الإثنين 6 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

استغلال لجهل العامة واستخفاف بالعقول الأزهر والكنيسة: التنجيم والعرافة شعوذة حرام

يعتبر التنجيم علمًا يهتم بتأثير حركة الكواكب والنجوم على الأرض والإنسان، ومنذ ظهور هذا العلم ظل اعتراض من المجتمع العلمى القديم والحديث على علم التنجيم ولم يعترف به، وتم اعتبار ما يقع من أحداث موافقة للتنجيم بأنه نوع من الصدف وليس له علاقة بالحقائق، ورغم ذلك فقد وجد المنجمون وعلم التنجيم طريقهم إلى عقول الناس.



الأزهر الشريف من جانبه أعلن اعتزامه محاربة التنجيم، وقام مؤخرًا بإطلاق أول ملتقى علمى يعلن فيه بداية حملة على التنجيم، تطالب برفض العمل بهذا العلم أو ربطه بعلوم الفلك؛ حيث عقد الملتقى مركز الأزهر العالمى لعلوم الفلك والفضاء بعنوان «ملتقى صناعة التنجيم والتطرف الفكرى (الأبراج والتنجيم بين العرف والشرع والفلك)»، واعتبر الأزهر أن تسطيح العقول بالتنجيم أول طريق التطرف، لذا وجب مواجهته.

فيما طالب مركز الأزهر العالمى للفلك وعلوم الفضاء جميع وسائل الإعلام بضرورة توخى الحذر فى التعامل مع ظاهر التنجيم والكهانة وأن تكون هذه الوسائل صوت هداية ورشاد فى هذا الأمر، كما أوصى جميع المراكز البحثية والعلمية بأهمية التعاون المشترك مع مركز الأزهر العالمى للفلك وعلوم الفضاء فيما يتعلق بقضايا التنجيم والكهانة حتى تسهم جميعها فى الحد من الانحرافات العقدية والتطرف الفكرى.

وأكد على ضرورة تناول الخطاب الدينى والدعوى قضية التنجيم والكهانة بشكل وسطى معتدل يمثل الصورة الصحيحة، مع ضرورة أن تسهم دور وهيئات ومراكز الإفتاء فى العالم بتوعية المجتمع بمخاطر التنجيم والكهانة وآثارها السيئة على الاستقرار المجتمعى، وذلك من خلال خطابها ومنصاتها الإلكترونية وعبر مواقع التواصل الاجتماعى.

تشريع لمنع التنجيم 

وحول الرؤية الأزهرية الشمولية للتنجيم يقول د.محمد الضوينى، وكيل الأزهر، إننا لا نحتاج إلى التنجيم الذى يعبث بمخاوف الناس، ويتاجر بآمالهم، وإن ادعى أهله أنه علم، فهو علم زائف، قصارى ما يقدمه آراء لا تخضع لتجربة، ولا تثبت أمام قواعد العلم، فضلاً عما يحدثه من إفساد عقائد الناس وأفكارهم حين يجعلهم يؤمنون بتأثيرات الكواكب والنجوم بعيدًا عن الواحد الأحد. موضحًا أننا نحتاج إلى علم الفلك الذى يضبط حركة الحياة، ويفتح أمام الأمة آفاق الوجود؛ لتسود وتقود، وتكون خير أمة أخرجت للناس، ونحتاج إلى علم الفلك الذى يرينا عظمة الخالق، ودقة صنعه، ومباهج إبداعه؛ ليزداد إيماننا بالله العظيم.

من جهته اعتبر د.نظير عياد، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، أن علم الفلك وإن كان علمًا تجريبيًا بالملاحظة والمشاهدة؛ إلا أن ميدانه معلوم وليس له أن يتصدى للكشف عن الغيب؛ باعتبار أن علم الغيب مكفول لله تعالى. لافتًا إلى أن ما يحدث فى مثل هذه العلوم إنما يكون استنادًا إلى جملة من المقدمات العلمية التى انتهت إليها الكشوف العلمية، وختمت عليه القوانين الكونية، الأمر الذى يسهم فى التنبؤ أحيانًا فيما يتعلق بأمور المناخ والجو وغير ذلك من أمور مبناها التجربة.

