الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

المرأة فى رمضان (1) (وَالصَّائِمِونَ وَالصَّائِمَاتِ): رمضان شهر القرآن والتقوى!

نزل تشريع الصيام للمسلمين فى المدينة فى السنة الثانية للهجرة، وكان الصيام مفروضًا على الأمم السابقة ومعروفًا عند أهل الكتاب، ولكن صيامهم لم يكن فى شهر رمضان، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) البقرة 183، وفى نهاية الآية جاء بها أن هدف الصوم هو التقوى.



 

بعد تقرير أن الصوم عبادة متوارثة وهدفه التقوى، تأتى عدة إضافات جديدة للتيسير منها، السماح بالإفطار للمريض والمسافر: (فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) البقرة 184.

والسماح بالعلاقة بين الزوجين: (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ) البقرة 187، بسبب وقوع بعضهم فى مباشرة الزوجة فى ليلة الصيام، وتستمر الآية: (عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ)، وأنه تعالى عفا عنهم وتاب عليهم، وأنزل هذا التخفيف عليهم، وتستمر الآية: (فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ).

وجاء تحديد وقت الإفطار فى رمضان، وهو السماح بالأكل والشرب والعلاقة بين الزوجين من مغرب الشمس إلى طلوع الفجر، وظهور أول خيوط الضوء حين تتمكن العين من رؤية الفرق بين الخيطين الأبيض والأسود.

وجاءت إضافة أخيرة: (وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِى الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) البقرة 187، فى منع العلاقة بين الزوجين أثناء الاعتكاف فى المسجد.

ويوضح الله تعالى ما يحتاج إلى توضيح فى أى تشريع جديد، ويوضح تعالى ما تم تحريفه فى أى تشريع موجود، وبذلك يكون بيان القرآن للناس ليتقوا الله: (كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) البقرة 187.

والتشريعات الإسلامية تقوم على أوامر وقواعد ومقاصد أو أهداف، والأوامر التشريعية تتبع القواعد التشريعية، والقواعد التشريعية تتبع المقصد التشريعى وهو التقوى، والتقوى هى الهدف من كل العبادات والأعمال الصالحة.

فمثلًا جاء الأمر بالصوم: (فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ)، وتستمر الآية بالقواعد وأساسها التخفيف والتيسير: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) البقرة 185، فالتشريع الإسلامى يقوم على التخفيف: (يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا) النساء 28.

لقد جاءت رسالة القرآن الكريم بالتخفيف ورفع الإصر وهو الثقيل من التكاليف التشريعية: (لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ) البقرة 286.

 التخفيف والتيسير:

من أصبح فى يوم من أيام رمضان مريضًا أو مسافرًا فله أن يفطر، ويقضى الأيام التى أفطرها بعد رمضان، ومن أصبح مريضًا أو مسافرًا ولكن أراد أن يصوم فهو خير له، ولو كان يستطيع الصوم ولكن بمشقة بالغة ولكنه تطوع بقبول مشقة الصوم فهو خير له: (وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُم إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) البقرة 184.

وجاء التخفيف الأخير فى تعديل مدة الإفطار، لتكون من بداية الليل بغروب الشمس، إلى أن يتضح الفرق بين الخيط الأبيض والخيط الأسود بمعنى ظهور أول خيوط الضوء من الفجر.

والتقوى محلها ضمير الصائم الذى يمتنع عن الطعام والشراب والعلاقة بين الزوجين، لأنه بذلك يتعامل مع الله تعالى ويخشاه بالغيب، حين يكون وحيدًا يتمسك بصومه حيث لا رقيب ولا حسيب عليه إلا الله تعالى، ولذلك كانت عبادة الصيام وسيلة لتعلم التقوى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) البقرة 183.

وفى التقوى توجد الإجابة عن كل أسئلة الصائمين، فالقرآن الكريم لم يحدد السفر الذى يسبب إرهاقًا يتساوى مع المرض، وترك ذلك لتقدير ضمير المؤمن.

ولم يحدد نوع المرض الذى يستدعى الإفطار، والمؤمن التقى عليه أن يأخذ رأى الطبيب المختص فى تحديد إن كان مرضه يستوجب الإفطار أم لا.

ولم يحدد الفدية التى يدفعها المفطر غير المريض وغير المسافر، قال تعالى: (فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ)، والتحديد يخضع لتقوى المسلم، ويقدره ضمير المؤمن الذى يسعى لرضا الله تعالى عليه.

وجاء تحديد بداية الصوم ونهايته متروكًا لضمير الصائم، فالبداية حين يتبين له الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر، ويمكنه احتياطيًا أن يمتنع عن الطعام قبلها، وحدد وقت الإفطار بالليل، والغروب هو بداية الليل ويمكن أن الإفطار بمجرد غروب الشمس، ولكن لمن أراد التأكد أن يفطر بعدها بدقائق.

