الإثنين 20 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
الطريق الثالث.. ملامح «الأخلاق» فى الجمهورية الجديدة سر بقاء الأمم من أمير الشعراء إلى الرئيس السيسى

الطريق الثالث.. ملامح «الأخلاق» فى الجمهورية الجديدة سر بقاء الأمم من أمير الشعراء إلى الرئيس السيسى

أذكركم بها وبالشعر ديوان العرب، الذى يوشك على الانقراض مثلها، وأذكركم أيضاً بأمير الشعراء أحمد شوقى بك أعظم شعراء مصر فى العصر الحديث، لنسترجع معه الأخلاق التى شحّ حضورها فى هذا الزمان، والتى تعلمنا أهميتها صغاراً ونحن نحفظ شعر شوقى، ونكرر معه البيت الأخير من قصيدته «صحوت واستدركتنى شيمتى الأدب»، والذى يقول فيه: «وَإِنَّمَا الأُمَمُ الأَخْلاقُ مَا بَقِيَتْ· فَإِنْ هُمُ ذَهَبَتْ أخلاُقُهْم؛ َذَهُبوا».



الأخلاق التى اختصّ بها المولى عز وجل نبينا الكريم محمد عليه الصلاة والسلام، فى قوله تعالى بسورة القلم: «وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ»، وهو تخصيص هدفه التنبيه لقيمة وأهمية الأخلاق، وهى القيمة التى أدرك رئيسنا عبدالفتاح السيسى تأثيرها على مشروعه فى تشييد الجمهورية الجديدة، ولهذا أوصى مبكراً بتدريس مادة «القيم واحترام الآخر»، والتى أقرتها وزارة التربية والتعليم لطلاب المدارس الابتدائية لتكون البذرة التى نترجى حصادها فى نفوس أبنائنا فى المستقبل القريب.

وتعتمد مادة «الأخلاق» الجديدة، بحسب ما أوضحه خبراء التعليم، على قصص واقعية يتم سردها بطريقة ممتعة للطلاب، مع الاستعانة بشخصيات متنوعة من نسيج المجتمع المصرى، وتقدم المادة من خلال أنشطة تأملية تدفع الطالب للتفكير فى السلوكيات والمواقف والممارسات التى يتعرض لها فى حياته اليومية، وقد أكد الدكتور طارق شوقى وزير التربية والتعليم، أن سلسلة كتب «القيم واحترام الآخر» يتم تدريسها لتلاميذ نظام التعليم الجديد، وهم تلاميذ الصفوف من الأول حتى الرابع الابتدائى، لترسيخ القيم الإنسانية المشتركة بين جميع الأديان السماوية مثل النظافة والأمانة والصدق وتقبل الآخر وكذلك احترام التنوع والتسامح، وجدير بالذكر أن الطفل الموهوب مهند عماد الدين، هو صاحب مقترح تدريس مادة «احترام الآخر»، وكان قد عرضه فى ديسمبر 2019 على الرئيس السيسى فى احتفالية «قادرون باختلاف» لأصحاب الهمم وذوى الاحتياجات الخاصة من الأطفال.

لا يخفى على أحد تزايد العنف فى السنوات الأخيرة، وتراجع الأخلاق، وبينهما وقف الإنسان حائرًا ينعى ماضيه الجميل ويبكى على مستقبله المجهول، أزمة تعانى منها كل بلاد العالم فى العقدين الأخيرين، وأصبحت خطرًا يهدد استقرارها وأمانها، وفى مصر تسلل فيروسى الفوضى والعنف إلى أوصال المجتمع مع مطلع القرن الحادى والعشرين، وبلغ ذروة انتشارهما بين المصريين فى سنوات ما عرف بالربيع العربى، التى انقلبت فيها الموازين وانفلتت الأمور وبلغت حد الكارثة، لولا نجاح الدولة فى استعادة هيبتها بفضل القيادة السياسية الحكيمة والمتزنة للرئيس عبدالفتاح السيسى، الذى أعاد الأمور إلى نصابها، وأسس لعقد اجتماعى جديد، يجرى تفعليه فى جميع المجالات.

