الإثنين 28 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

هل يدعم الأزهر «الإبراهيمية» أم يرفضها؟

لا تزال قضية توحيد الديانات الإبراهيمية محلا للجدل فى الأوساط الدينية، فعلى الرغم من إعلان الأزهر رفضه لتلك الدعوة إلا أن قيام ما يعرف باسم بيت العائلة الإبراهيمى أعاد الشكوك حول سبب إنشاء هذا البيت، لاسيما أن الطرف اليهودى متواجد فى هذا البيت، الذى تم الإعلان عن إنشائه عقب لقاءات مشتركة بين د. أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، والبابا فرنسيس بابا الفاتيكان .. حيث تم الاتفاق على إنشاء بيت العائلة الإبراهيمية، والذى يضم مسجدا وكنيسة ومعبدا يهوديا بجزيرة السعديات بمقر العاصمة الإماراتية أبو ظبى.



ومما يثير الشكوك لدى البعض  أن الأزهر لم يكن بحاجة لإنشاء بيت العائلة الإبراهيمى  حيث إن الأزهر الشريف تبنى قضية الحوار بين الأديان بصورة رسمية منذ عهد د. محمد سيد طنطاوى ففى 28 مايو 1998 تم توقيع وثيقة تشكيل اللجنة المشترَكة للحوار بين الأزهر والمجلس البابوى للحوار بين الأديان، التى تمّ التوقيع على إنشائها بالفاتيكان، من قِبَل وكيل الأزهر الشيخ فوزى فاضل الزفزاف والدكتور على السمان، رئيس لجنة الحوار بالأزهر آنذاك، وهو ما يعنى بداية التنسيق على الصعيد الدينى،  وفى عام 2000 كانت أول زيارة لبابا الفاتيكان الراحل يوحنا بولس الثانى للأزهر، وظل العمل الحوارى مستمرا لفترة طويلة حتى رحيل الشيخ محمد سيد طنطاوى عام 2010.

 وعلى الرغم من أن الأزهر الشريف فى عام 2015 أعاد عمل الحوار وأعلن عن إنشاء مركز جديد للحوار بين الأديان يتبع شيخ الأزهر مباشرة،  إلا أن الملاحظ تجميد نشاط هذا المركز خاصة مع تفعيل وثيقة الأخوة الإنسانية وما انبثق عنها من لجنة عام 2019، وإنشاء ما يعرف باسم بيت العائلة الإبراهيمى بمشاركة الأزهر، وذلك رغم أن هذا البيت أعلن نفس أهداف مركز الحوار السابق من نشر ثقافة الحوار بين الأديان والحضارات المختلفة، والعمل على قبول الآخر والتعايش المشترك، والتأكيد على القيم الدينية المشتركة، وتعزيز التعاون بين الأزهر والمؤسسات الدينية المختلفة فى هذا المجال.

 وبالرجوع إلى بيانات الأزهر الإعلامية حول البيت الإبراهيمى تبين أنه فكرة نبعت من لجنة الأخوة الإنسانية التى يتولى أمانتها العامة المستشار محمد عبدالسلام، مستشار شيخ الأزهر الذى تفرغ للعمل فى لجنة الأخوة الإنسانية بالإمارات، وذلك استنادا إلى وثيقة الأخوة الإنسانية التى وقعها كل من شيخ الأزهر د. أحمد الطيب، والبابا فرنسيس بابا الفاتيكان فى فبراير 2019.

وهو ما أكده المستشار محمد عبد السلام بقوله: «إن توقيع وثيقة الأخوّة الإنسانية من قبل فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر وقداسة البابا فرنسيس، تلك اللحظة التاريخية، ولد منها العديد من المبادرات العالميّة والمهمّة والمؤثِّرة أيضًا وكان أول هذه المبادرات الإعلان عن مشروعين من أهم المشاريع العالميّة التى ينظر إليها العالم اليوم بتقدير واحترام أولها مشروع بيت العائلة الإبراهيميّة الذى أُعلن عنه بعد توقيع وثيقة الأخوّة الإنسانيّة بدقائق من نفس منصّة الحدث فى الرابع من شباط فبراير عام 2019 ووضع حجر الأساس لهذا المشروع الإنسانى والحضارى فضيلة الإمام الأكبر مع أخيه البابا فرنسيس». 

 تفاصيل بيت العائلة الإبراهيمى 

وبدأت قصة ظهور بيت العائلة الإبراهيمى فى سبتمبر 2019 حين عقدت اللجنة العليا للوثيقة الإنسانية فى نيويورك اجتماعها الثانى، وكشفت اللجنة فى هذا الاجتماع الكثير من التفاصيل عن مشروع بيت العائلة الإبراهيمية، والذى سوف يتم إنشاؤه بالعاصمة الإماراتية أبوظبى، ويعمل هذا البيت كمجتمع للتقريب والحوار بين الأديان، مما يعزز قيم التعايش السلمى والقبول بين أصحاب المعتقدات والثقافات المختلفة.

