الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
الطريق الثالث.. العائدون فى معركة الكاتب «الفيمنيست» ورجل الدين

الطريق الثالث.. العائدون فى معركة الكاتب «الفيمنيست» ورجل الدين

إن أهم ما تمتلكه الدراما هو قدرتها على تحريك العقول الراكدة وإثارة المشاعر الباردة، حول قضايا مهمة ومؤثرة، يعتقد صنّاع الدراما أن لها الأولوية فى الطرح لتدخل دائرة الحوار المجتمعى، الذى يُسهم فى صناعة رؤية مستقبلية ناضجة لمشكلات مزمنة. 



 

ولقد امتلكنا هذا العام ناصية الأعمال الدرامية المؤثرة بنجاح، نشكر عليه الشركة «المتحدة»، أيقونة صناعة الترفيه فى المنطقة العربية، فلقد قدمت أعمالاً درامية خلال شهر رمضان أحدثت أثرًا كبيرًا وأثارت جدلًا واسعًا، لكن ما زال ينقصنا امتلاك القدرة على إدارة حوار بناء يجمع شمل البلاد ولا يفرقها، ويستثمر هذا النجاح الدرامى الكبير فى تنمية العقل الجمعى وتطوير الفكر المصرى.

فى هذا المقال لا أنحاز لطرف ولكنى أبحث عن منطقة وسط نقف فيها بين يدى الحق، نواجه الحقيقة بموضوعية بعيدًا عن سخونة «الترند» وعبيده، وزحام عشوائيات الحوار ومراهقيه، ممن أشاعوا حولنا خلال السنوات الأخيرة فوضى فكرية مرهقة، ظنى أنها جزء من مخطط مدبر ومؤامرة متعددة الأهداف والأطراف.

ولقد فكك الكاتب السيناريست الكبير باهر دويدار، طلاسم هذه المؤامرة، وحل شفرة ألغازها، فى مشهد عظيم من الحلقة الرابعة عشر من ملحمة (العائدون).. وكان نص الحوار بين أثنين من ضباط جهاز المخابرات المصرية خطيرًا، ويستحق أن أنقله لكم كاملًا لعل الصورة تتضح.

- المدير: الموضوع ده مهم جدًا وخطير يا نبيل وما ينفعش التعامل فيه بأى نوع من أنواع التهاون.. ده شكل جديد من أشكال الهجوم.. سلاح جديد بيستخدموه جنب سلاح التطرف علشان يوصلوا للنتيجة اللى هم عايزينها.

- نبيل: إحنا متابعين يا فندم دعوات التشكيك والإلحاد المنتشرة على السوشيال ميديا بشكل مكثف الفترة اللى فاتت.. وتأكدنا أنها موجهة مش عفوية..!! وفيه جهات بتديرها بشكل منظم وتصاعدى ولها استراتجية بتحركها بس إحنا الحمد لله قدرنا نوصل لمفاتيح، ح توصلنا مين ورا الدعوات دى قريّب جدًا يا فندم.

- المدير: هم طبعًا بيستغلوا الهزة اللى حصلت للناس والشباب خصوصًا بعد تجربة الجماعة وممارسات داعش وأخواتها فى الدول اللى حوالينا كلها وبيحاولوا يشككوا الشباب فى كل الأديان.

- نبيل: أنا شايف يافندم أن الموضوع ده مترتب له من قبل كده ومش جاى صدفة خصوصًا أنه ماشى مع حملة الترويج للشذوذ الجنسى اللى بدأت من فترة، واضح كمان يافندم أن مرحلة ضرب الثوابت بدأت.. وبدأت بعنف. 

-  المدير: كل اللى حصل ده يا نبيل تمهيد للأرض لأن همَّ فعلا بيحاولوا يضربوا كل الثوابت اللى فى المجتمع، الأديان.. الوطن.. اللغة.. الأعراف.. التقاليد.. حتى شكل الأسرة اللى أتربينا عليه.

- نبيل: ما هى الثوابت دى يا فندم بقت بالنسبة لهم (فور بيزنس)، هى دى اللى واقفة عقبة فى طريق مكاسبهم السياسية والاقتصادية .. هم عايزين فرد مش متمسك بحاجة ولا منتمى لأى حاجة علشان يعرفوا يسيطروا على دماغه ومشاعره وأفكاره ويحركوه بالشكل اللى يناسب مصالحهم وفى الاتجاه اللى يكسبهم أكتر.

- المدير: علشان كده لازم نتوقع إنها ح تبقى معركة طويلة وهتستمر فترة ولازم نبقى جاهزين لها.

- نبيل: إحنا شغالين على الموضوع ده يافندم.. فى مجموعة ممتازة شغالة عليه بشكل كويس وقريب جدًا هيكون قدام سيادتك تقرير وافى.. (نهاية المشهد). 