إن الله فرض الصوم ليس فقط للامتناع عن الطعام والشراب والعلاقة بين الأزواج، ولكن ليكون الصوم تدريبًا للتقوى، ولذلك لا يتوقف عند التفصيلات التى لا لزوم لها، وعن الخطأ بحسن نية يقول تعالى: (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَٰكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا) الأحزاب 5.

وفى قوله تعالى: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ)، أصل الفعل طاق، بمعنى القدرة على التحمل ضمن الطاقة الطبيعية، وبذلك فإنه على الذين يستطيعون الصوم، ولكن هذه الاستطاعة تكون أكبر من الجهد الطبيعى، وقد جاءت بعد الترخيص للمريض والمسافر، والمعنى أنه على الذين يكون الصوم أو قضاؤه بعد رمضان يحملهم فوق طاقتهم فدية طعام مسكين: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ) البقرة 184.

يقول تعالى: (فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ)، فمن أصبح مريضًا أو مسافرًا عليه أن يصوم أيامًا أخرى بعدد الأيام التى أفطر فيها، والاختيار متاح لمن يطيق الصوم بصعوبة أن يصوم: (فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ).

 (أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ):

بمعنى أيامُ قليلة، وبمعنى أننا نعد أيام شهر رمضان يومًا بيوم حتى نكمل الشهر: (وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ)، إن كان الشهر كاملًا 30 يومًا، أو ناقصًا 29 يومًا، تبع الحساب الفلكى للأشهر القمرية.

أما عن التقوى وموقف كل إنسان منها فى حالة الصوم، البعض يصوم لأنه تعود على ذلك، فيصوم ولا يصلى، أو يصلى فى رمضان فقط، فالصوم هو الهدف بالنسبة له، ولكنه لا يصلح شيئًا فى سلوكياته، فهو صوم بلا تقوى، فقد تحول رمضان إلى عادة اجتماعية، وشهر للجوع والعطش دون أى ترقية أخلاقية، والتقوى سبب للرقى الأخلاقى فى التعامل مع الناس وإخلاص العقيدة والعبادة لله تعالى.

التقوى والصيام:

يقوم الصائم بالتركيز على الصيام مع إغفال للقواعد الميسرة للصوم، ومع تجاهل للتقوى، وفى كل رمضان تتكرر الأسئلة التى يسأل عنها الصائمون، والإجابة موجودة فى التقوى، مثل أن القرآن الكريم لم يحدد طبيعة السفر المرهق الذى يتساوى مع المرض ويكون سببًا للإفطار، وترك ذلك لتقدير ضمير المؤمن.

ومثل أنه لم يحدد نوع المرض الذى يحتاج للإفطار، وعلى المؤمن التقى أن يستشير الطبيب المختص لتحديد حاجة المريض للإفطار لأن الصوم يضره. 

ومثل أنه لم يحدد مقدار الفدية التى يدفعها المفطر غير المريض وغير المسافر: (فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ)، التحديد يرجع لتقوى المسلم.

وجاء تحديد بداية الصوم ونهايته متروكًا لضمير المؤمن الصائم، فالبداية من حين يتبين له الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر، ويمكنه احتياطًا أن يمسك عن الطعام قبلها، وحدد وقت الإفطار بالليل، والغروب هو بداية الليل، بأن الإفطار بمجرد غروب الشمس، ولكن لمن أراد التأكد أن يفطر بعدها بعدة دقائق.

لقد أصبح الصيام هدفًا ينشأ عليه الطفل المسلم يتعلم الصوم ويؤديه كعادة، بجانب عادات أخرى فى الطعام والشراب وقضاء وقت رمضان، قامت عليها حرف ومهن وصناعات، وأصبح مفهوم الكثير من الناس للصيام يشمل كل شىء ما عدا التقوى، فالمهم هو الصوم لعدم الخروج عن إجماع المجتمع الصائم.

الهدف من الصوم ليس مجرد الحرمان وإنما هو التقوى، وبغياب التقوى فقد تحول الصيام إلى عكس ما يهدف إليه، فرمضان أصبح شهر الأطعمة فى الإفطار والسحور، وشهر يسهر فيه الناس الليل وينامون فيه النهار، أو يتكاسلون حتى يمضى اليوم، كما يجد البعض فى صومهم حجة للغضب.

ويرتبط رمضان بذكريات الأكل والسهر ومدفع الإفطار والمسحراتى، وذكريات الطفولة فى رمضان عند الإفطار والسحور وزيارات الأهل والأصحاب، أما التقوى فقد أصبحت فى رمضان مجرد سبحة فى اليد.

لقد شرع تعالى العبادات كوسيلة للتقوى، وتزكية النفس وتطهيرها، بأن يصلى الإنسان لتتطهر نفسه، ويصوم لتتزكى وتتقى نفسه، ويحج لتتزود نفسه بالتقوى: (وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى) البقرة 197، فالتقوى هى مكسب المؤمن ليلقى الله بقلب سليم.