 وفى تعبير واضح عن موقف الأزهر استنادًا إلى ما تم الاتفاق عليه فى ملتقى الأزهر الأول فى مواجهة التنجيم، أكد «عياد» على ضرورة سن القوانين والتشريعات التى تحد من ظاهرة التنجيم وأثرها السلبى على استقرار المجتمعات، مع ضرورة أن تولى المؤسّسات الدينية والمجتمعية اهتمامًا بالغًا بظاهرة التنجيم من حيث أسبابها وآثارها وطرُق معالجتها، وذلك من خلال الدراسات والبحوث العلمية المحكمة.

وأشار أيضًا إلى ضرورة أن تشمل البرامج الدعوية والتوعوية التى تقوم بها مؤسّسات الدولة المتعددة مخاطر التنجيم والكهانة حتى تسهم جميعًا فى الحد من مخاطرها السيئة، مع أهمية وضع التشريعات التى تجرم هذه الأفعال ومعاقبة القائم ووضع المواد القانونية اللازمة لذلك.

الدكتور على جمعة، عضو هيئة كبار العلماء، رئيس اللجنة الدينية بمجلس النواب، اعتبر أن القول بأن للحركات النجمية أثر فى حياة الناس وسعادتهم وشقائهم وهذا أمر منهى عنه؛ حيث أننا نعتقد اعتقادًا جازمًا أن ما فى كون الله لا يسير إلا بما أراد الله، واعتقاد غير ذلك شرك، أمّا التسيير فمعناه أن الله تعالى قد جعل حركة الشمس والقمر والنجوم سببًا فى الفصول، وبها يمكن الاستدلال على ما يحدث فى النبات والحيوان والإنسان، وهذا أمر يعرفه الكثير من أهل الفلاحة والزراعة وهو علم نافع ومحمود. مضيفًا إن النبى صلى الله عليه وسلم قد نهى عن الأول وأمرنا بالثانى بحثًا وعلمًا وتطويرًا.

من جانبه قال الدكتور إبراهيم الهدهد، رئيس جامعة الأزهر الأسبق، إن التنجيم كان يعد قديمًا علمًا من أخطر العلوم وكانوا يطلقون عليه علم الأزمان، وأن الأسطورة أو العقل الوهمى دائمًا لها تأثير فى توجيه الإنسان، وهو ما واجهته الأديان وبيّنه القرآن الكريم فى آيات كثيرة.

أضاف إن التنجيم يعد مخالفًا لعلم الفلك الذى يعد مطلبًا شرعيًا لاعتماد الكثير من الأحكام الشرعية عليه، وكان للأزهر الشريف السبق فى هذا المجال حيث درس فيه الكثير من كبار علماء الفلك، مشددًا على ضرورة التصدى لتصحيح الكثير من المفاهيم المتعلقة بعلم الفلك لخطورة ما نراه من انحرافات تمس عقائد الناس، فالغيب بيد الله وحده. 

 رفض كنسى

موقف الكنيسة المصرية لم يختلف عن موقف الأزهر فى رفض التنجيم؛ حيث أوضح الأنبا أرميا، الأسقف العام ورئيس المركز الثقافى القبطى بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية، والأمين العام المساعد لبيت العائلة المصرية، أن المسيحية ترفض مسألة التنجيم، وتؤمن بأن مصير البشر جميعًا فى يد الله وليس فى حركة النجوم، وأن المنجمين لا يمكنهم مساعدة الإنسان.

 وشدد أن التنجيم مرتبط بالسحر والشياطين، وانتقده كثير من القديسين والعلماء، ولذلك فإن أى إنسان يتعامل مع المنجمين يعاقب ويطرد من الكنيسة.