وفى توضيح للصورة التى تؤكد تواجد الأطراف الدينية السماوية الثلاثة «يهودية ومسيحية وإسلامية» بشكل مباشر، فى بيت العائلة الإبراهيمى قالت لجنة الأخوة الإنسانية: «من المتوقع أن يكون بيت العائلة الإبراهيمية والذى يعد مبادرة تاريخية، مكانًا للتعلم والفهم والعبادة، كما أنه سيكون مفتوحا للجميع، ويشتمل هذا المجتمع على أربعة أماكن ممثلة لكل دين من الأديان السماوية الثلاثة، الجامع، الكنيسة، والكنيس اليهودى، بالإضافة إلى مكان رابع ‬ غير مرتبط بأى دين، سيكون بمثابة مركز التقاء لجميع الناس ذوى النوايا الحسنة، ‪وهو ما يتيح الفرصة أمام الزائرين لرؤية الطقوس الدينية المختلفة، والاستماع للنصوص المقدسة من كل دين، وحضور البرامج والأحداث التى سوف يتم تصميمها للعرض فى هذا المجتمع الإبراهيمى».

هذا الإعلان من لجنة الأخوة الإنسانية أظهر وجود خطوات فعلية لوجود طقوس دينية للأديان الثلاثة فى مكان واحد لخلق ما يعرف بأسم المجتمع الإبراهيمى، وهو مسمى أطلق للمرة الأولى تحت رعاية الأزهر الشريف بعد نجاح خطوات لجنة الأخوة الإنسانية فى فتح حوار وتقارب دينى للطرف اليهودى بمشاركة ورعاية مباشرة من الأزهر الشريف،  وهذا ما اعلنته لجنة الأخوة الإنسانية صراحة عقب الاجتماع الأول لها الذى عقد فى الحادى عشر من سبتمبر 2018، والذى اتخذت فيه اللجنة عددا من القرارات المه مة، كان أبرزها دعوة الأمم المتحدة لتحديد يوم عالمى للأخوة الإنسانية، وضم الحاخام بروس لوستينج، كبير الحاخامات فى المجمع العبرى بواشنطن كأول عضو يهودى فى اللجنة.

وفى نوفمبر 2019 التقى د. أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، والبابا فرنسيس بابا الكنيسة الكاثوليكية، أعضاء اللجنة الدولية للأخوة الإنسانية. وقدم أعضاء اللجنة لفضيلة الإمام وقداسة البابا، التصور المقترح لبيت العائلة الإبراهيمية الذى سيقام فى العاصمة الإماراتية أبو ظبى، باعتباره أول المشاريع التى ستتولى اللجنة الإشراف عليها، وكشف التصميم المقترح عن تأسيس كنيسة ومسجد ومعبد فى مساحة مشتركة للمرة الأولى، بهدف تشجيع الحوار الدينى ونشر قيم التسامح والعيش المشترك بين جميع الناس من مختلف الأديان والثقافات والمعتقدات. 

وخلال اللقاء أيد شخ الأزهر وباب الفاتيكان الفكرة، وأكد الإمام الأكبر أن اللجنة الدولية للأخوة الإنسانية يقع عليها مسئولية كبيرة فى تحقيق مبادئ وثيقة الأخوة الإنسانية وتطبيقها على أرض الواقع ليشعر كل الناس بنتائج هذه الوثيقة على التعايش والسلام المجتمعى، ومن جانبه قال البابا فرنسيس أن بيت العائلة الإبراهيمية فكرة عبقرية تجسد الأخوة الإنسانية التى نسعى إليها جميعا.

 دعم المجتمع الإبراهيمى 

ولم يتوقف الأمر عند حدود إعلان البيت الإبراهيمى للديانات الثلاث، وعمل لقاءات حوارية.. بل تم من خلال لجنة الأخوة الإنسانية تخصيص جائزة ضخمة لتأصيل فكرة بيت العائلة الإبراهيمية، كما تم انتقاء عدد من الصحفيين والإعلاميين ليكونوا داعمين لنشر فكر البيت الإبراهيمى. 

الجائزة التى رصدت كانت هى الجائزة الأولى من نوعها فى العالم التى توجّه مباشرة إلى مسمى الأخوّة الإنسانيّة، حيث اعتبر المستشار محمد عبد السلام أن هذه الجائزة أيضًا هى الأولى من نوعها التى تخرج من منطقة الشرق الأوسط والوطن العربى إلى العالم وتهدف إلى تعزيز إسهامات الأفراد والكيانات فى مجال الأخوّة الإنسانيّة وتحفِّزهم على بذل الجهود للمزيد من التعايش والتضامن الإنسانى، مشيرا إلى أن الجائزة قيمتها مليون دولار سنويًّا وتوضع هذه القيمة تحت تصرُّف اللجنة العليا للأخوّة الإنسانية من وقف الشيخ زايد.