إن «الأخلاق» الضائعة فى هذا الزمان، لا مجال لاستعادتها إلا بإتقان فن «ضبط النفس»، والذى يحتاج إلى تربية قوية وتدريب قاسٍ وجهد شاق وربما تختصر «سر بقاء الأمم»، العبارة البليغة: «الحِلم سيد الأخلاق»، التى استقرت فى الوجدان العربى والإسلامى على مر العصور، حتى ظنها البعض قولاً نبوياً من فرط بلاغتها، لأنها اختصرت الكتاب كله فى كلمة، بعد أن جعلت صفة «الحِلم» هى «السيد» على الأخلاق كلها. والحِلم، بكسر الحاء وسكون اللام، هو الأناة وضبط النفس وفق ما ذكرته معاجم اللغة، و«حلُم الشَّخصُ»: تأنّى وسكن عند غضب أو مكروه مع قدرة وقوّة.

ويشرح الأستاذ أحمد أمين فى كتاب الشهير المعنون بـ«الأخلاق»، الصادر عام 1923، طرق غرس الفضائل من قيم وأخلاق، قائلاً: «للفضائل وسائل مختلفة تعنى على غرسها، نذكر أهما: عادات صالحة نعتادها من صغرنا، وقدوة حسنة تحيى ضمائرنا، وأصدقاء منتقون، وكتب مختارة تشرح سير الأبطال وعمل الصالحين، ودراسة لعلم الأخلاق تشحذ ذهننا لمعرفة الخير والشر، وتستحث إرادتنا للعمل على وفقه». ويكمل موضحاً: «لا نستطيع عد الفضائل جميعها، لذلك نختار بعض الفضائل الهامة ومنها: الصدق والشجاعة والعفة والاعتدال والرحمة والاعتماد على النفس والانتفاع بالزمن والتعاون، وهذه الفضائل وأمثالها لا يرقى الإنسان فى اكتسابها إلا بأمرين: الأول: محاسبة النفس وسؤالها من حين إلى حين فى أية فضيلة ارتقيت وفى أيتها ضعفت، الثانى: الإرادة القوية المسيطرة على النفس».

وربما نحتاج دائماً لأن نضع نصب أعيننا وصية المصطفى عليه الصلاة والسلام، والتى رواها البخارى عن أبى هريرة رضى الله عنه: أن رجلًا قال للنبى صلى الله عليه وسلم: أوصنى، قال: «لا تغضب»، فردد مرارًا، قال: «لا تغضب».

أتذكر عندما كان ابنى فى الصف الثالث الابتدائى، أن دعتنى مُدَرِسة الفصل إلى اجتماع، وناقشتنى فى مستواه التعليمى وتطوره، ثم صدمتنى قائلة إن هذا التطور معرض للانهيار لأن ابنى يحتاج إلى تقويم سلوكى، وعندما سألتها عن مقصدها، قالت عبارة موجزة باللغة الانجليزية: «He must control himself»، واستطردت المدرسة موضحة بأن علينا التعاون (البيت والمدرسة) كى يتقن الولد مهارة ضبط النفس وبسرعة، إن أردنا بناء شخصيته بشكل سليم، وكى تتمكن المدرسة من تربيته وتعليمه أسس الأخلاق الحميدة، وقد أضاءت تلك الجلسة شمعة فى طريق تربيتى لابنى، واجتهدت دومًا من بعدها على تدريبه وتدريبى على هذه الصفة، وننجح مرات ونفشل كثيراً، لكننا نجتهد معاً كى نسيطر على أنفسنا فى زمن منفلت، ومثير للأعصاب، يدفعك بسهولة للجنون.

وحديثنا عن الأخلاق وعظمتها وقيمتها، حديث مستمر لا يتوقف، فى وسائل الإعلام القديمة والجديدة، وفى المحافل الاجتماعية، ومنابر العلم والدين، ومنصات الفن والأدب، وفى كل الأوقات وسائر العصور، حديث لا ينقطع قبل شوقى وبعده، وقبل الإسلام وبعده، وصولاً إلى العصر الحالى، الذى يتحتم علينا فيه أن نعمل من أجل نشر الأخلاق، ليس فقط لأنها معيار حضارة الأمم، ولكن لأنها أساس بناء المجتمع القوى الذى نتطلع إليه فى الجمهورية الجديدة، فنحن بحاجة لأن نحول الأخلاق إلى مشروع وطنى تحتشد من أجله كل مقدرات الدولة المصرية، التى كانت وستبقى «فجر الضمير»، الذى يتطلع إليه العالم.