الخميس 9 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

روضة رمضان.. مع المفتى التكلُّم فى علوم الشريعة بغير علم يؤول إلى فساد فى الاعتقاد والدين

مع بدءِ أيامِ  شَهْر رمضان  حرصنا على أن نكونَ معكم من خلال روضة رمضانية  تقدم مادةً صحفية من نوع خاص تُشبع رغبة القارئ فى معرفة رأى الدين فى بعض القضايا وتأخذ بيده للجلوس على مائدة أحد كبار العلماء للتعرُّف على رأى الدين فى العديد من القضايا؛ حيث خصَّصنا فى «روضة رمضان» هذا العام حوارًا أسبوعيًا مع فضيلة المفتى د.شوقى علام، الذى يتسمُ بغزارة العلم والفقه، فضلاً عن كونك تشعر بالألفة معه كونه يحمل صفة العالِم  الفقيه.



كما كان لنا فى الروضة تحقيقٌ فى عدد من الموضوعات التى نعرضها تباعًا كل أسبوع نتعرَّف من خلالها على رؤية تنويرية دينية صحيحة تثير الوعى الدينى، وتسهم فى تعميق الفهم الصحيح للدين.

ولم نتجاهَل فى «روضة رمضان» هذا العام من طرح عدد من الفتاوَى التى تساعدنا فى رمضان على تجاوُز بعض الأمور التى قد تلتبس لدَيْنا خلال الشهر الكريم.

مع قرب نهاية شهر الصوم ودخول الليالى العشر التى يكثر فيها الفضل كان لا بد فى لقائنا الرابع مع فضيلة المفتى د.شوقى علام من الذهاب إلى فضل العشر من الأواخر، وأفضل الأعمال فيها، إلى جانب الحديث عن زكاة الفطر، وكيفية تقديرها، واعتبار البعض أنها قليلة.

كما تطرق اللقاء مع المفتى لعدد من القضايا ومنها بعض الفتاوى الخاصة بالاعتكاف، وعدم تأثر أخلاق بعض الناس بمقصد العبادات وبخاصة الصوم من تهذيب النفس والقرب من الله.

 

بداية لقائنا الرابع انطلقت من عدم تأثر بعض الناس بأخلاق رمضان، واستمرار البعض فى تصرفات لا أخلاقية رغم حرصهم على العبادة والصوم وهنا يوضح د.شوقى علام أن العبادات تهدف إلى سمو النفس وتهذيبها، فعلى المسلم الطالب لسبيل النجاة الالتفات إلى جوهر شعائر الإسلام، فلا ينبغى له أن يقف فيها عند الالتزام الشكلى والتدين المظهرى فقط، وإن كان أداؤها يُسقط المطالبة بالقضاء مرة أخرى، بل يطلب منه فى حال أدائه إياها على وجهها المشروع أن يتحقق بمقاصدها التى شُرِعَت من أجلها من ربطها بالخالق وحده وتعظيمه تعالى وإقامة ذكره وشكره على نعمه الظاهرة والباطنة والتحلى بمكارم الأخلاق.

وفى تأكيد واضح لحقيقة الإيمان، قال المفتى ليس هناك فصل بين الإيمان والأخلاق والعمل، ونحن إنما ننطلق من الداخل؛ حيث لا يكون السلوك الخارجى إلا ترجمة حقيقية لما فى الداخل، وهذا أساس الإيمان الذى هو قول واعتقاد يصدقه العمل، ثم تأتى مرحلة الإحسان، وهى مرتبة خاصة تختبر فيها الرجال، حيث الرقيب هو الله وحده. والفصل بين الظاهر والباطن إنما هو من النفاق.

 العشر الأواخر والاعتكاف

وعن فضل العشر الأواخر من رمضان أوضح د.شوقى علام أن العبادة فى العشر الأواخر من رمضان أحب إلى الله من غيرها؛ فالله يختصها بالعناية والاهتمام، وكان النبى صلى الله عليه وسلم يتحينها وينتظرها ليتقرب فيها إلى الله أكثر ويكثر فيها الذكر والطاعة والعبادة، والسبب فى ذلك أن العشر الأواخر من رمضان هى أيام وليالٍ مباركة لها خصائص كثيرة، وتُعد نفحة ربانية ونقطة انطلاق يجب علينا أن ننتهزها ونعمل العمل الصالح ظاهرًا وباطنًا لعبادة الله وعمارة الأرض وتزكية النفس فى هذه الأيام، وينبغى أن يزيد المسلم من إحسانه فى الثلث الأخير من هذا الشهر المبارك، ويجتهد لاستدراك ما فاته؛ فقد كان سيد الخلق صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر شَدَّ مِئْزَرَهُ، وأَحْيَا لَيْلَهُ، وأَيْقَظَ أَهْلَهُ.

وعن سبب تلك الأفضلية لليالى العشر الأواخر من رمضان لفت مفتى الجمهورية النظر إلى أنه قد فُضِّلَت هذه العشر على سائر أيام العام بوقوع ليلة القدر ضمن زمانها المبارك؛ يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تَحَرَّوْا ليلةَ القدرِ فى العشر الأواخر مِن رمضان»، وهى ليلةٌ ساطعةُ البدر، جليلةُ القدر، عظيمةُ الأجر، يعدل ثوابُها ما يزيد على ثلاثةٍ وثمانين عامًا، لذا حذَّر النبيُّ صلى الله عليه وسلم من الغفلة عن تحريها، منبهًا على عِظَمِ خسارة من لم يغتنم الفضل  فيها.

