النفسى أو العقلى لمرتكب الجريمة النكراء بناء عما ورد من معلومات فى التحقيقات الأولية للواقعة بأنه سبق إصابته باضطرابات نفسية منذ نحو عشرة أعوام دخل على أثرها أحد مستشفيات الصحة النفسية لتلقى العلاج اللازم وأنه هرب بعد ذلك من منزله ليقضى أيامه مشردًا ملتاثًا فى الشوارع والأزقة بلا هوية. لا مأوى له.. شاذ السلوك.. غريب الأطوار ينام على كورنيش البحر.
أما الفريق الآخر من الكتاب فيؤكدون أن الجانى إرهابى متطرف لا يعانى من خلل عقلى وإنما هو إفراز لتغلغل أفكار التكفير والكراهية فى عقول هى ضحية الفتاوى الشاذة من دعاة يحرضون على ازدراء الآخر ومعاداة أصحاب الديانات الأخرى.. وتذهب الكاتبة القديرة فريدة الشوباشى فى مقال لها فى جريدة الأهرام إلى أن توقيت هذه الجريمة الخسيسة يثير الانتباه من عدة وجوه أهمها أنه يأتى فى غمار دعوات الرئيس السيسى لتنقية المناهج الدراسية من الفتاوى المغرضة التى شوهت وعى الكثيرين وفق مخطط يستهدف الوحدة الوطنية التى تشكل العمود الفقرى لقوة مصر ومناعتها وما جعلها تهزم كل مخططات التخريب.. يمكننا أن نضيف إلى ما رددته الكاتبة أن الإنجازات الحضارية المتتالية التى يقودها الرئيس بهمة عالية وجسارة واضحة لتكريس دعائم دولة مدنية حديثة تدعو إلى حرية الاعتقاد وحرية الفكر والتعبير ونبذ التطرف الدينى بكل اتجاهاته وأشكاله والذى يسعى إلى انقسام الوطن وتفتيته وإشعال الفتن الطائفية.. هذه الإنجازات بالطبع تثير ثائرة التكفيريين وتدمر خططهم الشريرة لفرض توجهاتهم الظلامية المتخلفة.
لكن ما أود أن أشير إليه أننى لا أعرف سببًا منطقيًا لهذا التعارض فى الرأى.. فما المانع أن يكون المتهم سيكوباتيًا يجمع بين المرض العقلى وبين الإرهاب الدينى؟! بل على العكس فإنى أرى أن كثيرًا من أعراض المرض العقلى التى تصيب عددًا لا بأس به من المتطرفين تساهم مساهمة كبيرة فى شروعهم إلى ارتكاب الجرائم البشعة.. ومنهم زعامات لتنظيمات خطيرة.. فمثلًا شكرى مصطفى الإرهابى زعيم تنظيم التكفير والهجرة الذى قامت دعوته على تكفير الدولة والمجتمع كانت حالته تشى بوضوح بمرضه العقلى الذى هو خليط من البارانويا والذهان والهلاوس السمعية والبصرية.. وفى إطار هذا الخلل العضال صرح أنه الموعود بالخلود وحتى قيام الساعة ودعا المسيح عليه السلام ليحارب فى جيشه ضد المرتدين ورجال الحكم.. سوف ترث جماعته الأرض ومن عليها وقال إنه المهدى المنتظر حيث تقع نهاية العالم، حينما تكون الأمم قد أفرغت أسلحتها ودمرتها فى حروبها المهزومة ولم يبق إلا السيف وحد السكين سلاحًا للنصر».
وقد تم الحكم بإعدامه لاتهامه بالتحريض والتخطيط لخطف وقتل الشيخ الذهبى.. وقد أكد وهو فى طريقه إلى حبل المشنقة أنه سيظل حيًا حتى لو تم إعدامه.
أما قاتل القمص – لو افترضنا أنه قد تمكنت منه بارانويا الفصام فإن جريمته الشنعاء ارتكبها ضد عدو لا يعرفه ولا علاقة شخصية به.. ولكن بفعل هلاوسه المرئية انقض عليه بسكينه حيث يرى فيه -بملابس الكهنوت- رمزًا كافرًا عدوًا لله وجماعة المؤمنين.