السبت 11 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

من تسميم الرئيس والشيشان قادمون إلى رسالة الجندى الميت! إمبراطورية الأكاذيب

هناك حرب مستعرة تجرى حالياً بالتوازى مع  المعارك الطاحنة التى تدور بين الجيشين الروسى والأوكرانى بمختلف الأسلحة الثقيلة على عدة جبهات وربما لا تقل ضراوة عنها، إنها حرب من نوع آخر   طابعها معلوماتى  وسلاحها الماكينة الإعلامية والدعائية الغربية الجبارة، من قنوات فضائية وصحف ومنصات تواصل اجتماعى وذباب إلكترونى، وأهدافها سياسية واستراتيجية واقتصادية، إنها الحرب النفسية.



 

بدأت آلة الإعلام الغربى فى ممارسة حملاتها  الدعائية بالتزامن مع بدء روسيا عملياتها العسكرية فى أوكرانيا لتشويه صورتها عالميا وتحريض الشعب الروسى نفسه ضد قرار الغزو .

أولا بحشد الرأى العام العالمى ضد الموقف الروسى والإجماع على إدانته لغزو بلد غربى ذات سيادة  وطنية، وقتل وتشريد الملايين من مواطنيه ذوي البشرة البيضاء الأذكياء المتحضرين،  والذين أصبحوا لاجئين إلى دول أوروبا مثلهم مثل اللاجئين الأفارقة والسوريين والأفغان بفعل قرار بوتين المتهور، وثانيا: بإهانة الدب الروسى وجرح كبريائه أمام العالم أجمع من خلال الترويج لسردية إعلامية موحدة  بأن الغرب استطاع أن يحاصر بوتين ويدفعه إلى الركن الضيق من خلال القرارات المؤلمة الموحدة التى اتخذها حلف الناتو والدول الأوروبية ضده تضامنا مع كييف. 

بهذه السرديات فرض الغرب رؤيته للأزمة الراهنة، وصياغة المشهد على النحو الذى يتسق مع مصالحه من خلال الاستخدام الأقصى لأدواته الإعلامية المتعددة،  فها هو حلف الناتو وقد أعلن أنه سيستخدم كل شيء، من أجل دعم أوكرانيا  - سواء -  بأسلحة تتدفق عليها من كل صوب، ومتطوعين من الناتو، إلى فرض حظر على الطيران، وإخراج روسيا من منظومة سويفت، ومنع التعامل التجاري، وكذلك العمل المخابراتى والسيبرانى وحجب القنوات الروسية فى بعض الدول الغربية وعلى منصات فيسبوك والسوشيال الميديا الأمريكية وحتى حرمان الفرق الرياضية الروسية من المشاركة فى المسابقات العالمية، بما فيها كأس العالم لكرة القدم. 

ما جعل مراقبين يؤكدون أن الحرب النفسية والدعائية مهمة جدا وأنها من الأمور التى يبدو أن الإعلام الغربى يدعم فيها أوكرانيا بشكل واضح، لافتين إلى أن الآلة  الإعلامية الغربية نجحت - حتى الآن -  في تنفيذ العديد من الأهداف الموكلة إليها، وأهمها  تخفيف حدة الضغوط الداخلية داخل المعسكر الغربى وإظهاره فى موقف القوى القادر على إيقاف الروس، وإلحاق الهزيمة بروسيا بوتين بأقل تكلفة اقتصادية وعسكرية، وإظهار مدى الرشادة  فى اتخاذ القرارات من جانب قيادات المعسكر الغربى إلى جانب إظهار مدى قوة الناتو وأهميته لضمان الأمن والاستقرار فى المنظومة الأوروبية. 

فالغرب الذى دأب طوال العقود الماضية على استخدام أدواته  الإعلامية بفاعلية فى الترويج للديمقراطية والقيم الغربية، وشيطنة الاشتراكية والقيم الشرقية. وبمساعدة الإعلام فقط استطاع تقليب المواطنين فى دول العالم المختلفة ضد الأنظمة السياسية الحاكمة، والوصول إلى تغييرها بأنظمة موالية دون إطلاق رصاصة واحدة. ما زال قادرا على قلب المشهد، وهو ما حدث فى الحالة الأوكرانية، فبعد أن عمد بوتين إلى جذب انتباه العالم، من خلال وكالات الأنباء الروسية التى تعمل على نطاق دولى: نوفوستى، روسيا اليوم، سبوتنيك وغيرها. واستطاع من خلالها تسويق المظلومية، والظهور من مربع الدفاع عن الأمن القومى لروسيا، وساق كل الحجج والأسانيد التى تدعم موقفه أمام الرأى العام العالمى الذى اقتنع بمبررات الروس فى بداية الغزو، بل انبهر الكثيرون بتحقيق القوات الروسية فى أوكرانيا  اختراقات سريعة ومهمة على الجبهتين الشرقية والشمالية الشرقية، وفرض السيادة الجوية، فضلاً عن الهجمات السيبرانية، ومحاولة عزل مناطق شرق أوكرانيا عن العاصمة كييف. 