وأوضح أن هناك سعيًا دائمًا للإنسان نحو المعرفة وبشكل خاص نحو الأمور المستقبلية، وهذه الشهوة أضلته كثيرًا حتى لجأ إلى أساليب تبعد به عن المعرفة الحقيقية التى أعطاها الله للبشر، ومن بين تلك الأساليب البعيدة عن العلم التنجيم.

وقال: إن النجوم من صنع الله، وتوجد آيات كثيرة فى الأديان تؤيد ذلك، كما لا يوجد هناك سُلطان للبشر على تحريك الكواكب، فالله خالق الشمس والقمر والنجوم من أجل أن تكون علامات ومؤشرات ملاحية وللأزمنة لتحديد الأوقات.

أضاف إن هناك فارقًا كبيرًا بين علم الفلك الذى يدرس الكون، وبين التنجيم الذى يرتبط بمعلومات قديمة حول الكوكب والنجوم وآثارها على أحوال الإنسان وأحداث الحياة؛ حيث أصبح التنجيم دراسة مستقلة بذاتها وصنفًا مع العلوم الروحانية والعرافة، واعتبره علماء الطبيعة بأنه علم الخرافات؛ حيث يزعم التنجيم أن هناك تأثيرًا مفترضًا للنجوم والكواكب على مصير البشر، ويتكهن بالتنجيم على الكوارث الطبيعية.

 الفلك والتنجيم

وحول حقيقة التنجيم وعلاقته بالفلك يرى د.جاد القاضى، مدير المعهد القومى للبحوث الفلكية وعضو مركز الأزهر لعلوم الفلك والفضاء، أن الأرقام والإحصائيات عن مدى انتشار الدجل والشعوذة فيما يتعلق بالتنجيم واللغط الذى يتم الخلط به بين علم الفلك والتنجيم.

أضاف إن هناك استغلالاً لجهل العامة واستخفافًا بالعقول لنشر فكرة التنجيم، وللأسف هناك من يروج له، موضحًا إنه منذ عام 1903 يقوم المعهد القومى لعلوم الفلك بالدور المنوط به بالحسابات الفلكية والعلوم العلمية المتعلقة بالفضاء، وللأخذ بالأسباب العلمية وإعمالاً لسُنة الله فى التفكر والتدبر.

ولفت إلى أنه فى عام 2018 صدر قرار الرئيس عبدالفتاح السيسى بإنشاء أول وكالة فضاء مصرية لإحراز تقدم علمى مصرى فى كشف الفضاء، ودحض الافتراءات وأساليب الدجل والشعوذة، والأخذ بأسانيد العلوم لتوضيح الحقائق. 

وعن سبل مواجهة فكرة التنجيم قال جاد: لقد قمنا بإطلاق تطبيق ذكى للهواتف المحمولة من أجل إيصال المعلومة الصحيحة عن الفلك وماهية الكون والنجوم ومواجهة أساليب الشعوذة التى يقوم بها المنجمون، وقال: «لن ندخر جهدًا بجميع ما نستطيع به فى دعم المركز الشرعى للفلك بالأزهر الشريف فى مواجهة الدجل.. وعدم ربط العلوم الفلكية بمسألة التنجيم».

 إحصائيات مخيفة 

د.أحمد عبدالبر، مدير المركز العالمى بالأزهر للفلك، أوضح عددًا من الإحصائيات التى اعتبرها البعض مخيفة حول قناعة الناس بالتنجيم ومدى اعتمادهم عليه فى حياتهم، وأكد أنه من خلال تتبع المركز فيما يتعلق بالتنجيم كان هناك عدة دراسات منشورة تفيد وجود اعتقاد لنسبة كبيرة من المصريين لمضامين الأبراج والتنجيم، من بينها دراسة تمت تحت إشراف د.جمال عبدالحى، أستاذ الإعلام بجامعة الأزهر؛ حيث جاءت نسبة من يتابعون مضامين الأبراج والتنجيم نحو 64.6 %، ويعتبر التنجيم ومضامين الأبراج فى الترتيب الرابع التى يفضل متابعتها المراهقون؛ وبخاصة النساء، وذلك بنسبة 44.6 % إلى 32.7 % فى الذكور وأيضًا متابعة مواقع التواصل الاجتماعى التى يتابعها المراهقون لمعرفة مضامين الأبراج ومتابعة العرافين بنسبة

