الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
الطريق الثالث.. فى مواجهة توابع الزلزال «الروسى - الأوكرانى»: حماية الأمن الغذائى المصرى.. خبرة تلهم العالم

الطريق الثالث.. فى مواجهة توابع الزلزال «الروسى - الأوكرانى»: حماية الأمن الغذائى المصرى.. خبرة تلهم العالم

لن ندفن رؤوسنا فى الرمال، ونتخفى وراء كلمات مراوغة، لهذا أقولها لكم صريحة، العالم فى خطر، ومصر جزء من هذا العالم، ومصيرها مرتبط بما يحدث فيه، والدولة تجتهد بإخلاص وتحشد كافة مقدراتها لتعبر الأزمة التى فرضتها الحرب فى أوكرانيا، والتى شنتها روسيا فى الأسبوع الأخير من فبراير الماضى، وكانت بمثابة زلزال عسكرى وسياسى واقتصادى واجتماعى، وما زالت توابعه تلقى بظلالها على جميع دول العالم، والجميع يبحث عن «باب الخروج»، للفرار من أشباح كثيرة باتت تهدد مصائرنا وتحدد ملامح المستقبل الذى ينتظرنا.



 

وجاء تحذير الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش قبل أيام، معبرًا عن تداعيات الغزو الروسى لأوكرانيا، حيث دعا إلى بذل جهود «لتجنب إعصار الجوع وانهيار نظام الغذاء العالمى»، وقال فى تصريحات صحفية أوردها الموقع الإلكترونى للأمم المتحدة بالعربية فى نيويورك أن «أوكرانيا تشتعل»، و«هذه الحرب تتجاوز أوكرانيا. كما أنها تُعدّ هجوما على الأشخاص والدول الأكثر ضعفا فى العالم»، واعتبر أن حظر تصدير المنتجات الزراعية من أوكرانيا وروسيا، يمكن أن يؤدى إلى تداعيات ستصيب «الأشد فقرا» وتزرع بذور عدم الاستقرار السياسى والاضطرابات فى جميع أنحاء العالم.

وزادت المخاوف من نقص الغذاء بعدما أعلنت روسيا فرض قيود على صادرات القمح والشعير والشوفان وحبوب أخرى، حيث تنتج روسيا أكثر من 11 % من القمح فى العالم، فيما حذَّرت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو) من أنَّ أسعار الأغذية والأعلاف سترتفع بنسبة قد تصل إلى %20 نتيجة الصراع فى أوكرانيا، وأشارت إلى «أن 45 من الدول الإفريقية والأقل نموا، تستورد ما لا يقل عن ثلث قمحها من أوكرانيا أو روسيا».

واستعدت مصر لمواجهة هذه التحديات بحزمة إجراءات وقرارات استباقية تحمى أمنها الغذائى، منها قرار وزارة التجارة والصناعة، حظر تصدير «الفول الحصى والمدشوش، والعدس، والقمح، والدقيق بجميع أنواعه، والمكرونة بأنواعها»، وذلك لمدة 3 أشهر، بالإضافة إلى جهود حكومية جبارة للحد من ارتفاع الأسعار وضبط إيقاع السوق، وخفض التأثيرات المتوقعة للتضخم العالمى على الاقتصاد المصرى، ويعقد الرئيس اجتماعات مستمرة مع كبار المسئولين فى الدولة والجيش لإدارة خطة الدولة لتجنب الآثار السلبية للحرب الأوكرانية، وأعطى هذا الأسبوع توجيهات للحكومة، لتقوم بتسعير رغيف الخبز الحر (غير المدعوم) للحد من ارتفاع ثمنه، وقيام مباحث التموين بالتأكد من تنفيذ ضبط الأسعار، وكذلك التنسيق مع القوات المسلحة لتوفير السلع الأساسية للجمهور بأسعار مخفضة.

وبالتزامن مع تصاعد الأحداث فى أوكرانيا، نشرت عدة تقارير دولية تضع أكثر من دولة على حافة المجاعة، وتثير القلق حول مستقبلهم. فقد أفاد تحقيق للبنك الدولى قبل أيام، أن الأمن الغذائى للأفغان تدهور بشكل حاد، وأن %70 من الأسر غير قادرة على تأمين حاجاتها الغذائية، كما حدث تراجع كبير فى كمية ونوعية الغذاء المستهلك فى كل من المناطق الحضرية والريفية، وحذرت الأمم المتحدة من إن عدد الأشخاص الذين يعانون من «الجوع الحاد» فى أفغانستان وصل إلى 23 مليون شخص.