هذا المشهد الدرامى، يبدو مدخلًا مثاليًا لفهم صاحبنا الدءوب، المتخصص فى فنون «البرشطة» والركوب، وقد أسميته وبعض جماعته فى مقال سابق «المتحذلقون»، ووصفتهم قائلاً: تراهم فى أحاديثهم الفضائية وتقرأ مقالتهم الورقية والألكترونية تحسبهم مناضلين، صادقين، حقيقيين، مؤمنين بما يقولون، ولكنهم مخادعون، مراوغون، ينطق لسانهم وفق أجندة خاصة، تتحدد موضوعاتها وفق طلبات (الزبون).

قبل يناير 2011 وبعده، كان الزبون هواه دينى، وتوجهه إخوانى، فكان هؤلاء المتحذلقين، الذين على كل الموائد يأكلون، هم أشرس المدافعين عن الحريات وحقوق الإنسان، يشهرون مقالاتهم على أسنة الديمقراطية الغربية فى وجه النظام السياسى، يجادلونك فى حسن البنا وإخوانه، ويعيدون صياغة تاريخ جماعته وتجميلها، وقد ساهموا وآخرين فى تهيئة الرأى العام لتقبل مشروع الإسلام السياسى وفصائله.

تضحك عندما تراهم وتقرأهم هذه الأيام، وقد تبدلت أجندتهم، فأصبحوا مستنيرين، ومجددين، يروجون لمشروعهم الجديد، الاستخفاف بالإسلام، والتجاوز فى الحديث عن نبيه وعن صحابته كلما سمحت الظروف، وازدراء عقيدته وعباداته، والتشكيك فى القرآن والسنة فى كل مناسبة ممكنة، عندهم أصبح الدين هو الشر الذى يناضلون للقضاء عليه أو بحسب كلماتهم، هى معركة القضاء على «تابو» الدين فى مصر، بمعنى تحطيم قدسية الدين ورجاله، وتراثه الفكرى.

وفى كتابى الأخير «مشكلة الإسلام» الصادر مطلع هذا العام، نبهت لخطورة مسألة «إرباك المرأة»، التى أصبحت هدف استراتيجى لهؤلاء «المتحذلقين»، الذين كلما هدأت نار أشعلوها، وكلما أوقفنا شجارًا افتعلوا معركة جديدة، إن سألتنى عنهم، سأصفهم بأنهم أتباع الشيطان وخدامه الأشرار، يشعلون نار الفتنة باستخدام المرأة وهمومها وقضاياها ومشكلاتها، لتستمر حاضرة فى كل محافل الحوار، ودوائر المناقشات المجتمعية، ويخدعون الجميع بنضالهم المزعوم من أجل حقوقها المسلوبة، وتتكاثر الآراء ويتحول الفضاء إلى هراء، بعد أن راهن صنّاع المحتوى فى كل خطوط إنتاجه على النسوية أو «الفيمنيست». 

وكى يعلو صخب المناقشات الفضائية ما بين الإعلام التقليدى والجديد ومعهما الفن، يورط الدين فى كل قصة، ويستبيح بعضهم الدخول من باب الشرع، ويغنى على ليلاه وعلى فتواه، ومن أجل عيون (الترند)، يهون الفقه والفكر والعقل والمنطق ويخلع الجميع وقاره أملًا فى إرضاء جماعة عشاق «سب الدين»، وكأن هؤلاء الأوغاد هم الذين سيحررون النساء، حتى أستدعى الأمر تدخل دار الإفتاء المصرية، فأصدرت (مانفيستو) دينى لتعليم الرجال فنون التعامل مع النساء. 

فيما استغل «المتحذلقون» البيان الناجز لمركز الأزهر للفتوى الذى صدر حول احترام الدين فى الإبداع المستنير، ليتصدى إلى عاصفة الترهات التى تصدرت (الترند) خلال شهر رمضان، وتركزت على تشويه رجال الدين واستغلال قضايا المرأة فى تحقيق ذلك، وحاولوا تصوير الأمر على أنه إرهاب للفن والمبدعين، وقدموا أنفسهم كضحايا يتربص بهم الأزهر ورجاله.

ويُدرك العقلاء فى مصر، حقيقة كل من باع كلمته، وتاريخ كل من تاجر بقلمه، ويعرف المصريون بفطرتهم الفرق بين الطيب والخبيث، ونعلم جميعًا صعوبة المعركة وخطورتها، وصراعنا مستمر مع التطرف بكل أشكاله، وعقيدتنا راسخة.. أمة وسط، تعرف طريقها نحو النور لبناء «جمهورية جديدة» وتأسيس «عقد اجتماعى» مصرى يناسب العصر.