83.3 %، وكذلك البرامج التليفزيونية بنسبة 24.7 %، يليها حظك اليوم فى الصحف والمجلات بنسبة 22.7 %. ووفقًا لما جاء بالدراسة جاءت متابعة كتب الأبراج والدجل بنسبة 0.5 %، وأن المركز قد رصد مدى اقتناع المراهقين بمضمون الأبراج والتنجيم فى وسائل الإعلام من توقعات مستقبلية فجاءت فئة «لا أصدقها» بنسبة 53.9 % وفئة «أقتنع بها» بنسبة 40.4 %، ومن هذه النسب تبين لنا أن هناك دوافع للمراهقين تجعلهم يتابعون مضامين الأبراج والتنجيم، مشيرًا إلى أن ذلك قد دفع مركز الأزهر للفلك لتوضيح الفرق بين الفلك والتنجيم والأبراج علميًا وشرعيًا؛ وبخاصة فى ظل تجديد الفكر والخطاب الدينى؛ حيث إنها ضرورة تفرضها تحديات العصر فى ظل المعتقدات الفلكية الخاطئة، وتأثيرها على الثقافات المختلفة مما يعطى تجديد الفكر الدينى مسئولية كبرى لتخليص الشريعة الإسلامية بما علق بها من شوائب الجهل، وأدران الأباطيل والضلالات.

وأشار مدير مركز الأزهر العالمى للفلك إلى أنه فى خضم المعركة التى أدارتها الشريعة الإسلامية لتحرير العقول من ضلالات الوهم والخرافة، والدجل والشعوذة يأتى فى طليعة ذلك موقفها من علم النجوم أو ما يعرف بالتنجيم، والذى يؤمن به الكثير من المهووسين لمعرفة ما أخفاه الله عن خلقه من الغيب المستور، والمستقبل المحجوب، بمتابعة حركة النجوم فى أفلاكها ومراقبة مشارقها ومغاربها، ثم تدرج الأمر بهم حتى بلغوا فى الضلال غايته عندما ادّعوا تأثير تلك الأجرام السماوية على الأحداث الأرضية.

 

جريمة بلا قانون

من جهته حذر اللواء الدكتور محسن الفحام، مساعد وزير الداخلية الأسبق، عضو هيئة التدريس بأكاديمية الشرطة، من ظاهرة تضليل الناس نتيجة ممارسة أعمال التنجيم التى بدأت فى الآونة الأخيرة تتسع بصورة غير مسبوقة حتى إن العديد من وسائل الإعلام والفضائيات المختلفة تتسابق فى استضافة من يدعون أنهم علماء الفلك المطلعين على حركة الأجرام السماوية والأقمار المدارية.

وأوضح أن جريمة التنجيم جريمة بلا قانون، والإفلات من تلك القضية أصبح ظاهرة فى مجتمعاتنا وواقعًا نعيشه، وذلك يرجع لعدم وجود تشريع يعاقب عليها، مشيدًا بدور الأزهر الشريف ورسالته النبيلة فى رفع الوعى بهذه القضية، وتصحيح المفاهيم الخاطئة التى تؤثر على استقرار المجتمع. مطالبًا بضرورة التدخل لإضافة مواد لقانون العقوبات المصرى تؤثم أشكال التنجيم وأعمال السحر والشعوذة بطريقة مباشرة وبألفاظ قاطعة الدلالة لوأد الظاهرة فى مهدها.