 دعم أممى 

الدعم لما يعرف بالمجتمع الإبراهيمى وبيت العائلة الإبراهيمية التى يرعاها الأزهر والفاتيكان من خلال وثيقة الأخوة الإنسانية لاقى ترحيبا أمميا، من خلال زيارة أنطونيو غوتيريس أمين عام الأمم المتحدة قام بها وفد من لجنة الأخوة الإنسانية على رأسه الكاردينال ميجيل أنجل أيوسو، رئيس المجلس البابوى للحوار، رئيس الدورة الحالية لاجتماعات اللجنة العليا للأخوة الإنسانية، والمستشار محمد عبدالسلام، الأمين العام للجنة، والذى استعرض مبادرة بيت العائلة الإبراهيمية، والذى يضم مسجدا وكنيسة ومعبدا يهوديا بجزيرة السعديات بمقر العاصمة الإماراتية أبو ظبى، وجائزة الأخوة الإنسانية التى تمنح من أجل ترسيخ العيش المشترك من جانبه، أكد السيد جوتيريش دعم الأمم المتحدة الكامل لمبادرات اللجنة العليا للأخوة الإنسانية، مشيرا إلى أن مشروع بيت العائلة الإبراهيمية هو عمل عظيم يحمل رسائل مهمة لتعزيز الأخوة والسلام، مؤكدا استعداد الأمم المتحدة الدائم لدعم وثيقة الأخوة الإنسانية لأنها مثلت لحظة تاريخية مهمة وينبغى تفعيلها.

الإبراهيمية والعولمة 

وبالرغم من تسارع الخطوات نحو تأسيس المجتمع الإبراهيمى من خلال بيت العائلة الإبراهيمية التى ترعاه لجنة الأخوة الإنسانية بمشاركة شيخ الأزهر إلا أن د. أحمد الطيب شيخ الأزهر أطلق مؤخرا تصريحات تعلن رفضه القاطع لما يسمه بالديانة الإبراهيمية الموحدة، واعتبرها أنها مثل دعوات العولمة. 

وشدد الإمام الأكبر.د أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف أن التوجهات  التى تُنادى -بـ«الإبراهيمية»- أو الدين الإبراهيمى، نسبةً إلى إبراهيم -عليه السلام- أبى الأنبياء وما تطمحُ إليه هذه التوجهات من مزج اليهودية والمسيحية والإسلام فى رسالةٍ واحدة أو دِين واحد يجتمعُ عليه الناس، ويُخلصهم من بوائق النزاعات، والصراعات،  مِثلُها مثل دعوى العولمة، ونهاية التاريخ، و«الأخلاق العالمية» وغيرها –  وقال أن الدعوة للإبراهيمية، وإن كانت تبدو فى ظاهر أمرها كأنها دعوى إلى الاجتماع الإنسانى وتوحيده والقضاء على أسباب نزاعاته وصراعاته.. إلَّا أنها، هى نفسَها، دعوةٌ إلى مُصادرة أغلى ما يمتلكُه بنو الإنسانِ وهو: «حرية الاعتقاد» وحرية الإيمان، وحرية الاختيار، وكلُّ ذلك مِمَّا ضمنته الأديان، وأكَّدت عليه فى نصوص صريحة واضحة، ثم هى دعوةٌ فيها من أضغاث الأحلام أضعافَ أضعافِ ما فيها من الإدراك الصحيح لحقائق الأمور وطبائعها.

 أكاذيب جماعات 

الدكتور محمد بشارى الأمين العام للمجلس العالمى للمجتمعات المسلمة اعتبر أن مشروع الديانة الإبراهيمية كلام إنشائى ليس له أى وجود وإنما هى إحدى أدوات الجماعات الإرهابية ضد استقرار الدول وسعى هذه الدول إلى السلم والسلام.

وفى دحض فكرة قيام الديانة الإبراهيمية قال البشارى: «إن كل الاتفاقيات العربية الإسرائيلية لم تتضمن أى بند فى هذا الاتجاه، ناهيك أن من المستحيل أن يرضى اتباع الديانات السماوية أن تغير من دينه أو صهره فى دين جديد حتى ولو كانت «الديانة الابراهيمية». 

وتعجب أن البعض انساق وراء أكاذيب قنوات الكذب وفى التسويق للتحريض باستعمال أكذوبة مشروع الديانة الإبراهيمية وطالب أن يحتاط الجميع من مثل هذه الافتراءات.