وفى حل الرئيس الروسى بوتين فى الإعلام الغربى فى صورة هتلر  - الرئيس المختل عقليًا والمهووس بالإجرام والسلطة والطموحات التوسعية،  ويريد خطف العالم إلى الحرب التى يسميها الغرب حرب بوتين. 

فى هذا السياق، انتقد بعض المراقبين غياب الحيادية لدى وسائل الإعلام  الغربية وتحولها إلى أداة فى حملة الدعاية ضد روسيا خصوصا فيما يتعلق بتغطية أحداث ومستجدات المعارك العسكرية التى تجرى فى جبهات القتال .وأشاروا إلى أنه فى الوقت الذى لا يريد بوتين الدخول فى حرب شوارع، لأنه  يدرك جيدا أنها حرب خاسرة وسبق لروسيا خسارة حروب بهذا الشكل، لذا يتجنب قصف المدنيين والتجمعات السكنية، واضعا فى الحسبان الحرص على عدم خسارة تعاطف الأوكرانيين والناطقين بالروسية الموالين لروسيا. 

فإن وسائل الإعلام الغربية كانت تضغط لإيقاع الروس فى هذا الفخ، من خلال نشر المواد المصورة  ومقاطع الفيديو  والأخبار المضللة عن وقوع أسرى وخسائر روسية بأرقام مبالغ فيها  فى الجنود  والمعدات العسكرية ليس فقط من أجل إضعاف الروح المعنوية وبث الرعب فى صفوف المقاتلين الموالين لروسيا ولكن أيضا من أجل استفزاز الجيش الروسى ودفعه للقيام بعمليات عسكرية مروعة داخل المدن. 

وذلك بالتزامن مع محاولات الرئيس الأوكرانى نفسه تجييش الشعب الأوكرانى بكافة فئاته بمن فيهم المجرمون القابعون فى السجون، وإدخالهم فى حرب شوارع لأنه يدرك جيدا أن هذه الاستراتيجية الوحيدة لكبح التوغل الروسي. 

كما كان  أبرز مثال لاستخدام الحرب النفسية بين البلدين، هو نقل المندوب الأوكرانى الدائم لدى الأمم المتحدة سيرجى كيسليتسيا ما زعم أنه محادثة نصية لجندى روسى ووالدته قبل ساعات من وفاته، وأخبرها خلالها أنه خائف، وأن القادة أخبروه وزملاءه أن المدنيين الأوكرانيين سيرحبون بهم.

وقرأ كيسليتسيا ما ورد فى المحادثة التى جرت على الهاتف الذكى للجندى الروسى أمام أعضاء الجمعية العامة، حيث بدأت بسؤال الأم عن نجلها قائلة: «كيف حالك؟ لماذا لم تتواصل معى منذ وقت طويل؟ هل تشارك حقاً فى تمارين عسكرية؟».

ليرد عليها الجندى قائلاً: «أمي، لم أعد فى شبه جزيرة القرم. ولا أشارك حالياً فى دورات تدريبية».

وعندها تساءلت الأم عن مكان ابنها بالتحديد، قائلة إن والده يريد أن يرسل طرداً له، ليجيب الجندى قائلاً: «أمى، أنا فى أوكرانيا. هناك حرب حقيقية مستعرة هنا. أنا خائف. نحن نقصف كل المدن معاً، حتى نستهدف المدنيين. قيل لنا إن المدنيين سيرحبون بنا، ولكنهم فى الحقيقة يسقطون تحت مدرعتنا، ويلقون بأنفسهم تحت العجلات ولا يريدون السماح لنا بالمرور. يصفوننا بالفاشيين. أمي، هذا أمر قاسٍ للغاية».

وتوفى الجندى بعد ساعات من هذه المحادثة، التى علق كيسليتسيا عليها بقوله: لقد قُتل هذا الرجل عدة مرات.

ومن جهته، قال سفير روسيا لدى الأمم المتحدة فاسيلى نيبينزيا، إن تصرفات روسيا فى أوكرانيا تتعرض للتشويه، لافتا إلى أن شبكات التواصل الاجتماعى مدربة على كيفية صنع منتجات مزيفة  وعبر الشبكات الاجتماعية الأوكرانية، هناك 1.2 مليون  قطعة من الأخبار والمحادثات والمراسلات المزيفة، من بينها تلك المحادثة التى قرأها المندوب الأوكرانى.