وفى اليمن، يثير التعطل فى إمدادات القمح العالمية إثر الغزو الروسى لأوكرانيا المزيد من المخاوف من التضخم الحاد وتفاقم أزمة الجوع، وقال برنامج الأغذية العالمى هذا الأسبوع «إن أزمة أوكرانيا ستزيد من أسعار الوقود والغذاء، خاصة الحبوب، فى هذا البلد الذى يقف على حافة المجاعة». فيما حذّرت وكالات إغاثة تابعة للأمم المتحدة (منظمة اليونيسيف، وبرنامج الأغذية العالمى، ومنظمة الأغذية والزراعة) فى تقرير مشترك، من أنّ عدد الأشخاص الذين يعانون من ظروف مجاعة فى اليمن سيتضاعف خمس مرات بحلول نهاية العام الحالى، وسط نقص كبير فى التمويل.

كما سيعانى أكثر من 70 % من سكان دولة جنوب السودان من الجوع الشديد هذا العام فى وقت يعمق النزاع والكوارث المرتبطة بالمناخ ندرة المواد الغذائية، وفق ما جاء فى تقرير أممى صادر هذا الشهر، وأوضح التقرير أنه «فيما ينصب الانتباه الدولى على أوكرانيا، تتربص حالة طوارئ خفية مرتبطة بالجوع بجنوب السودان، حيث قرابة 8,3 ملايين شخص فى جنوب السودان، بينهم لاجئون، (يواجهون) الجوع الشديد فى الأشهر القادمة».

وفى الصومال، أعلنت الأمم المتحدة أنها «قلقة للغاية» بسبب صعوبة جمع الأموال لمواجهة الوضع الإنسانى الخطير الناجم عن الجفاف فى البلاد، وحذر المنسق الإنسانى للأمم المتحدة فى الصومال، خلال مؤتمر صحافى فى العاصمة الكينية نيروبى قبل أيام، من أن «الوضع خطير ويتدهور بشكل سريع»، وأضاف: «كانت التوقعات قاتمة بالفعل قبل اندلاع الأزمة الأوكرانية، وطغت علينا الأزمات فى تيغراى واليمن وأفغانستان والآن يبدو أن أوكرانيا تمتص كل الأكسجين المتبقى فى الغرفة».

ومن مفارقات الحرب والجوع، فرار سوريين من الجوع فى بلادهم، للمشاركة فى الحرب الأوكرانية إلى جانب الجيش الروسى، وقال أحدهم لوكالة الصحافة الفرنسية (أ ف ب): «وعدونا بثلاثة آلاف دولار.. الأموال التى سأحصل عليها من أوكرانيا، سأفتح بها متجرًا هنا»، وقال آخر: «تعبنا من الجوع.. سأذهب ولن أعود. من أوكرانيا سأذهب إلى أوروبا».

ونختم جولتنا مع الجوع حول العالم، بالعودة إلى الوطن، وخبر مهم تؤكد فيه وكالة «بلومبرج»، أن مصر تعتزم تقديم حوافز إضافية للمزارعين لإنتاج القمح مع إلزامهم بتوريد حصة من المحصول إلى الحكومة، فى ظل مساعى مصر لتأمين إمدادات القمح، وسبق أن وجّه الرئيس السيسى، بمنح حافز توريد إضافى لسعر أردب القمح المحلى للموسم الزراعى الحالى، وذلك بهدف تشجيع المزارعين على توريد أكبر كمية ممكنة، يتزامن ذلك مع قرب موسم الحصاد المحلى، وجهود زيادة إنتاجيته فى إطار سياسة الدولة بالتوسع الأفقى فى الأراضى الزراعية، والتوسع الرأسى فى جودة القمح وكميته باستخدام أفضل أنواع البذور ووسائل الرى الحديث والميكنة الزراعية.

ونجحت الدولة خلال السنوات الماضية فى تعزيز الأمن الغذائى، وحمايته بزيادة الاحتياطى الإستراتيجى من السلع الأساسية وثباته عند الحد الأمن، وتضعنا الخبرة المصرية فى إدارة الأزمات خلال السنوات العشر الماضية (ثورتى يناير ويونيو، ثم الإصلاح الاقتصادى وتعويم الجنيه، وأخيرًا جائحة كورونا)، والتى كان للجيش المصرى دورًا محوريًا فيها، على طريق الأمان والثقة، وتبعث فينا الطمأنينة على بلادنا، المحروسة بإذن الله من مخاطر الجوع وتداعياته.

حفظ الله مصر وشعبها وجيشها