الخميس 9 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
حقك.. حرب الشرق والغرب على حقوق الإنسان التجربة المصرية.. رؤية وطنية للإصلاح وفق الأولويات الوطنية "2"

حقك.. حرب الشرق والغرب على حقوق الإنسان التجربة المصرية.. رؤية وطنية للإصلاح وفق الأولويات الوطنية "2"

الاختلافات فى الرؤية حول قضايا حقوق الإنسان بين الشرق والغرب تمتد من النظرية إلى التطبيق، للغرب رؤية محددة أو قالب واحد يجب أن تسير عليه كل الدول وهى رؤية حددتها التجربة الغربية وهى تختلف تماما فى ظروفها وفى محددتها بشكل كامل عن التجربة الشرقية.



 

تتحكم فى الرؤية الغربية لوبيهات الضغط السياسى ومنظمات حقوق الإنسان الدولية وبداخلها تيارات سياسية على خلاف كامل مع الانظمة العربية، وترفض تمام فكرة المؤسسات، واخترقتها نخب تنتمى لتيارات الإسلام السياسى وتحديدا جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية حتى باتت تسيطر على المكون الحقوقى الموجة للشرق الأوسط والمنطقة العربية، حتى أصبحنا أمام رؤية غربية تتحكم فيها جماعة مصنفة إرهابيا.  

أما الرؤية المصرية لحقوق الإنسان فاتخذت منحى مختلفًا حيث ركزت على احتياجات ومطالب الشعب المصرى على أرض الواقع وحددت أولويات هذه الحقوق التى جاء فى مقدمتها مواجهة التطرف والإرهاب وتحسين الأوضاع المعيشية للإنسان وظلت تعمل تحت ضغوط وأزمات اقتصادية عالمية ضخمة لتحقيق هذه الأهداف، والتى كشف الرئيس السيسى عنها لأول مرة خلال زيارته لفرنسا أكتوبر 2017 عندما رد على سؤال لأحد الصحفيين حول وضع حقوق الإنسان فى مصر، فقال: لا يجب أن نقصر حقوق الإنسان فى الأمور السياسية فقط، يجب الحديث عن حقوق الإنسان المصرى فى مجالات التعليم والصحة والإسكان. 

ونصح الرئيس من يريد التحدث عن حقوق الإنسان فى مصر بزيارة القاهرة والتحدث مع المصريين على أرض الواقع، لافتا إلى أن الكثير مما ينقل لهم غير صحيح محذرا من أن الرؤية قاصرة حول الحقوق السياسية فقط وإهمال باقى الحقوق. 

بتلك الكلمات صاغ الرئيس فكرته عن المطلوب من منظومة حقوق الإنسان، وعبر عن حال ملايين المصريين الذين لا تشغلهم قضايا حقوق الإنسان السياسية ويرغبون فى تحسين أوضاعهم المعيشية والحصول على حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية. قدمت مصر العديد من صور الالتزام بالتطبيق الحقيقى لحقوق الإنسان مثل القضاءعلى العشوائيات غير الآمنة وتنقل سكانها إلى مشروعات سكنية تتسم بالبناء الحضارى متكامل الخدمات، واتخذت الدولة تدابير حماية اجتماعية لتنفيذ برامج الإصلاح الاقتصادى للتخفيف على الفئات الاكثر احتياجا مثل مشروع تكافل وكرامة ومبادرة حياة كريمة، وفى مجال الصحة اهتمت بالعديد من المشاريع وأبرزها 100 مليون صحة، كما أنشئت شبكة طرق وكبارى تيسر على المواطن طرق المعيشة وتقلل من الزحام وتقضى على نسب كبيرة من الوفيات فى حوادث الطرق، فهى بذلك تضع حقوق الإنسان فى مقدمة اهتمامها، فالطبيعى أن الإنسان غير القادر على أن يحصل على حقوقه الاقتصادية والاجتماعية ويعانى من الفقر والبطالة والمرض غير قادر على ممارسة حقوقه السياسية والمدنية بالشكل الملائم، فمصر تضع لنفسها خطة متكاملة تسعى من خلالها للنهوض بحقوق الإنسان فى مختلف المناحي،  واتضح ذلك بتقديم مشروع رئيس الجمهورية لرؤية مصر 2030، وهى رؤية شاملة وطموحة لتحقيق العدالة الاجتماعية عبر توفير حزمة من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمواطن المصرى والتى تتضمن الحق فى الصحة والتعليم والسكن والمياه النظيفة والتنمية المستدامة هدفها توفير تلك الحقوق مع الوضع فى الاعتبار الزيادة السكانية والعمل على توفيرها للأجيال القادمة منالمصريين،  وتعتمد فى تطبيقهاعلى تحقيق تقدم فى مجال الحقوق المدنية والسياسية، مع تحسين جودة معيشة المواطن المصرى.