وشدد على أن الاستعداد فى العشر الأواخر من رمضان باطنًا يكون بالتوبة الصادقة، وتخليص القلب من الشحناء والأحقاد، ويجتمع مع هذا حسن الظاهر بالتطهر والتطيب ولبس أحسن الثياب. وينبغى إحياء تلك الليالى بصنوف العبادات، وصلة الأرحام، وحُسن الْجِيرَةِ، والتوسعة على الأهل والأقارب، وكثرة الذكر، والاعتكاف، والتهجد، والدعاء والتضرع إلى الرءوف سبحانه، خاصة تكرار الدعاء المأثور: «اللهم إنك عفوٌّ تحب العفو فاعف عنى»، حتى يغتنم المسلم ثوابها العظيم.

وحول تردد فتاوى بأن هناك كفارة على من لم يعتكف هذا العام، قال د.شوقى أنه لا كفارة على من لم يعتكف، بل من اعتاد على فعل الخير ثم منعه عذر لا دخل له فيه، فله أجر فعله قبل العذر، بل ربما لو صدقت نية الراغب فى العبادة والطاعة ينال الأجر كاملًا إذا لم يتمكن من أدائها لعذر.

 فتوى بلاعلم

وهنا انتقل المفتى إلى قضية مهمة كثر الحديث عنها وهى تعرض غير المتخصصين للفتوى وأمور الدين؛ حيث أكد أن التكلم فى علوم الدين بغير علم يؤول إلى فساد فى الاعتقاد والدين، وكذلك التجرؤ فى جميع التخصصات الأخرى من طب، وصيدلة، وهندسة، وغيرها قد يؤول إلى فساد فى الأنفس، وقد يعرض حياة الإنسان إلى الخطر، ومن المقاصد الشرعية العليا حفظ النفس، وتعد أهم الضروريات المقاصدية الخمس التى قام على أساسها الشرع الشريف؛ فكان حفظها أصلًا قطعيًّا، وكليةً عامةً فى الدِّيْن؛ ولذا وجب احترام التخصص.

وأوضح المفتى أن دور الفتوى لا يتوقف على بيان الحكم الشرعى للمسألة، بل يمتد ذلك لبيان مؤثرات وتبعات هذا الحكم على المستفتى بما يحقق المصلحة ما دام ذلك يتوافق مع الشرع والتشريعات القانونية.

 زكاة الفطر

أوضح المفتى أن مذهب الحنفية أجاز إخراج زكاة الفطر فى صورة مال؛ وحينئذٍ يمكن أن يتصرف فيها الفقير كيفما يشاء، ومن ثم من الممكن أن يستخدم الفقراء أموال الزكاة فى قضاء الحاجات الخاصة.

وفى سياق الحديث، لفت فضيلة المفتى النظر إلى استحباب الزيادة لمن أراد على مبلغ زكاة الفطر التى قدرت هذا العام بـ15 جنيهًا، مشيرًا إلى أن دار الإفتاء المصرية تقوم بحساب زكاة الفطر بصورة دقيقة وفق سعر القمح، حيث إن قيمة زكاة الفطر تعادل (2.5) كيلو جرام من القمح عن كل فرد، نظرًا لأنه غالب قوت أهل مصر.

وأوضح المفتى أنه يمكن لمتلقى الزكاة أن يسد بها ديونه غير أن زكاة الفطر تكون قليلة حيث لا تتعدى خمسة أو سبعة أو عشرة جنيهات، ولكن قد يتجمع لدى الفقير مبلغ كبير من المال يستطيع أن يستخدمه فى سداد ديونه فلا حرج ولا مانع فى ذلك.

 المرأة والفتوى

انتقلنا أيضًا فى الحديث مع فضيلة المفتى حول قضية المرأة والإفتاء، وما يتردد من أن دور المرأة تراجع فى مجال الفتوى، وهنا أكد د. شوقى علام أن المرأة لم يتراجع دورها على الإطلاق ولم تهمش وهذا كلام مرفوض، فقضيتها ركن مهم فى بناء المجتمع والنهضة الحضارية؛ لأن لها النصيب الأكبر فى بناء تلك النهضة، خاصة وأن الإسلام قضى على جميع أشكال التمييز ضدها، ونحن كذلك ضد كل الدعوات التى تريد إقصاءها بأى حال من الأحوال، وتحت أى مسمى من المسميات.

وكشف المفتى أن دار الافتاء ترحب بالمرأة للعمل فى الفتوى، لكن وفق شروط ومؤهلات تؤهلها لأن تكون أمينة فتوى، هذه الشروط تتمثل فى حفظ القرآن والمتون الفقهية واللغوية، وشدد قائلا: أننا لا نريد مجرد إثبات حالة بتعيين امرأة مثلما حدث فى العصور الماضية مما أسهم فى انهيار مؤسسات المجتمع؛ بل نريد أن نضعها فى مكانها الصحيح وفق الإمكانات والخبرات والكفاءات وهذا سيصب فى مصلحة المرأة وقضيتها قبل أن يصب فى مصلحة المؤسسة التى ستكون فيها، وبالتالى يجب على المرأة أن تعى جيدًا أن لها دورًا عظيمًا فى النهضة الحضارية مما يحتم عليها أن تؤهل نفسها جيدًا من أجل أن تقوم بدورها فى بناء الأمة والحضارة والنهضة.