الخميس 24 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
هل ولَّى زمن الأضاحيك؟!..

هل ولَّى زمن الأضاحيك؟!..

لا شَكَّ أن الكاريكاتير فنٌ من الفنون الراسخة التى يمتد تاريخُها الضاربُ فى القِدَم منذ الفراعنة الأوائل وصولاً إلى عصرنا الحديث.. ويُعتبر النحتُ المحفور فى أحد المعابد بالأقصر الذى يمثل رسمًا كاريكاتوريًا لفأر يطارد قطا سمينًا.. والآخر الذى يصور هزيلاً ينوء بحَمْل امرأة بدينة جدًا تغطى بجسدها وبطنها المدلاة حتى يلامس الأرضَ، هما أدلة واضحة على أن المصريين القدماء رغم وجوه تماثيلهم الجهمة التى لا تشى بمجرد ابتسامة وسلوكهم فى الحياة الذى يقدس الموت ويبنى الأهرامات لدفن ملوكهم.. وتراثهم الحزين الذى يجسّده نَصُّ الفلاح الفصيح الشهير الذى يعانى من القهر والظلم الاجتماعى المرير والذى يُعَبر فيه عن شكواه المؤلمة والميلودرامية رُغم ذلك فقد عرفوا النكتة التى تستند على عنصرَى المفارقة وسوء التفاهم، وهما أهم الركائز الرئيسية للكوميديا منذ أرسطو حتى الآن وكل أشكالها الانتقادية ومنها كوميديا الموقف والموضوع والكوميديا السوداء وكوميديا الشخصيات وكوميديا الكباريه السياسى.



والتاريخ المصرى للكاريكاتير يزخر تراثه بأسماء لامعة ومبهرة لرسامى الكاريكاتير الكبار ابتداءً من صاروخان وطوغان ورخا وصلاح جاهين وجورج البهجورى وبهجت ومصطفى حسين والليثى.. ورؤوف عياد وحجازى وعمرو سليم آخر عنقود الموهوبين الكبار..

والحقيقة أن معظمهم ترجع قيمتهم الفنية الكبيرة إلى أنهم آمنوا دائمًا أن الفن مهنة ورسالة وقضية.. وبعض رسوم فنان الكاريكاتير الكبير حجازى تحمل خاصية تبدو بريئة- كما يرى الناقد الكبير على الراعى- من الخارج يقبل عليها المتلقى وهو خالى الذهن من أى خطر تحمله ولكنه ما أن يبدأ فى التعامل معها حتى ينفجر المحتوى فى وجهه، وهو محتوى أشبه بالعبوة الناسفة شديدة الفتك.

وبالإضافة إلى ذلك؛ فإن كاريكاتير حجازى يقوم على تلك المفارقة التى تحدثنا عنها.. التناقض بين سلوكين أو فعلين يُحدثان نوعًا من الدهشة أو اللا معقولية فى المعنى أو الاتجاه أو المضمون أو العواطف كالحزن والسعادة.. مثال ذلك رسم يمثل صحفيًا يتصل بأحد المسئولين بالتليفون مرددًا: «ألو من فضلك عاوز أعرف رأيى إيه انّهاردة عشان أكتبه..»، والتناقض هنا أنه يريد أن يعرف رأى المسئول لا رأيه هو.. والهدف لاذع ومرير يفجر الضحك والسخرية من الأوضاع السياسية.. لكنه أيضًا يفجر السخط والحزن بسبب ما آلت إليه هذه الأوضاع.

كاريكاتير آخر يرسم فيه طفلين بائسين يجلسان بجوار صندوق قمامة على رصيف شارع ويرتديان ملابس بالية ممزقة وأحدهما يردد للآخر: انّهاردة عيد الطفولة.. كل سنة واحنا مش بخير.

والتناقض هنا هو حالتهما المذرية فى مناسبة احتفال فرح بينما هما يعيشان فى حالة بؤس وشقاء لا يدعو إلى الفرحة بل إلى الحزن والإحساس بالتعاسة.. والتناقض هنا أيضًا قائم على الظلم الاجتماعى الواقع عليهما والمتمثل فى أن الفرح والسعادة يخصان أطفالاً آخرين، فى إشارة إلى مجتمع يعانى من فوارق طبقية واضحة..

كاريكاتير ثالث لأطفال جالسين حول طبلية فى منزل فقير مع والدهم ووالدتهم والطبلية خالية من الطعام بينما راديو ترانزيستور موضوع عليها والأب ينصحهم قائلاً: كلما سمعتم تصريحات المسئولين فكّروا فى الوطن.. عيب تفكّروا فى الأكل.. 

المفارقة هنا تتمثل أيضًا فى الظلم الاجتماعى الذى يتناقض مع شعارات مثل: ماتقولش إيه ادّيتنا مصر.. قول حاندّى إيه لمصر..

أمّا الإجابة على السؤال الذى يفرض نفسه: لماذا نضبت الضحكة وندرت النكتة وتباعدت الفرحة وشحت البهجة وتقلصت الأطروفة كما تقلصت مساحات الأضاحيك وقَل عدد رسامى الكاريكاتير الذين كانت تكتظ بهم صفحات الصحف والمجلات.. هل عَزَّ زمنُ الفكاهة وصارت الكوميديا فى أزمة والملهاه فى محنة، ولماذا أصبحنا شعبًا جهمًا عابسًا فظا.. نكديًا.. يميل إلى الشحناء والبُغض والعدوان والتطرف؟ 

إن حجازى الرائع أجاب عن هذا التساؤل بسلوكه الشخصى حينما توقّف فجأة عن الإبداع.. وعاد إلى مسقط رأسه بطنطا التى نزح منها إلى القاهرة ليرسم بانوراما كاريكاتيرية للإنسان المصرى عبر مسيرة رائعة امتدت لقرابة خمسين عامًا من الإبداع المتفرد.

هذا الفنان العبقرى أدرك أن مفارقات الواقع المعاش الصارخة أصبحت تفوق فى هولها وغرابتها ولا معقوليتها وعبثها وتطرفها مئات المرّات تلك التى اعتصر فيها ذهنه واستدعى خياله واستحضر المهمة وموهبته الفياضة فى رسمها وتجسيدها.