لقد واجه الرئيس عبد الفتاح السيسى، سؤال حقوق الإنسان فى الإليزيه، وإشاراته فى إجابته إلى رؤية مصرية الواقعية لتطبيق التزامات مصر الدولية، ثم قيام الدولة بفتح حوار داخلى بين الدولة ومنظمات المجتمع المدنى وخروج ذلك التفاعل فى صورة إطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان وفيها الخطوات العملية للنهوض بأوضاع حقوق الإنسان بشكل شامل وتنطلق من إرث حضارى عريق، وخطوات يلمسها المواطن على الأرض تبتعد عن ما يطلقه النشطاء فى صالوناتهم من تنظيرات تخاطب رضا الخارج ولا تمت للواقع بصلة، وعلى هذا الأساس انطلقت مصر بقوة فى ملف إصلاح الخطاب الدينى، وتعزيز قيم التسامح والمواطنة التى دمرتها الجماعة الإرهابية بخطابها الفاشى المستمر منذ ثمانين عامًا. 

وواجهت مصر ضغوط الإرهاب والأزمة الاقتصادية معا، ولم تنسِ المهمشين وذوى القدرات الخاصة وسكان العشوائيات، وتقوم بأكبر عملية مسح طبى فى العالم، وتتعاون مع المجتمع المدنى التنموى فى توفير مفردات الحياة الكريمة لغير القادرين.

ولم تتخل مصر عن دورها فى تهيئة وضمان ممارسة الحقوق السياسية والمدنية وضمان الحريات الاساسية فقد قامت بوضع وتحديث العديد من التشريعات المهمة لتكريس وضمان هذه الحقوق منها قانون مباشرة الحقوق السياسية وقانون الأحزاب وقانون مجلس النواب ومجلس الشيوخ والانتخابات الرئاسية وتنظيم ممارسة العمل الأهلي.

واعتبرت أن المجتمع المدنى شريكا أساسيا فى تحقيق النهوض بملف حقوق الإنسان، ولذا اهتمت الدولة بإصدار قانون تنظيم الجمعيات الأهلية والذى جاء بعد حوار مجتمعى ضم ما يقرب من ألف وثلاثمائة منظمة غير حكومية مصرية وأجنبية، ليقدم تيسيرات وضمانات تعزز العمل الأهلى فى مصر.

واستطاعت مصر أن تحظى بالعديد من الإشادات الدولية لما حققته فى ملف حقوق الإنسان وذلك خلال جلسة المراجعة الدورية لسجل مصر فى حقوق الإنسان بمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة عام 2019،  لأنشطتها وبرامجها لتحسين أوضاع المرأة والشباب وذوى الاحتياجات الخاصة وأوضاع المواطنة وحرية الاعتقاد، وهو ما يعبر عن خطى ومساعٍ حقيقية واضحة لتحسين أوضاع حقوق الإنسان.

كما أشادت منظمة الصحة العالمية بالتجربة المصرية فى علاج فيروس سى، وإعلان مصر خالية من الفيروس القاتل، ومبادرة 100 مليون صحة وامتدادها لعلاج اللاجئين والأشقاء الأفارقة المقيمن فى مصر.

كما وضعت مصر قضايا البيئة على أجندة عمل رئاسة الدولة المصرية، وشاركت فى قمة المناخ العالمى والتى تم الاتفاق فيها على وضع خطة عمل من خلال تنفيذ مشروعات بيئية بالشركات الصناعية لخفض تلوث الهواء والمياه، فى مصر وإفريقيا. 

استطاعت مصر خلال السنوات الماضية أن تخطو خطوات كبرى على أرض الواقع وأن تنحاز إلى المواطن البسيط وتقدم له يد العون.

نجاح أى تجربة دولية حقوقية لا بد أن يكون نتاجا لدراسة احتياجاتها وفق ما تتمتع به من مقومات وبعيدا عن التقليد والمحاكاة لنموذج بعينه، فالهدف هو تحديد مكامن الخلل فى أوضاعنا ومحاولة تقديم حلول مناسبة تتوافق مع ظروفنا وبما يتلاءم مع معتقداتنا الدينية وقيمنا المجتمعية فما يتاح لدولة لا يتاح لأخرى وبما يتماشى مع الشرعية الدولية لحقوق الإنسان والاتفاقات والمعاهدات التى نسعى جميعا للتأكيد على الالتزام بها فى حقوق الإنسان اما خصوصية المجتمعات الثقافية وظروفها الاقتصادية والاجتماعية فهى المعيار والحاكم فى طريقة وسبل تطبيق التجارب الدولية. 

فعلى العالم الغربى أن يراجع خطابه فيما يتعلق بحقوق الإنسان، فما يقبله الغرب لن يوافق عليه الشرق، الحضارات تتعاون وتتكامل ولا تنسخ إحداهما الأخرى، ومن غير المعقول أن نظل ندور فى نفس الحلقة المفرغة فلن يستفيد منها، فمصر لن تقبل التهديد أو الإملاء ولا النصائح التنظيرية، أو الضغوط السياسية التى تستخدم لافتة حقوق الإنسان، الإنسان المصرى يبحث عن بناء حضارة جديدة تقوم على ثوابته الراسخة وإيمانها بما جاء فى الإعلان العالمى لحقوق الإنسان ولن تقبل القوالب النظرية المعلبة البعيدة عن مطالب واحتياجات الإنسان المصرى.